يصعب التعامل مع اشتعال الصراعات المسلحة في سوريا بعد سنوات من الخمول وصولًا إلى السيطرة على العاصمة السورية دمشق ورحيل نظام الرئيس بشار الأسد، فى نفس توقيت الإعلان عن وقف إطلاق النار فى لبنان على أنه محض صدفة، لأن المؤشرات التى سبقت التطور الأخير تشير إلى أن المنطقة دخلت فى حزام نارى أخذ فى التمدد والتوسع ليطول بقاعا جغرافية عديدة منذ اندلاع حرب السابع من أكتوبر فى قطاع غزة، وفى جميع تلك المناطق كانت المكاسب الإسرائيلية كلمة السر بعد أن عزز الاحتلال تواجده على بقاع جغرافية جديدة داخل الأراضى الفلسطينية المحتلة وتمددت قواته إلى داخل الحدود اللبنانية فى الجنوب ونهاية بتعزيز قواته العسكرية فى هضبة الجولان السورية. ◄ سقوط الأسد يمهد لحروب طائفية تسمح بمزيد من التقسيم ◄ فرحات: قطع خطوط الإمداد الخلفية لحزب الله بلبنان ضمن الأهداف ◄ السعيد: ما يحدث الآن تم التدبير له بدقة منذ فترة يمكن القول بأن تقدم العناصر المسلحة فى سوريا والإطاحة بالنظام جاء نتيجة متغيرات عديدة سمحت باجتياح المدن والمحافظات واحدة تلو الأخرى فى ساعات محدودة، لأن أذرع إيران المسلحة التى حققت فى السابق انتصارات على ما يسمى بالمعارضة السورية ضعفت الآن بعد الضربات الإسرائيلية القوية على حزب الله وكذلك الضربات الأمريكية على المليشيات العراقية ووصولا لاستهداف قلب طهران، كما أن روسيا تنشغل بحربها القريبة مع أوكرانيا. ◄ إعداد مسبق لكن فى الوقت ذاته فإن ما حدث يعبر عن وجود إعداد مسبق بدقة لتتحرك هذه العناصر فى التوقيت السليم بما يساهم فى خلق بؤرة فوضى جديدة تساعد على تعزيز مكاسب دولة الاحتلال الإسرائيلى من تطورات الأوضاع منذ السابع من أكتوبر فى العام الماضى، لأن سقوط سوريا فى مربع الفوضى سوف يعزز من احتلالها للأراضى السورية. ويوالى قادة الجماعات السورية المسلحة لجهات غربية فى مقدمتها الولاياتالمتحدة إذ إن من يتزعم المجموعات المسلحة باسم «جبهة النصرة» والآن بمسمى «جبهة تحرير الشام»، محمد الجولانى الذى تخلى عن اسمه الحركى مؤخراً لتقدمه فضائية «سى إن إن» الأمريكية باسم أحمد الشرع قضى فى السجون الأمريكية خمس سنوات قبل الإفراج عنه. واجتاحت العناصر المسلحة حلب قبل أسبوع لتنهار بعدها الدفاعات الحكومية فى أنحاء البلاد بسرعة مذهلة، إذ استولى المسلحون على سلسلة من المدن الكبرى، وإلى جانب السيطرة على حلب فى الشمال وحماة فى الوسط ودير الزور فى الشرق، ثم سيطروا على القنيطرة ودرعا والسويداء فى الجنوب، وتقدموا لمسافة 50 كيلومترا من العاصمة، قبل أن يصلوا صباح الأحد للعاصمة دمشق. أعلن التليفزيون الرسمى السورى، الأحد، سقوط نظام بشار الأسد، وبث التليفزيون الرسمى شاشة حمراء كُتب عليها: «انتصار الثورة السورية العظيمة وإسقاط نظام الأسد»، وفى وقت سابق، بث التليفزيون السورى، بيانًا للعمليات العسكرية، حثّ فيه الشعب السورى على «ضرورة الحفاظ على جميع ممتلكات الدولة السورية وعدم الاقتراب من المؤسسات العامة التى ستظل تحت إشراف رئيس الوزراء السورى السابق حتى يتم تسليمها رسميًا»، ومن جهته، قال رئيس الحكومة السورية، الدكتور