داخل مدينة القدس القديمةُ ولد المؤرخ وعالم الآثار الفلسطينى الدكتور يوسف النتشة، تعلقه بالمدينة بدأ منذ كان طفلًا. فقد كان دائمًا ما يطرح على نفسه أسئلة حول وضع المدينة التى قضى فيها حياته. يقول: «كنت أعلم جيدًا أطماع اليهود فى القدس، ورغبتهم فى تهويدها؛ لذلك هضمت المدينة واستوعبتها بشكل كبير، فخلال فترة مبكرة من حياتي، كنت أشاهد الكثير من السياح والوافدين للمدينة، مازلت أتذكر الحجاج المسلمين وهم يمرون عبر القدس خلال رحلتهم نحو مكة. هذه الأمور شكلت لدىّ ارتباطًا كبيرًا بتراث المدينة القديمة». لعبت الصدفة الدور الأبرز فى حياته، حيث قادته لمجال حفظ وصون التراث الفلسطيني. عقب حصوله على الشهادة الثانوية عام 1971 أرادت عائلته إلحاقه بكلية الطب أو الهندسة وقد أهله مجموعه بالفعل. لكنه لاحظ فى ورقة التنسيق وبالصدفة وجود كلية للآثار داخل مصر؛ لذلك قرر أن تكون رغبته هى دراسة الآثار. التحق النتشة بكلية الآثار جامعة القاهرة وتخرج فيها عام 1975، وتخصص فى مجال العمارة الإسلامية. «أردت خدمة بلدى ومقاومة ما تقوم به السلطات الإسرائيلية من محاولات مستمرة لطمس هوية فلسطين وتغيير شخصيتها بشكل كامل». يشغل الأكاديمى الفلسطينى الدكتور يوسف سعيد النتشة حاليًا منصب مدير مركز دراسات القدس بجامعة القدس. حيث صدر له عشرات الكتب التى تحدث خلالها عن مدينته وأبرزها: «الحفريات والأنفاق الإسرائيلية فى القدس منذ عام 1967»، و«جبل الهيكل المتُخيل»، و«تراث القدس المعمارى دراسة فى تطوره وطرزه وأعلامه وعناصره المعمارية والثقافية»، وموسوعة «القدس العثمانية.. المدينة العامرة» والتى هى جزء من رسالته للدكتوراه التى حصل عليها من جامعة لندن، فاختياره للقدس العثمانية فى مرحلة الدكتوراه سببه هو الرغبة فى خدمة المدينة، وإكمال صورتها المعمارية بشكل تام «كنت أشعر أن الفترة العثمانية لمدينة القدس تحتاج لجهد أكبر من توثيق الكتابة عنها». نتحدث معه حول الوضع الحالى لمدينة القدس، وما تتعرض له بصورة مستمرة من عمليات تهويد لتراثها. كما يرصد شكل المدينة بعد أحداث السابع من أكتوبر والممارسات الإسرائيلية المستمرة التى تتم بداخلها. كيف تأثرت مدينة القدس بعد أحداث السابع من أكتوبر، وما الممارسات التى تتبناها الحكومة الإسرائيلية المتطرفة للسيطرة على المدينة؟ بالنسبة لوضع القدس ما بعد السابع من أكتوبر فالوضع أصبح معقدًا. هناك سياسة عزل كاملة، وتطبيق كامل للقبضة الحديدية. تضاعفت سياسة الحواجز وطالت مدينة القدس. القدس الآن لا تقوم بنشاطاتها إلا بنسبة لا تتعدى ال20% مقارنة بالنشاطات التى كانت تُقام قبل السابع من أكتوبر، وهذا ينطبق أيضًا على كل القرى والمدن والمؤسسات الفلسطينية. نحن لا نستطيع التنقل من مكان إلى آخر. وقد نُمنع أصلاً من المرور أو الدخول بدون إعطاء أى تفسير، والهدف من ذلك إرهاقنا وتقطيع فلسطين عبر سلسلة من الممارسات اليومية. وأحيانًا أعجز عن الوصول لمدينة الخليل التى تبعد عن القدس حوالى 35 كيلو فقط. وفى نهاية الأمر فمخططات إسرائيل لا تنفد أبدًا، هم يريدون تأسيس مدينة