مسيرة عطاء استمرت لثمانى سنوات.. كنت مشاركاً وفاعلاً فى رسم صورة الإعلام الوطنى الذى يدعم الدولة، ويصون حق الجمهور. انطلاقاً من أهمية المرحلة فى تاريخ الإعلام والصحافة فى مصر.. وإيماناً بحق المواطن فى المعرفة.. كان لابد من أن أسجل مسيرة استمرت لثمانى سنوات تقريباً، فى مؤسسة من أهم المؤسسات الحديثة، من خلال دورتين متتاليتين انتهت بقوة القانون، شاركت فى تأسيس أول مجلس أعلى لتنظيم الصحافة والإعلام فى مصر.. وكنت فاعلاً فى الكثير من أعماله ونشاطه.. وشاهداً على دوره فى إعادة الصورة الحقيقية للإعلام والصحافة فى مصر، بعد أن غلبت عليهما الفوضى والعشوائية.. وساهمت فى رسم معالم الإعلام والصحافة بما يتفق مع مقتضيات المرحلة التى تخوضها البلاد، من خلال إقامة دولة حديثة تقتضى التوافق الوطنى.. والتى أوجبت على الإعلام الوطنى الالتحام بقضايا المجتمع والتعبير عنه، ورأيت أن أتناول هذه المسيرة فى ثلاثة فصول. ◄ الفصل الأول بدأت المسيرة باختيارى ضمن لجنة قامت بتشكيلها وتأسيسها نقابة الصحفيين، عرفت بلجنة الخمسين، وكانت مهمتها وضع مسودة مشروع قانون جديد لما يعرف بالهيئات الإعلامية، «المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام، والهيئتين الوطنيتين للإعلام والصحافة». وبالفعل، وبعد مرور عام تقريباً، نجحت اللجنة فى صياغة مشروع القانون، والذى يهدف إلى استقلال الإعلام والصحافة.. وهى غاية نبيلة، ويشرف أى صحفى أو إعلامى بالمساهمة فى تحقيقها. وتمت صياغة مواد القانون، بحيث يكون المجلس الأعلى لتنظيم الصحافة والإعلام هو الجهة المنظمة للإعلام والصحافة.. يضمن استقلالهما وحيادهما وحريتهما.. باعتبارهما الضمان الحقيقى لحرية الرأى والتعبير.. وضمان حق الجمهور فى إعلام نزيه.. إعلام متنوع يعكس هموم المواطن ومشاكله، ويدعم الدولة الوطنية، إعلام وطنى مسئول منحاز للشعب، يحافظ على ثوابت واستقلال مؤسسات الدولة.. يمارس النقد البناء بعيداً عن الميل والهوى والتطرف والتهويل.. إعلام يتبنى قضايا المجتمع، ويلعب دوراً فى تثقيفه وبناء الوعى الجمعي.. ويدعم الانتماء لدى الشباب.. ويحترم الاختلاف وحب الآخر، وينبذ الصراع والعنف، ويدعم الحياة المشتركة والتوافق الوطني. كما يختص بوضع لائحة للأكواد والمعايير الحاكمة للعمل الإعلامي، ولائحة للجزاءات، ولوائح للتراخيص للوسائل الإعلامية والمواقع الألكترونية والصحافة الورقية.. كما يضمن حرية المنافسة ومنع الاحتكار، ويصون حقوق الملكية الفكرية. فى الحقيقة جاءت اختصاصات المجلس واسعة، نص عليها المشروع فى أكثر من30 بنداً، ومنحه سلطات واسعة فى سبيل تحقيق أهدافه. فى حين اختص المشروع الهيئة الوطنية للصحافة بإدارة المؤسسات الصحفية القومية، ومتابعة أعمالها، والعمل على تطويرها ودعمها اقتصادياً.. واختص الهيئة الوطنية للإعلام بإدارة ماسبيرو «مبنى الإذاعة والتليفزيون»، وتنمية موارده وتطويره فنياً ومهنياً.. وفى عام 2016، تم إقرار القانون برقم92، ودخل بالفعل حيز التنفيذ. فى الواقع لم يكن أى من أعضاء لجنة الخمسين التى وضعت مشروع القانون، وأنا بالطبع واحد منهم، يأتى فى ذهنه أنه سوف يكون عضواً فى إحدى الجهات الثلاث. ◄ الفصل الثاني مرت الأيام، وفوجئت بأن نقابة الصحفيين تنفيذاً للقانون قامت بترشيحى لتمثيلها فى عضوية المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام. وجاءت البشارة بصدور القرار الجمهورى فى أبريل 2017 بتشكيل المجلس، وكان اسمى من ضمن الذين شملهم القرار.. وشعرت بسعادة غامرة، لأننى سوف أشارك فى تأسيس أول مجلس أعلى لتنظيم الصحافة والإعلام فى مصر.. وزادت سعادتى عندما علمت أننى أصغر الأعضاء سناً.. وسوف أشارك نخبة من الإعلاميين والصحفيين، على رأسهم الاستاذ المرحوم مكرم محمد أحمد رئيس المجلس وقتها. ولأننى كنت شغوفاً وسعيداً بهذه النقلة النوعية فى حياتى العملية، لارتباطها بعملى الصحفى ولأهدافها الوطنية والقومية النبيلة، حرصت على المشاركة فى جميع أعمال المجلس.. وتم اختيارى مقرراً للجنة الشكاوى، وهى إحدى أهم لجان المجلس.. كما حظيت بعضوية معظم اللجان خاصة