خطوات متسارعة تؤجج نار الحرب التجارية مجددا بين الصينوأمريكا، فبعد استهداف واشنطن شركات الرقائق الصينية، قررت بكين هى الأخرى فرض قيود على صادرات أشباه الموصلات.. وأعلنت بكين أنها ستفرض قيودا على تصدير مكوّنات رئيسية في صناعة أشباه الموصلات إلى الولاياتالمتحدة، بعدما أعلنت واشنطن عن قيود جديدة تستهدف قدرة الصين على صناعة الشرائح الإلكترونية المتطورة. وتشمل المواد الخاضعة للقيود معادن الجاليوم والأنتيمون والجرمانيوم التى يمكن استخدامها فى تكنولوجيا مزدوجة مدنية وعسكرية، بحسب ما أفادت وزارة التجارية الصينية في بيان تحدّث عن مخاوف متعلقة ب»الأمن القومى».. وذكرت الوزارة بأن صادرات الجرافيت، وهو مكوّن رئيسي آخر، ستخضع ل«رقابة أكثر صرامة لتحديد المستخدمين النهائيين والاستخدامات النهائية». وقالت بكين: «من أجل حماية مصالح الأمن القومي والإيفاء بالالتزامات الدولية مثل منع انتشار (الأسلحة) قررت الصين تعزيز الضوابط على تصدير السلع المعنية ذات الاستخدامات المزدوجة إلى الولاياتالمتحدة»، وأضافت أن «أي منظمة أو فرد في أي بلد أو منطقة ينتهك القواعد ذات الصلة سيحاسب بموجب القانون». ولزيادة الضغوط، قد تحدد الهيئات التنظيمية الصينية عناصر أخرى يمكنها وقف تصديرها دون هز الصناعات المحلية، وتأتي بعض الأجسام المضادة، التى تستخدمها شركات الأدوية، حصريًا من الصين ويمكن أن تكون مرشحة جيدة. ◄ اقرأ أيضًا | الصين تدعو إلى تسوية الاحتكاكات التجارية مع الاتحاد الأوروبي ويأتي ذلك بعد يوم من تنديد بكين بحملة إجراءات صارمة اتخذتها واشنطن وهى الثالثة لها خلال ثلاث سنوات على قطاع أشباه الموصلات في الصين، وتشمل الإجراءات خطوات مثل تقييد الصادرات إلى 140 ش ركة من بينها ناورا تكنولوجي جروب لتصنيع معدات الرقائق. وتأتى الحملة ضمن أحدث مساعي إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لعرقلة وصول الصين أو قدرتها على إنتاج الرقائق التي يمكن أن تساعد فى تطوير الذكاء الاصطناعى من أجل التطبيقات العسكرية أو تهديد الأمن القومي الأمريكي. ومن بين الشركات الصينية التى تواجه قيودا جديدة ما يقرب من 20 شركة لأشباه موصلات وشركتان استثماريتان وأكثر من 100 شركة لإنتاج أدوات تصنيع الرقائق. وكثفت الصين جهودها لتحقيق الاكتفاء الذاتى فى قطاع أشباه الموصلات في السنوات القليلة الماضية، إذ قيدت الولاياتالمتحدة ودول أخرى صادرات الرقائق المتقدمة والأدوات اللازمة لتصنيعها. ومع ذلك فهى لا تزال متأخرة بسنوات عن شركات رائدة في صناعة الرقائق مثل (إنفيديا) فى قطاع رقائق الذكاء الاصطناعى وشركة (إيه.إس.إم.إل) الهولندية لصناعة معدات الرقائق. ◄ الحرب التكنولوجية ووفقا لتحليل نشرته مجلة الإيكونوميست، فإن التطورات تأتى فيما لا تزال أمريكاوالصين فى خضم حرب تكنولوجية بدأها الرئيس المنتخب دونالد ترامب فى فترة حكمه الأولى (2016-2020)، وتضخمت بسبب بايدن ولا تظهر أى علامة على التوقف. وحاول بايدن قطع وصول الصين عن المدخلات اللازمة للتكنولوجيا المتقدمة، مثل رقائق الذكاء الاصطناعى. وتمت إضافة مئات الشركات الصينية إلى قائمة الكيانات التابعة لوزارة التجارة، مما أدى إلى تقييد التعاملات الأمريكية معها. وفي أكتوبر، أقرت وزارة الخزانة نظامًا واسع النطاق لمراقبة