صهيونية محاطة -ببعض- المعالم الإسلامية والمسيحية باعتبار أن ذلك سيدلل على فكرة احترامهم لأديان وتراث الديانات الأخرى. لكن هدف هؤلاء المتصهينين هو النيل من شخصية القدس والمميزات التاريخية والمعمارية والروحية الموجودة داخلها، هذه الميزات يجرى الآن استبدالها كليًا من خلال مظاهر معمارية وأبنية وفعالياتٍ كلها تركز على الذكريات الصهيونية واليهودية المتُخيلة التى يريدون خلالها التأكيد على ارتباطهم بالمدينة تاريخيًا. لن تجد شخصًا منهم يتحدث مثلًا عن الفترة الرومانية لمدينة القدس، بل يطلقون عليها اسم فترة المعبد الثاني! أما الفترة البرونزية فيطلقون عليها لفظ فترة المعبد الأول! لذلك نحن أمام محاولات خداع مستمرة، ومحاولات تقديم الدراسات الدينية وتطويعها لخدمة هؤلاء الصهاينة. وحاليًا يركزون على التوسع فى المشاريع الثقافية، والتوسع فى إقامة مراكز الأبحاث لخدمة روايتهم الصهيونية. هل تظن أن تصريحات وزير الأمن القومى إيتمار بن غفير، وكذلك وزير التراث المتطرف عيمحاى حول التعامل مع القدس القديمة غرضها الاستهلاك الإعلامى أم أن شيئًا ما يجرى على أرض الواقع؟ ما يفعلونه فى الإعلام لا يمثل شيئًا مما يجرى على أرض الواقع. هناك تصعيد واضح لسلب أى صلاحية من دائرة الأوقاف الإسلامية فى القدس، وبعد عملية السابع من أكتوبر أصبحت هناك رغبة ملحة لبناء شيء ما داخل محيط الأقصى. وهناك أيضًا ما يقرب من 21 معهدًا ومكتبًا استشاريًا تعمل على هذه اللحظة التى يتم من خلالها استعادة معبدهم المزعوم. فقد صمموا شكل ملابس الكهنة وطرزوها، وأحضروا البقرة الحمراء التى يحتاجون إليها لاستعادة معبدهم. وفى تقديرى فهم ينتظرون فقط اللحظة المناسبة. كما أن هناك اختلافات فيما بينها تعطل هذه العمليات ومنها مثلًا السؤال الذى يطرحونه على أنفسهم وهو: هل يجوز التدخل الإنسانى فى إعادة بناء الهيكل الثالث؟ أم أن الهيكل سينزل من السماء كما يعتقد البعض منهم. وهذه الخلافات العقائدية بينهم تؤجل الأمر قليلًا. ويوجد مجموعة كبيرة من المتطرفين يرغبون فى هدم أو نقل قبة الصخرة إلى السعودية أو مصر أو أى دولة أخرى؛ لذلك أرى أن المخطط الصهيونى واضح بشكل كبير. إذن ما دور المنظمات الدولية ومنها اليونسكو فى التعامل مع أزمة تدمير التراث داخل فلسطين وخصوصًا مدينة غزة؟ الآن نشكو فقط لرب العالمين. منظمة اليونسكو لم يعد لها دور داخل فلسطين، وهى تتفادى أى دور سياسى قد تقوم به لحماية التراث الفلسطيني. إسرائيل أصلًا لا تحترم البشر سواء فى غزة أو لبنان، فكيف لها أن تحترم الحجر؟ لكن فى نهاية الأمر فالجهات الدولية يقتصر دورها على المتابعة وإصدار البيانات الصحفية. هناك عمليات إبادة كاملة تمت داخل غزة، ولم يتبين العالم سوى بيانات الإدانة! لكن على أرض الواقع استمرت إسرائيل فى مخططاتها. أما بالنسبة للتراث فحاله كحال أهالى غزة، فقد جرى إبادته وتدميره بشكل كامل، وقد استغلت إسرائيل حربها الأخيرة لإبادة تراث غزة وإبادة كل ما هو فلسطيني؛ لذلك فالوضع أصبح معقدًا إلى حد بعيد. أنت من مواليد البلدة القديمة بالقدسالمحتلة.. كيف شاهدت التحولات والتغيرات التى طرأت على المدينة بعد احتلال القدسالشرقية عام 1967 وبدايات تهويدها؟ بعد احتلال القدسالشرقية عام 1967 بدأت عمليات تهويد المدينة، لكن بشكل تدريجى وبطيء من جانب الاحتلال الإسرائيلي. وحتى بدايات السبعينيات لم أجد تهويدًا كبيرًا للمدينة. لكن عندما تخرجت فى الكلية سنة 1975 ومع دراستى للآثار بشكل متعمق عرفت حقيقة الأمر. فالتغييرات الإسرائيلية وطمس هوية فلسطينوالقدس خطة إسرائيلية تتم ببطء شديد؛ أى باتباع سياسة النفس الطويل. سأعطى مثالًا: إذا مرَّ شخص بجوار مبنى تاريخى بالقدس لن يلحظ أى شيء يمكن أن يلفت نظره للكتابة عنه أو تقديم شكوى للمنظمات الدولية. لكن مع مرور الوقت والسنوات ومع استمرار التراكمات البسيطة غير الملحوظة، سنلاحظ أن التغيير قد حل بالفعل بصورة دراماتيكية. وذكرياتى كلها تصطدم مع مثل هذه التغيرات التى طرأت على المدينة. وبالمناسبة معركتنا الأساسية هى مقاومة ما فُرض علينا ومواجهته. نحن نتألم حين نشاهد مثل هذه التغييرات داخل المدينة، وعادة ما تفُرض سردية ورواية على حساب أخرى. ونحن فى المقابل محرومون من تمويل وترميم الكثير من المبانى التاريخية الفريدة، بينما على الجانب الآخر يتم تخصيص ميزانيات ضخمة لمشاريع تستهدف الترويج للرواية الصهيونية. هذه الميزانيات الصهيونية يتم إنفاقها لمشاريع إعادة بناء المبانى القديمة بشكل تخيلي! وهى أمور تعرضنا لكثير من الضغوطات النفسية، وتعرضنا لحالة قلق مستقرة. فنحن مهمومون دائمًا بالحفاظ وحماية تراثنا ونقله للأجيال التالية، وهذه الممارسات الإسرائلية تؤلمنا. تؤلمنا لأن أقصى درجات الإحباط أن يصل الإنسان لوضع يكون فيه عاجزًا عن الدفاع عن حقه، وعن تراثه الذى يتم تهويده أمام عينه من خلال نسجه بروايات صهيونية مُتخيلة. البلدة القديمة فى القدس مساحتها ليست كبيرة إذا قُورنت بالمدن التاريخية الأخرى فى العالم.. ما الذى يميز المدينة عن غيرها؟ مساحة البلدة القديمة لا تتجاوز الكيلو متر مربع، لكن القدس بطبقاتها المعمارية والتاريخية، والأثرية، تتفرد عن أى مدينة أخرى فى العالم. إذ تتنافس عليها ثلاث ديانات سماوية، وهو أمر أعطى للمدينة ثراءً كبيرًا لن تجده داخل أى مدينة أخرى. وهى أمور أعطت ميزة للمدينة. فيها عرج الرسول إلى السماء، وفيها صُلب المسيح وصعد أيضًا إلى السماء، بجانب وجود التراث اليهودى الذى نحترمه كتراثٍ إنساني، لكننا نختلف معه حين يفسره المتصهينون، وفقًا لسردياتٍ تخدم أهداف الدولة اليهودية؛ لذلك فالمدينة تعيش حالة من التفرد الذى لن تجده فى أى مدينة أخرى على مستوى العالم. ترى أن الدراسات والأبحاث العربية حول مدينة القدس قليلة.. ما سبب ذلك، وكيف تقيم مستوى الدراسات العربية والأبحاث التى يتم إنتاجها حول فلسطينوالقدس مقارنة بالأبحاث التى تنتجها إسرائيل؟ أقول لك بكل صدق لا يوجد أى مقارنة بيننا وبينهم. هناك جهود فردية من جانبنا، وجهود تتم من جانب دول عربية وإسلامية، وبالمناسبة فحالات الحفاظ على تراث المدينة معقول نوعًا ما لكن المشكلة هى أن ما يُخصص للدراسات التاريخية والحفريات والتراث فى الجانب الإسرائيلى لا نستطيع إطلاقًا مجاراته. فميزانية سلطة الآثار فى إسرائيل يُخصص لها ما يقرب من ال70 مليون دولار سنويًا. وهذا الرقم لا يضم الميزانيات المُخصصة للمشاريع الكبرى فى هذا المجال. لذلك فأى مقارنة ستصب فى مصلحة إسرائيل. أيضًا ومع الزمن أصبح المتابعون لهذه النوعية من القضايا فى عالمنا العربى يقتصر فى الأغلب على المتخصصين. لذلك نحتاج لتسخير التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعى لخدمة صون التراث وحفظه. وهى أمور تحتاج أيضًا لميزانيات، وتحتاج لشباب مُدرب، وعلى ثقافة واسعة. نريد مخاطبة المختص وغير المختص لأن هناك فجوة حقيقية بين ما يُخصص من تمويل وما يتم إنجازه من أبحاث حول القدس. وبين ما ينجزه الطرف الآخر فى هذا الموضوع. الأمر الآخر هو أن الدراسات الموجودة باللغة العربية حول القدس هى مقبولة بالنسبة للقارئ أو المتخصص العربي، لكن هذه الكتب وهذه الروايات العربية لا تصل إلى غير المتحدثين بالعربية؛ لذلك نحن بحاجة لترجمة الكتابات العربية، لأن إسرائيل لديها حركة ترجمة ضخمة، وهم ينقلون روايتهم المتصهينة للعالم من خلال توفير ميزانياتٍ ضخمة وشبه مفتوحة. وبشكل عام أظن أن هناك ابتعادًا واضحًا عن الدراسات التاريخية والأثرية والأدبية فى عالمنا العربي، لصالح التخصصات الأخرى. وهذا خطأ يجب أن تدركه الحكومات العربية، لأن الابتعاد عن هذه النوعية من الدراسات يكلفنا الكثير. وهذه النوعية من الدراسات يُصرف لها المليارات من جانب اليهود، إذ يخصصون مئات المنح للطلبة اليهود، لأنهم يعتبرون أن علم الآثار هو علم مقدس يخدم أيديولوجيتهم، ومع الوقت أصبح علمًا سياسيًا يتم من خلاله الترويج لروايتهم المتصهينة. تعتبر أن هناك تناقضًا كاملًا بين الرواية العربية والإسرائيلية فى التعاطى مع التراث الإسلامى داخل مدينة القدس؟ نعم.. فتناقض إسرائيل الآن مع الرواية العربية والرواية الفلسطينية أصبح تناقضًا كاملًا. وهناك دائمًا محاولة لإنقاص وتهميش كل ما هو عربي. مثلًا إذا عالجت إسرائيل موضوع قبة الصخرة، فهم يقومون بالتقليل من قيمتها المعمارية، ولا يتم معالجة موقع الصخرة باعتباره مركزًا للفن الإسلامي. لكن يتم معالجته باعتباره مبنى قد استلهم عناصره وتخطيطه المعمارية من حضاراتٍ أخرى سابقة، لذلك لا يعتبرونه إنتاجًا إسلاميًا أو عربيًا خالصًا. أما بالنسبة للتخطيط المعمارى للقبة فهم يزعمون أنها مأخوذة من الكنائس والمعابد التى تعود لحقٍب تاريخية سابقة! وإذا أردنا الحديث عن القدس فالرد عندهم جاهز وهو أن المدينة لم تُذكر فى القرآن الكريم صراحة بينما ذكرت فى التوراة. كما يقولون: إن القدس لم تكن يومًا عاصمة للدولة الإسلامية. ويبدأون هنا فى الترويج إلى أن اليهودية أقدم من الإسلام. بينما يتجاهلون الجذور الكنعنانية لشعب فلسطين. ومن ضمن المشاكل التى نتعرض لها هى كيفية تحليل وتفسير الآثار. هؤلاء يقومون بالحفر داخل المواقع الأثرية وفى يدهم اليسرى آلات التنقيب وفى اليمنى التوراة، والهدف من ذلك كله إثبات أى دليل مادى قد يحقق من نبوءة التوراة! لذلك