التراخيص، بالإضافة إلى رئاسة لجنة التدريب، والتى لها طبيعة خاصة.. فهى تتولى تدريب الإعلاميين والصحفيين الأفارقة.. وبعد تولى رئاسة اللجنة أضفنا لها تدريب الإعلاميين والصحفيين المصريين.. كما ساهمت بشكل أساسى فى وضع لائحة الأكواد والمعايير الإعلامية والصحفية، والتى حرص المجلس أن تكون متفقة ومواكبة للوائح العالمية المماثلة، وللعهد الدولى للحقوق المدنية.. وتم تكليفى بمناقشتها فى قسم التشريع بمجلس الدولة قبل إقرارها ونشرها فى الجريدة الرسمية.. كما شاركت فى وضع لائحة الجزاءات، ولوائح التراخيص للوسائل الإعلامية والمواقع الألكترونية وإخطارات الصحف، وتنظيم عمل لجنة الرصد، ووضع أسس وضوابط عملها.. كما ساهمت فى وضع مسودة مشروع قانون حرية تداول المعلومات.. وفى صياغة لوائح التنظيم المؤسسى لعمل المجلس على المستوى الإدارى والفني.. كما شاركت ممثلاً للمجلس فى المحافل الإعلامية الدولية والعربية، وخاصة اللجان والأعمال التحضيرية لاجتماعات وزراء الإعلام العرب، وترأست بعض أعمال لجانه.. فى الحقيقة بذل المجلس رئيساً وأعضاء مجهوداً مضنياً لوضع حجر الأساس لأول مجلس فى مصر.. وفى نفس الوقت، خاض المجلس تحدياً كبيراً فى ضبط المشهد الإعلامى الذى اتسم بالفوضى والانفلات.. وبالفعل فرض المجلس نفسه من خلال لجانه، والتى على رأسها لجنة الشكاوي.. وقام بتطبيق القانون، وما صدر عنه من لوائح على المخالفين.. ونجح فى ضبط المشهد إلى حد كبير. ◄ الفصل الثالث مرت الأيام، ومع قرب انتهاء مدة المجلس، تم تعديل القانون 92 لسنة 2016.. لفصل المجلس والهيئتين الوطنية للصحافة والوطنية للإعلام.. وصدر القانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلي. وانتهت فترة أول مجلس، وتم تكليفه بتيسير الأعمال لحين صدور قرار جمهورى بتشكيل المجلس الجديد.. وفى هذه الأثناء أعادت نقابة الصحفيين ترشيحى لدورة ثانية كعضو بالمجلس.. وشرفت بصدور قرار جمهورى بتشكيل المجلس برئاسة الأستاذ كرم جبر والذى تضمن اسمى.. ولأننى أقدم الأعضاء فى المجلس الجديد.. فأنا الوحيد المستمر من المجلس الأسبق.. تم اختيارى وكيلاً للمجلس، وعضواً بهيئة المكتب الذى يتكون من رئيس المجلس والوكيل والأمين العام.. واستمر العطاء برئاستى للجان الشكاوى والتدريب والترخيص للوسائل الإعلامية.. وبصفتى وكيلاً للمجلس، شاركت بفاعلية فى جميع أعمال اللجان والفاعليات، وشهدت هذه الفترة ضرورة تطوير بعض الأكواد والمعايير، واستحداث أكواد جديدة، لمواكبة التطور الرهيب فى الإعلام والصحافة. وصدر المئات من التراخيص لوسائل إعلامية ومواقع الكترونية وصحف متنوعة وبعديد من اللغات.. واستمر تمثيلى للمجلس فى المحافل العربية، وخاصة الاجتماعات التحضيرية للجان وزراء الإعلام العرب بجامعة الدول العربية.. وشرفت برئاسة وفد مصر فى اجتماع وزراء الإعلام العرب الذى عقد بالقاهرة. وحاولت جاهداً إيجاد نقطة توازن بين المسئولية الإعلامية ومراعاة مصالح الزملاء والإعلاميين والصحفيين.. وتوصلنا إلى صيغة تعاون من منطلق الوطنية والانتماء اللذين يفرضان الحفاظ على مصالح الدولة المصرية وعلاقتها بالدول الأخري، وحق الجمهور فى إعلام حر دون تدخل فى المحتوى أو مضمون الرسالة الإعلامية، والتأكيد على حرية الصحافة والإعلام. وخلال الدورة الثانية من عملى بالمجلس، تم تكليفى بالعمل كأمين عام لمرتين، بالإضافة إلى عملى وكيلاً للمجلس. كما مثلت المجلس فى العديد من اللجان الداخلية التى تعقد فى بعض الجهات والمؤسسات.. وحضرت بعض اللجان فى مجلسى النواب والشيوخ.. ولأننى قضيت دورتين متتاليتين فى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والصحافة، بهما اكتمل عطائى بقوة القانون.. والذى يمنع الاستمرار فى عضوية المجلس لأكثر من دورتين. فى الحقيقة خضت تجربة ثرية ومفيدة، اكتسبت فيها خبرات على المستوى الشخصى، وحاولت قدر المستطاع المساهمة فى رسم صورة جديدة للإعلام والصحافة الوطنية.. وإعادتهما كقوة ناعمة لمصر. انتهى العطاء بصدور قرار جمهورى بإعادة تشكيل المجلس.. ولكنه مازال مستمراً فى عملى الصحفى الذى لم ولن انفصل أو انقطع عنه يوما.