الاستثمار من شأنه أن يوقف معظم الاستثمارات الأمريكية فى الذكاء الاصطناعى الصينى وأشباه الموصلات والحوسبة الكمومية. وقد شدد ترامب هذا التعريف إلى حد كبير. وقد تتعرض الشركات الصينية أيضًا لعقوبات من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، والذى، على عكس قائمة الكيانات التابعة لوزارة التجارة، يقيد القدرة على استخدام الدولار. ومن شأن فرض عقوبات مكتب مراقبة الأصول الأجنبية على بنك صينى أن يؤدى إلى تجميد المعاملات بالدولار مع البنوك الأخرى. وقد تم استخدام هذه العقوبات حتى الآن بشكل مقتصد، لكن ترشيحات الإدارة الأمريكية الجديدة تشير إلى أن مثل هذه التدابير قد تصبح أكثر شيوعًا، كما يقول مسئول تجارى أمريكى سابق. فماركو روبيو، وزير الخارجية المفترض، حاول إجبار الشركات الصينية على إلغاء إدراجها فى البورصات الأمريكية. وقاطع مايك والتز، الذى اختاره ترامب لمنصب مستشار الأمن القومي، دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية فى بكين. وكان جيميسون جرير، الممثل التجارى الجديد، مهندس أول حرب تجارية خاضها ترامب مع الصين.. ودفع المسئولون عشرات المليارات من الدولارات إلى صناعة أشباه الموصلات فى محاولة لجعل الصين مكتفية ذاتيا. وعلى الرغم من أن هذا أظهر تقدماً، وخاصة فى آلات تصنيع الرقائق، فإن البلاد لا تزال لا تصنع أقوى الرقائق. وتعتمد الصين على النظام المالى القائم على الدولار وارتفعت المعاملات باليوان فى العامين الماضيين، لكن معظمها لا يزال يستخدم سويفت، وهى شبكة مراسلة عرضة للتأثير الأمريكى. ◄ «تسييس» التجارة وأفادت الصين بأن واشنطن «سيّست القضايا الاقتصادية والتجارية والمرتبطة بالتكنولوجيا واستخدمتها كأسلحة».. وتشير الصين «تفرض الخطوة أيضا قيودا على صادرات «السلع ذات الاستخدامات المزدوجة للمستخدمين العسكريين الأمريكيين لأغراض عسكرية». وتساهم الصين فى 94% من الإنتاج العالمى للغاليوم المستخدم فى الدوائر الإلكترونية المتكاملة والألواح الضوئية، بحسب تقرير للاتحاد الأوروبى نشر هذا العام. وبالنسبة للجرمانيوم الضرورى للألياف البصرية والأشعة تحت الحمراء، تساهم الصين فى 83% من الإنتاج. وسبق أن شددت بكين العام الماضى القيود على مصدرى المعادن، إذ باتت تلزمهم بتقديم معلومات بشأن الجهة الأخيرة التى ستتسلمها وتقديم تفاصيل عن استخداماتها النهائية. وسبق للصين أن قلّصت القيود على أنواع محددة من الجرافيت الذى يعد رئيسيا أيضا فى لصناعة البطاريات للمركبات الكهربائية. وقال ديلان لوه الأستاذ المساعد لدى جامعة نانيانج للتكنولوجيا فى سنغافورة لفرانس برس إن «الخطوة هى بوضوح ضربة انتقامية تستهدف الولاياتالمتحدة». ومن جانبه، قال تشونج جا إيان أستاذ العلوم السياسية في «جامعة سنغافورة الوطنية» إنه «إذا أثرت هذه القيود المتبادلة على التجارة بالنسبة لأطراف ثالثة، فمن شأن ذلك أن يحدث اضطرابات تجارية ويعطل سلاسل الإمداد ويؤثر على الضغوط التضخمية ذات الصلة». ◄ زيادة التجارة ويريد المسئولون الصينيون زيادة التجارة مع بقية العالم. وقالت وزارة التجارة في 19 نوفمبر إنها ستعزز الائتمان والتأمين للصادرات، وستدعم الخدمات اللوجستية للشركات الصينية. وتريد الوزارة توسيع عدد البلدان التى يمكنها الحصول على تأشيرات