الموقف السياسى اهتمام واسع بالاستثمار فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وإمكانات مصر فى توليد الطاقة الخضراء وتصديرها دعوة الرئيس لقادة الدول الثلاث لافتتاح المتحف المصرى الكبير تدشين لعلاقات ثقافية محورها الحضارة المصرية القديمة اتفاق أوروبى على دور مصر المحورى فى عملية السلام ورفض تصفية القضية الفلسطينية ودعم جهود القاهرة نحو التهدئة فى الشرق الأوسط بهدوء انضمت إلى الحشد وهى تحمل عَلم مصر بيدٍ، وتستند يدها بالأخرى على ابنتها، «سلوى» جدة مصرية صميمة تعيش فى نيوكاسل ببريطانيا، ولكنها أصرت على السفر لاستقبال الرئيس عبد الفتاح السيسى فى مقر إقامته بالعاصمة الأيرلندية دبلن. كان الجو كان قارس البرودة، وهو المعتاد فى مثل تلك الأوقات بشمال أوروبا، ورغم ذلك انتظرت سلوى وسط الجموع، وهى تهتف: تحيا مصر وترفع العلم، رغم أنها غائبة لسنوات طويلة عنها. اقتربت منها وسألتها عن سبب حضورها، قالت إنها تتابع أخبار مصر والمنطقة، وعلمت أن الرئيس السيسى سيكون فى أيرلندا، وأن الجالية المصرية تتحضر من أجل استقباله، فقررت السفر لمشاركتها الاحتفال باستقبال الرئيس. دعوت لها بدوام الصحة والعافية، قالت: «ادعُ لمصر أن يحفظها الله ويحميها».. تركتها وهى تحتضن العَلم وتُغنى مع الجموع: بلادى بلادى لكى حبى وفؤادى، الشعب هو كنز الدولة المصرية، داعمها والمدافع عنها، والحريص على أمنها واستقرارها، فى محيط يحمل تحديات خطيرة، وفى منطقة شديدة السيولة والتعقيد. ولذلك اكتسبت جولة الرئيس السيسى إلى دول شمال أوروبا زخمًا وبُعدًا مهمًا فى خضم ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من أزمات وتقلبات ذات تأثير مباشر على الأمنين الإقليمى والعالمى، وتعرض اقتصاديات المنطقة المنهكة إلى تحديات مضاعفة تتطلب مزيدًا من التعاون مع دول الشمال، بما لديها من تجارب وخبرات وتأثير بارز فى صناعة القرار الأوروبى. وتحتل كل من الدنمارك والنرويج وأيرلندا مواقع متقدمة من بين دول الاتحاد الأوروبى فى مجالات الاستثمار والطاقة النظيفة، وهى المجالات التى تستهدفها مصر خلال الفترة المقبلة، كما أن لها مواقف إيجابية من القضية الفلسطينية، حيث اعترفت النرويج وأيرلندا بفلسطين كدولة ذات سيادة، وهو ما يدعم جهود مصر لعدم تصفية القضية الفلسطينية. وكان الرئيس السيسى واضحًا فى التحذير من خطورة الوضع الإنسانى الكارثى فى قطاع غزة، وتشديده على ضرورة النفاذ الكامل والآمن والمستدام للمساعدات الإنسانية دون شروط أو عراقيل، واستعرض الرئيس الجهود المصرية المبذولة فى ذلك الصدد، وكان آخرها المؤتمر الوزارى الذى تم عقده بالقاهرة يوم 2 ديسمبر الجارى بالتعاون مع منظمة الأممالمتحدة، لحشد الاستجابة الإنسانية للفلسطينيين فى قطاع غزة. وحمل الاستقبال التاريخى للرئيس السيسى فى الدنمارك، والاحتفاء الكبير من «فريدريك العاشر» ملك الدنمارك، و«ميتا فريدريكسن» رئيسة الوزراء ورئيس البرلمان الدنماركى دلائل كثيرة على تقدير الدنمارك لمصر، ولزيارة أول رئيس مصرى لها، وما تتمتع به مصر من ثقل على المستويين الإقليمى والدولى، فضلًا عن أن الاتفاق على ترفيع العلاقات بين البلدين إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية يُعبِّر عن مرحلة جديدة تعكس عمق العلاقات بين البلدين. حققت زيارة الدنمارك نتائج إيجابية على المستويين السياسى والاقتصادى، ودفعت أطر التعاون بين البلدين إلى آفاق جديدة فى جميع المجالات وعلى رأسها: النقل البحرى، الطاقة والتحول الأخضر، الصحة، البحث العلمى، الاستثمار، الزراعة، السياحة، الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، مكافحة الهجرة غير الشرعية، الإرهاب، ومكافحة الفقر والتصحر، كما أعربت الدنمارك عن تفهمها لجهود مصر فى الحفاظ على أمنها المائى. وخلال الزيارة تم إطلاق مجلس الأعمال المصرى الدنماركى، وهو ما يدعم جهود مصر فى استقدام استثمارت دنماركية مباشرة تنعش الاقتصاد المصرى. وشهدت العاصمة النرويجية«أوسلو» مظهرًا آخر من مظاهر التقدير للرئيس، حيث استقبله فى حفل شاى غير رسمى «يوناس جار ستور» رئيس الوزراء النرويجى، وهو إجراء غير معتاد لرئيس الوزراء النرويجى قيامه أن يستضيف أية فاعلية