يلجأون لتفسير الآثار من طرف واحد والترويج لروايتهم والانتقاص من الحضارات الأخرى التى استوعبتها المدينة. وبدلًا من شرح المبانى الأثرية المادية الموجودة فى المدينة، فهم يأتون بخرائط ومبانٍ مُتخيلة ويقدمونها للزوار، ومن ثم يبدأون بحكاية تاريخ مُتخيل وتصورات صهيونية للمدينة. بينما يتجاهلون تمامًا الوضع القائم؛ وبشكل عام أرى أن مشكلتنا الأساسية الآن هى المواقف المتطرفة لليمين الإسرائيلى المتطرف، لأنهم يعتبرون أن الأقصى بُنى على أنقاض المعبد القديم؛ لذلك يطرحون سيناريوهات حول إعادة بناء المعبد. صحيح أن هدم الأقصى لم يحدث، لكننا اليوم نضع أيدينا على مشاريع عمرانية تدميرية لإعادة هيكلة شكل المدينة بالكامل، والهدف من ذلك كله عزل الأقصى وجعله مجرد جزيرة داخل محيط إسرائيلى كبير. فى القدس ليس لديكم هيئة للآثار مقارنة بإسرائيل التى تملك هيئة للآثار، ما انعكاس ذلك على التراث الفلسطينى خصوصًا أنك تعتبر أن ترميم الآثار هو رسالة سياسية فى المقام الأول. حين نخضع للقوانين الإسرائيلية للحفاظ على تراثنا، فنحن نخضع للمفاهيم الإسرائيلية والصهيونية. لذلك فالمشروع الذى نتقدم به سواء للترميم أو لتنفيذ الحفائر لابد أن توافق عليه سلطة الآثار الإسرائيلية. وعندما يوافقون على إجراء الحفائر، يكون هدفهم إثبات أن الموقع له طبقات تاريخية أقدم، وهم يملكون السلطة الكاملة، وإذا لجأنا للمحكمة فنحن خاسرون، لأنهم يستخدمون قانون سلطة الآثار. هذه القوانين تخدم بالأساس الدولة الإسرائيلية ولا تخدم الجانب الفلسطيني. نحن محاصرون، وإذا أردنا الترميم، أو التحسين، أو البناء. علينا الرجوع لدولتهم. وهذه الدولة تحاول دائمًا رفض أى شىء قد يكون فى صالحنا. أما انعكاس ذلك علينا فنحن ممنوعون من أى عملية ترميم داخل منازلنا القديمة. لأن القدس مُسجلة على لائحة التراث العالمي. وهم يستخدمون هذه الجزئية لمنع أى ترميم قد يكون فى صالحنا داخل المدينة، وإذا أراد شخص ترميم منزله عليه أن يقدم طلبًا للبلدية، ويتبعه تقرير، ثم عليه أن يدفع الأموال، ومن ثم يخصصون له مشرفًا على المشروع. وهناك إطالة متعمدة لإصدار تصاريح الترميم داخل المدينة، تصل فى أحيان كثيرة لخمس سنوات كاملة! وعلى الجانب الآخر فهم يمررون طلبات الإسرائيلن بصورة شبه فورية إذن فالعملية صعبة وبطيئة ومكلفة. لو أراد شخصًا عادى ترميم بيته القديم فهنا يفرض عليه اليهود تنفيذ حفرياتٍ بالموقع! ويستعينون بمتخصص بهدف الحفر داخل الموقع للتنقيب عن الآثار اليهودية؛ لذلك فالمواطن الفلسطينى لا يستطيع تحمل هذه التكلفة الإجمالية التى يفرضها الإسرائيليون. ونحن فى المقابل نحاول ترميم مبانينا القديمة، وإعادة استخدامها مرة أخرى للتأكيد على استمرارية الوجود العربى داخل المدينة. أخيرًا ما هو مشروعك القادم؟ حاليًا أعمل على كتاب حول تراث القدس المعمارى واسمه «المعالم المعمارية التراثية المقدسية»، وفيه أتحدث عن الأساطير المتعلقة بتراث القدس. وهدفى هو جعل التراث قضية مركزية فى المستقبل، خصوصًا مع تكثيف إسرائيل وتركيزها على التراث والعمارة والآثار.