محمد غازى الجلالى، إنّه مستعد للتعاون مع الجميع وأى حكومة يختارها الشعب السورى. أضاف غازى، خلال كلمته المُسجلة، أنّ «أى قيادة يختارها السوريون سنتعاون معها؛ حرصًا على المرافق العامة للبلاد ونمد أيدينا للجميع من أجل الحفاظ على مؤسسات الدولة ومرافقها»، وأهاب «غازى» بجميع المواطنين السوريين بعدم المساس بالأملاك العامة للدولة؛ لأنها تعتبر أملاكًا للشعب السورى العظيم. ◄ اقرأ أيضًا | نهاية حقبة الأسد.. ماذا ينتظر سوريا؟!| حكم البعث انهار في 11 يومًا ◄ سيناريو معقد وقال المحلل السياسى مصطفى السعيد، إن سوريا أمام سيناريو معقد بعد أن سقط النظام وسيبقى هناك تغيير الخريطة السياسية بالمنطقة وسوف يترتب على ذلك اندلاع حروب الأقليات وقد تدخل سوريا والمناطق المحيطة بها فى موجات عنف يصعب السيطرة عليها قريبا، مما يجعل الاحتمالات مفتوحة على مزيد من التشرذم والانقسام الداخلى للدول العربية التى تشهد صراعات مسلحة منذ سنوات، وأوضح أن سرعة سقوط نظام الأسد ترجع لعدة عوامل أبرزها أن المعارضة السورية جرى تسليحها بشكل متقدم والآن تعتمد على الطائرات المسيرة والصواريخ بعيدة المدى والمدرعات إم 113 الأمريكية بعد أن كانت تعتمد فى السابق على السيارات المفخخة فى حين أن الجيش السورى ليس لديه دفاعات تستطيع التعامل مع الطائرات المسيرة. لدى السعيد، قناعة بأن ما يحدث فى سوريا الآن تم التدبير له بشكل دقيق منذ فترة وأن تصدير شخصيات مدعومة على لائحة الإرهاب الدولى فى مقدمة الصراع مع الدولة السورية إلى جانب وجود مجموعات مسلحة شيعية يمكن تحريكها فى العراق مع تعويل الإخوان على إحداث توترات مماثلة فى الأردن قد يؤدى إلى صراعات طائفية سنية شيعية ومن الممكن أن يكون لديها ارتدادات على تركيا وأذربيجان التى يتواجد بها حضور قوى للشيعة، ليبقى المستفيد الأول إسرائيل والولاياتالمتحدة لأن تقسيم الدول يساعد على تمرير المخططات الاستعمارية. ◄ أذرع إسرائيل وأكد الدكتور رضا فرحات، أستاذ العلوم السياسية ونائب رئيس حزب المؤتمر، أن وجود أذرع لإسرائيل والولاياتالمتحدة فى الصراع المتصاعد حاليا فى سوريا أمر لا يمكن استبعاده وذلك للضغط على روسياوإيران وحزب الله وهم حلفاء رئيسيون للرئيس الذى غادر البلاد بشار الأسد، وأن دولة الاحتلال تعمل على قطع خطوط الإمداد الخلفية لحزب الله فى لبنان، وعلى ناحية أخرى فإن الديمقراطيين ومن خلفهم الحكومة الإسرائيلية المتطرفة تحاول تعقيد الأوضاع على الرئيس الأمريكى الجديد دونالد ترامب قبل توليه منصبه لكى لا يظهر فى صورة الشخص الذى نجح فى القضاء على التوتر فى المنطقة. وأوضح أن أسلوب إدارة الصفقات الذى ينتهجه ترامب ويقود لتحقيق مكاسب اقتصادية للولايات المتحدة وأخرى سياسية لدولة الاحتلال قد يواجه صعوبات مع تعقيدات الصراع الدائر حاليا فى سوريا ومع تمدده إلى مناطق أخرى، ومع تمكن الفصائل المسلحة من السيطرة على سوريا بشكل شبه كامل فإن ذلك سيمنح مبررات عديدة لرئيس الوزراء الإسرائيلى المتطرف بنيامين نتنياهو لتعزيز قواته فى الجولان المحتل وسيكون لديها مبررات لتأمين عمقها مع التقدم