لمسئول أجنبى خلال عطلة نهاية الأسبوع، فضلًا عن حرص رئيس الوزراء على استضافة حفل الشاى بمقر إقامته، وخلال العشاء أعرب رئيس الوزراء النرويجى عن اعتزازه بالزيارة التاريخية للرئيس كأول رئيس مصرى يزور النرويج. وكان من أهم نتائج زيارة النرويج الاتفاق على آلية التشاور السياسى، وتنسيق المواقف إزاء القضايا الإقليمية والدولية المشتركة، خاصةً فيما يتعلق بدعم القضية الفلسطينية واستعادة الاستقرار بالشرق الأوسط، وترحيب مصر بالتعاون مع النرويج فى مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، ودعوة الرئيس للصندوق السيادى النرويجى -وهو الأكبر فى العالم- لتعزيز تواجده فى مصر وزيادة الاستثمارات فى مجال الطاقة النظيفة لتصبح مصر مركزًا للطاقة الخضراء فى المنطقة. والتقى الرئيس السيسى بكل من الرئيس التنفيذى لشركة «إمباور» النرويجية للطاقة الجديدة، والرئيس التنفيذى لشركة «جولار» النرويجية لتسييل الغاز، والرئيس التنفيذى للوكالة النرويجية للتعاون التنموى، والرئيس التنفيذى لجمعية الأعمال النرويجية الإفريقية، وجرى الحديث عن الاستراتيجية الوطنية المصرية لزيادة حجم الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وناقش معهم فرص تعزيز التعاون الثلاثى فى إفريقيا، بما يدعم جهود القارة فى التنمية، وتم استعراض الدور الذى تلعبه الشركات المصرية فى القارة، وإمكانية الاستفادة من الخبرات المصرية لتقديم دعم مشترك وملموس للقارة وشعوبها، وشهد الرئيس عقب اللقاء مراسم توقيع عقد بين شركتى «إمباور» النرويجية، و«ماجد الفطيم» لتنفيذ مشروع فى مجال الطاقة الشمسية لأغراض الصناعة بمصر. وكانت دبلن المحطة الأخيرة لجولة الرئيس، وفيها التقى الرئيس الأيرلندى «مايكل هيجينز» ورئيس الوزراء «سايمون هاريس»، وجرى خلالها مناقشة تنظيم زيارات لبعثات تجارية بين الدولتين، وزيادة انخراط الشركات الأيرلندية فى السوق المصرى. وتم التوافق على ضرورة توسيع الاعتراف الدولى بالدولة الفلسطينية وفقًا لقرارات الأممالمتحدة ذات الصلة، بما يضمن تحقيق السلام واستعادة الاستقرار والاستجابة لتطلعات شعوب المنطقة نحو السلام والازدهار. كما توافق الجانبان على اتخاذ خطوات ملموسة للاستفادة من الخبرات التكنولوجية الأيرلندية فى قطاعات الصناعة، الاتصالات، الزراعة والبيئة، بما يُحقق تطلعات الشعبين الصديقين ومصالحهما المشتركة. انتهت الجولة وحققت مصر عددًا من الأهداف يمكن إجمالها فى الآتى: ترفيع مستوى العلاقات مع دول الشمال الأوروبى للمستوى الإستراتيجى يصنع مساحات اتفاق وتفاهم أكبر بين مصر وشركائها الأوروبيين، ويقطع الطريق أمام أية محاولات لتشوية دورها، وذلك من خلال التواصل المباشر بين القاهرة وعواصم الشمال الأوروبى، وهو ما يحدث لأول مرة فى تاريخ مصر. حصلت القاهرة على دعم أوروبى جديد لجهودها فى إحلال السلام وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وحشدت رفضًا أوروبيًا لمحاولة تصفية القضية الفلسطينية، وتم الاتفاق على خطورة الوضع الإنسانى فى غزة، وضرورة إدخال المساعدات دون شروط. عرضت مصر برنامجها للإصلاح الاقتصادى - وما تُوفره من مميزات للاستثمارات الأجنبية المباشرة والقطاع الخاص من أجل الاستثمار فى مصر - أمام أكبر رأس مال فى أوروبا وأنجح صناديقها السيادية. كشفت عن سعيها للتحول إلى مركز لتوليد الطاقة النظيفة فى المنطقة، وتطلعها لزيادة الاستثمارات فى ذلك القطاع لدى أكبر الدول المستثمرة فى هذا المجال. وضعت مصر أمام الشركات الأوروبية الناجحة فى الشمال الفرص الاستثمارية الموجودة والمتاحة فى كل القطاعات داخل مصر، وحرص الرئيس على التأكيد بأنه لن يقبل بوجود أية عقبات أمام اجتذاب الاستثمار الأجنبى المباشر للعمل فى مصر. والواقع يؤكد أن مصر - وبعيدًا عن المكاسب السياسية المباشرة فيما يتعلق بالتحركات الإقليمية الداعمة للقضية الفلسطينية - استثمرت جيدًا فى تلك الجولة الأوروبية اقتصاديًا، واختارت بعناية دولًا تُمثل الحصان الأسود فى الاتحاد الأوروبى، وذات تأثير واسع فى صُنع القرار داخل الاتحاد ولا تعانى أزمات التضخم المتأثرة بها اقتصاديات كبيرة من أجل اجتذابها للعمل فى مصر وإفريقيا، وتحقيق مصالح تعود بالنفع على الجميع.