في أعقاب فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر الماضي، تتصاعد المخاوف داخل أروقة الكونجرس حول مستقبل السياسة النقدية الأمريكية، في هذا الصدد كشفت صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية عن وجود انقسام عميق داخل الحزب الجمهوري حول رؤية الرئيس المنتخب للبنك الفيدرالي، في وقت يواجه فيه الاقتصاد الأمريكي تحديات متزايدة وتقلبات في الأسواق المالية العالمية. صراع السلطة والسياسة النقدية سلطت بوليتيكو الضوء على تفاصيل الخلاف المتصاعد بين ترامب وأعضاء حزبه، فالرئيس المنتخب، الذي سيتولى منصبه في يناير 2025، يصر على ضرورة امتلاك سلطة أكبر على قرارات البنك الفيدرالي، خاصة فيما يتعلق بأسعار الفائدة. وفي تصريحات سابقة كشفت عنها بوليتيكو، أكد ترامب موقفه قائلاً: "إذا كنت رئيساً جيداً وتتمتع بحس سليم، يجب أن تكون قادراً على الأقل على التحدث مع رئيس البنك الفيدرالي. أعتقد أن لدي الحق في إبداء رأيي حول ما إذا كان ينبغي رفع أسعار الفائدة أو خفضها." اقرأ أيضًا| تحقيق جديد في الكونجرس| لجنة الأخلاقيات تفتح قضية «جيتز» بعد استقالته وتكتسب هذه التصريحات أهمية خاصة الآن بعد فوز ترامب في الانتخابات، حيث ستنتهي فترة ولاية جيروم باول كرئيس للبنك الفيدرالي في مايو 2026، أي بعد عام وأربعة أشهر من تولي ترامب الرئاسة. وهذا يعني أن الرئيس المنتخب سيكون له الحق في اختيار رئيس جديد للبنك الفيدرالي، مما قد يغير بشكل جذري العلاقة التقليدية بين البيت الأبيض والبنك المركزي الأمريكي. المعارضة الجمهورية الصامتة في المقابل، يتخذ المشرعون الجمهوريون موقفاً معارضاً لرؤية ترامب، مستندين إلى تجارب تاريخية مريرة مع التضخم. وفي هذا السياق، يبرز موقف السيناتور السابق بات تومي، الذي شغل منصب كبير الجمهوريين في اللجنة المصرفية، حيث حذر في حديثه لبوليتيكو قائلاً: "لقد أوضح ترامب بشكل جلي أنه يريد أموالاً رخيصة وسهلة، الجميع في الكونجرس يدرك مدى كارثية هذه السياسة، لقد عشنا للتو أسوأ تضخم في 40 عاماً بسبب هذه السياسة." وتزداد هذه المخاوف حدة مع اقتراب موعد تولي ترامب الرئاسة، خاصة وأن المشرعين الجمهوريين يدركون أن سياسة النقد الرخيص التي يدعو إليها قد تؤدي إلى عواقب اقتصادية وخيمة، أذ أنه خلال السنوات الماضية، انتقد أعضاء بارزون في الكونجرس قرار البنك الفيدرالي بإبقاء أسعار الفائدة منخفضة لفترة طويلة، معتبرين أن هذه السياسة ساهمت في تأجيج التضخم الذي شهدته البلاد مؤخراً. مستقبل السياسة النقدية الأمريكية مع اقتراب موعد تولي ترامب السلطة، تتزايد التساؤلات حول مستقبل السياسة النقدية الأمريكية، إذ تعهد دونالد ترامب حتى الآن بعدم محاولة إقالة باول، لكن لا أحد متأكد من استمرار هذا الموقف، خاصة إذا ظلت أسعار الفائدة أعلى مما يريدها ترامب أو إذا بدأ ارتفاع سوق الأسهم في التراجع. وفي مواجهة هذه التحديات، يحاول بعض المشرعين الجمهوريين إيجاد توازن دقيق، إذ صرح النائب بريان ستيل لبوليتيكو قائلاً: "إجراءات البنك الفيدرالي الحالية بشأن أسعار الفائدة هي مجرد رد فعل على السياسات الاقتصادية السيئة لإدارة بايدن. مع انخفاض التضخم، سيقوم البنك الفيدرالي بشكل طبيعي بخفض الأسعار. هذا هو أفضل نهج يمكننا اتباعه." اقرأ أيضًا| البنتاجون: الكونجرس خصص 182.99 مليار دولار لمساعدة أوكرانيا التداعيات العالمية والإقليمية تتجاوز أهمية هذا الصراع المحتدم حدود السياسة الداخلية الأمريكية لتصل إلى الأسواق العالمية والشرق الأوسط. فالبنك الفيدرالي، بصفته البنك المركزي لأكبر اقتصاد في العالم، تؤثر قراراته بشكل مباشر على أسواق المال العالمية وأسعار الصرف واتجاهات الاستثمار الدولي. وتشير التحليلات إلى أن أي تغيير جذري في استقلالية البنك الفيدرالي قد يؤدي إلى اضطرابات كبيرة في الأسواق المالية العالمية. وكما تشير بوليتيكو، فإن الأشهر القادمة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل السياسة النقدية الأمريكية، مع ترقب كيفية موازنة المشرعين الجمهوريين بين ولائهم لرئيسهم المنتخب والتزامهم بمبادئهم الاقتصادية المحافظة.