إلى مناطق جديدة على الأراضى السورية، وأن الجميع يترقب الآن ما سوف تسفر عنه السياسية الجديدة للرئيس الأمريكى المقبل بعد 20 يناير المقبل، ووصولا لهذا التاريخ فإن المتغيرات سوف تسير بسرعة فائقة كما يحدث الآن فى سوريا، استباقا لعقد صفقات قد تتنازل بمقتضاها روسيا عن بعض نفوذها فى سوريا وكذلك الوضع بالنسبة لإيرانوتركيا خوفا من الصدام مع الرئيس الجديد. وقلل من إمكانية التوصل لاتفاق نهائى ينهى الحرب فى قطاع غزة، لكنه توقع فى الوقت ذاته الوصول إلى هدنة بمقتضاها تعزز إسرائيل تواجدها فى شمال قطاع غزة بعد أن وصلت لوضع نقاط عسكرية على حدود التماس مع وسط القطاع، وتستمر فى تنفيذ ما يسمى بخطة الجنرالات، وبالتالى ستكون حققت إلى حد كبير أهدافها من الحرب بعد أن أضعفت حماس وقطعت خطوط إمدادها، إلى جانب إضعاف حزب الله وقطع خطوط إمداده أيضا. ومؤخرا أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلى عن استهدافه لعدة محاور نقل تابعة لحزب الله بالقرب من الحدود بين سورياولبنان، مما تسبب فى خروج معبر العريضة الحدودى من الخدمة، وفقا لما ذكرته وكالة الأنباء السورية، كما استهدفت الغارات الإسرائيلية معبر جوسيه الحدودى فى شرق لبنان، الذى يعتبر من النقاط الاستراتيجية فى حركة النقل بين لبنانوسوريا. ◄ بؤر مختلفة وقال الدكتور محمد عباس ناجى، الخبير فى الشئون الإيرانية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الصراع فى بؤر مختلفة بمنطقة الشرق الأوسط بمثابة ملفات مرتبطة ببعضها البعض، لأنه فى نفس وقت وقف إطلاق النار فى لبنان جرى فتح جبهة جديدة فى سوريا، وبالرغم من عدم وجود دلالات تؤكد ذلك فإن وجود حالة من الفراغ تركتها المليشيات الإيرانية فى سوريا سمح بالمعارضة المسلحة بالتقدم، وهو ما يؤكد على أن هناك أطرافا إقليمية كانت مساندة للتقدم السريع الذى حققته تلك العناصر فى سوريا. أضاف، أن الأوضاع لم تخرج بشكل كامل عن سيطرة إيران لكن ما يحدث أن حلفاءها (روسياوتركيا) قبل أعدائها يستغلون ضعفها، ويظهر ذلك من خلال تصريحات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان الذى لم يبد أى اعتراضات على تقدم العناصر المعارضة المسلحة وسعى لأن تتم عملية الإجهاز على نظام الأسد بهدوء، إلى جانب انشغال روسيا بما يدور فى أوكرانيا، مشيرا إلى أن المشكلة فى الفجوة الزمنية بين ما تحققه المجموعات المسلحة من تطور على الأرض وبين استيعاب إيران لما يحدث، وأن صيغة المفاوضات يمكن أن تحافظ على كل طرف قدر من المكاسب التى سبق وأن حققها على الأراضى السورية. وشدد على أن الصراع بين إسرائيل وإيران حاضر فى خلفية مشهد الصراع الحالى، وترى طهران بأن الخطر يقترب من حدودها بعد إضعاف حماس والدخول على حزب الله والآن سوريا وهناك مقدمات لتكرار الأمر مع ميليشياتها فى العراق. وترى بأن نفوذها الخارجى يضعف وأن التفكير فى الانكماش داخل الحدود يبقى آخر نقطة يمكن أن تفكر بها طهران، وهى غير مستعدة فى الوقت ذاته للدخول فى صراع مباشر مع إسرائيل وتحاول تقديم الإسناد المطلوب لعناصرها فى الخارج للحفاظ على ما تبقى من قوة.