عمل قصيرة الأجل، ووعدت بمساعدة الشركات على الاستجابة ل «القيود غير المعقولة على التجارة الخارجية» عند ظهورها. وهذا الشهر ستلغى الرسوم الجمركية على الواردات من بعض أفقر دول العالم.. وقد يستهدف ترامب الشركات التى تساعد الشركات الصينية فى تجميع السلع فى دول ثالثة أو إعادة توجيهها عبرها. على سبيل المثال، أنشأت شركات الطاقة الشمسية مصانع فى إندونيسيا ولاوس للالتفاف على التعريفات الجمركية الأمريكية على الصادرات التى تمر عبر المكسيك وفيتنام. ولمساعدة الشركات الصغيرة على بيع السلع فى الخارج عبر منصات التجارة الإلكترونية، أنشأت الحكومات المحلية الصينية مراكز خدمة، وتعمل شنغهاى على إنشاء «منطقة تجريبية للتجارة الإلكترونية على طريق الحرير» لتسهيل التجارة مع آسيا الوسطى. والحلول البديلة للتعريفات الجمركية تعنى أن التدابير الأمريكية القائمة لم تمنع الصين من زيادة صادراتها، فمنذ بداية الحرب التجارية التى شنها ترامب فى عام 2018، تضاعف الفائض التجارى للصين إلى أكثر من الضعف ليصل إلى 820 مليار دولار (أو 6% من الناتج المحلى الإجمالي).. ويظل فائضها مع أمريكا عند 340 مليار دولار، وهو نفس مستوى عام 2018 تقريبا. وإذا كان ترامب على استعداد لإبرام صفقة تتضمن زيادات محدودة فى التعريفات الجمركية، فقد تؤدى تدابيره إلى خفض نمو الناتج المحلى الإجمالى الصينى السنوى بنسبة 0.4 نقطة مئوية قابلة للإدارة بين عامى 2027 و2029، وفقا لتقرير شركة أوكسفورد إيكونوميكس للأبحاث. ◄ تهديد البريكس ووفقا لتقرير لصحيفة نيويورك تايمز عندما رشح الحزب الجمهورى دونالد ترامب ليكون مرشحهم الرئاسى تضمنت تعهدًاته الحفاظ على دور الدولار الأمريكى كعملة احتياطية عالمية. ومنذ فوزه بالانتخابات، أشار ترامب إلى أنه يريد الوفاء بهذا الوعد وحذر من أنه إذا حاولت مجموعة الدول المعروفة باسم دول البريكسي والتى تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا ودول أخرى- إنشاء عملة خاصة بها لمنافسة الدولار، فسوف يعاقبها برسوم جمركية بنسبة 100٪ ويمنعها من دخول الأسواق الأمريكية. وكتب ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي: «ليس هناك أي فرصة لأن تحل عملة مجموعة البريكس محل الدولار الأمريكي في التجارة الدولية»، وأى دولة تحاول ذلك سوف تخسر أمريكا. وكان التحذير يهدف إلى الحفاظ على مكانة الدولار الأولى، لكن خبراء الاقتصاد والمحللين قالوا أنه قد يكون له التأثير المعاكس، ورغم أنه يبدو من غير المرجح أن تتمكن مجموعة البريكس من إنشاء عملتها الخاصة، فإن الاستخدام العدوانى للرسوم الجمركية والعقوبات من جانب الولاياتالمتحدة هو السبب وراء تفكير دول أخرى بشكل متزايد فى بدائل للدولار. ومن خلال إطلاق مثل هذه التهديدات، قد ينتهى الأمر بالسيد ترامب إلى تسريع هذا الاتجاه. وقال إسوار براساد، الرئيس السابق لقسم الصين في صندوق النقد الدولي: «إن التهديد بالانتقام من إنشاء عملة مجموعة البريكس -غير المرجح- لن يؤدى إلا إلى تعزيز مخاوف بقية العالم بشأن استعداد الولاياتالمتحدة لاستخدام هيمنة الدولار كسلاح اقتصادي وجيوسياسي. وهذا من شأنه أن يكثف محاولات البلدان الأخرى لتنويع اقتصاداتها بعيداً عن استخدام الدولار فى المدفوعات الدولية واحتياطيات النقد الأجنبي».