"وضع لا يستوعبه بشر".. كلمةٌ خرجت من الصحفي الفلسطيني أحمد معين قنن لتلخص طبيعة الوضع الذي يعيشه الفلسطينيون شمال قطاع غزة بعد 60 يومًا مرت، وهم لا يزالون تحت وطأة العدوان والحصار الإسرائيلي المتواصل ضمن عدوان ثالث يشنه جيش الاحتلال على شمال غزة حمل بين طياته الكثير من المعاناة لشعب مكلوم والإجرام لمحتل أورد الجحيم فعليًا في شتى بقاع غزة. وفي الخامس من أكتوبر الماضي، لم يكد الاحتلال الإسرائيلي يكمل عامه الأول في حرب غزة إلا وقد شرع في عدوانه الثالث شمال القطاع، وهو العدوان الذي تواصل على مدار شهرين وأتم 60 يومًا دون توقف. "حصار من كل الجهات" و"انتظار الموت" كلها هواجس تؤرق أجفان الأعين الساهرة تراقب الطائرات والصواريخ وتدور محدقة في مواقع القصف وأماكن النيران، ودعوات النجاة تسبقها العبرات على فراق صديق أو قريب أو حبيب. شمال غزة «محافظة منكوبة» وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، في بيان له، أمس الاثنين، بعد مرور 60 يومًا على بعد العملية العسكرية الإسرائيلية الثالثة شمال غزة، إنه "على مدار ستين يومًا يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانًا بريًا وجويًا وبحريًا وبشكل مُركَّبٍ ومكثف على محافظة شمال قطاع غزة، ممثلة بالعدوان على جباليا المخيم وجباليا البلد وجباليا النزلة ومدينة بيت حانون ومدينة بيت لاهيا ومشروع بيت لاهيا ومحيط هذه المناطق". وذكر المكتب الإعلامي الحكومي أنه راح ضحية هذا العدوان المتواصل أكثر من 3700 شهيد ومفقود، دُفنَ منهم 2400 شهيد، إضافة إلى سقوط 10 آلاف جريح، و1750 معتقلاً، كما استهدف الاحتلال ومنع عمل طواقم الدفاع المدني في المحافظة، إضافة إلى تدميره للقطاعات الحيوية وعلى رأسها تدمير القطاع الصحي والمستشفيات، وتدمير شبكات المياه وشبكات الصرف الصحي والبنية التحية وشبكات الطرق والشوارع. وأكد المكتب الإعلامي الحكومي أن العدوان الإسرائيلي عمل على تفاقم الأزمة الإنسانية في محافظة شمال قطاع غزة، معلنًا شمال غزة "محافظة منكوبة بكل ما تحمل الكلمة من معنى". شهادات ميدانية وقال المكتب الإعلامي الحكومي إنه حصل على أكثر من شهادة ميدانية حية، حيث تطابقت شهادات شهود العيان لرجال بالغين بوجود من 500 إلى 650 جثمانًا من جثامين الشهداء ملقاة في الشوارع والطرقات على مدار شهرين متواصلين، وذلك بسبب منع جيش الاحتلال الطواقم الطبية وفرق الإغاثة والطوارئ والدفاع المدني من الوصول لها، الأمر الذي جعل الكلاب الضالة تنهش جثامين الشهداء في الشوارع وقد تحولت جثامينهم إلى عظام متناثرة في الشوارع والطرقات، وأن هذه الجثامين غير معروفة الأسماء حتى إصدار هذا البيان. وجدد المكتب الإعلامي الحكومي التأكيد على أن الاحتلال الإسرائيلي يتعمّد مواصلة العُدوان بشكل همجي ووحشي وبشكل مخطط له على المدنيين، وعلى الأحياء السَّكنية المدنية الآمنة وعلى مراكز النُّزوح والإيواء، والانتقام منهم، وتشريد عشرات الآلاف منهم وإجبارهم على التهجير القسري من أحيائهم السكنية ومن منازلهم، وهذه الجريمة تُعد جريمة ضد الإنسانية كما يصنفها القانون الدولي. وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي، لم يتوقف عدوان الاحتلال الإسرائيلي إلى هذا الحد فقط، بل امتد ليرتكب المزيد من الجرائم ضد الإنسانية، وواصل جيش الاحتلال استخدام سلاح تجويع المدنيين وتعطيشهم وحرمانهم من الوصول إلى المساعدات والبضائع والمواد التموينية والغذائية، حيث منع الاحتلال وصول أكثر من 8000 شاحنة مساعدات وبضائع منعها من الدخول إلى محافظة شمال قطاع غزة. كما قام الاحتلال باستهداف وتدمير وتهجير عشرات مراكز النزوح والإيواء التي تضم عشرات آلاف النازحين الذين هربوا من منازلهم بحثًا عن الأمن والأمان، كما وارتكب جريمة تفجير وتدمير المنازل والمساجد والمؤسسات والأحياء السكنية وتدمير وقصف المستشفيات والأسواق وارتكاب المجازر فيها وقتل آلاف المواطنين بشكل وحشي ومقصود، وفق ما ذكره المكتب الإعلامي الحكومي. «تدمير كل مقومات الحياة» وفي غضون ذلك، يقول الصحفي الفلسطيني عماد زقوت، المتواجد في شمال غزة، إن "الوضع في محافظة شمال غزة بعد 60 يومًا من العملية العسكرية والحصار العسكري صعب للغاية، وهناك تدمير لكل مقومات الحياة والصمود، وكل ما يتعلق بالبنى التحتية دُمرت في شمال غزة". ويضيف زقوت، في تصريحات ل"بوابة أخبار اليوم"، أن هناك ما يقرب من 3700 شهيد وأكثر من 10 آلاف جريح وأكثر من 1700 معتقل من شمال غزة. ويواصل حديثه قائلًا: "هناك أيضًا منع وصول المساعدات إلى شمال غزة منذ أكثر من شهرين وبالتالي هناك عملية تجويع حقيقية تجري في شمال غزة جراء هذا الحصار العسكري المطبق من كل الجهات الشرقية والشمالية والجنوبية والغربية". ويتابع زقوت: "دُمرت العديد من المربعات السكنية.. كل ليلة تكون هناك عملية نسف لمربعات سكنية.. الوضع جدًا خطير، وما يجري هو أم الجرائم جراء استمرار هذا العدوان". وضع صحي كارثي ويتطرق الصحفي عماد زقوت في حديثه للأوضاع الصحية داخل مستشفيات غزة، فيشير إلى أن هناك تدميرًا للمنظومة الصحية في شمال غزة، مضيفًا أن هناك عدة مستشفيات مركزية في شمال غزة كالمستشفى الإندونيسي ومستشفى العودة ومستشفى كمال عدوان قد تم استهدافها خلال هذا العدوان الإسرائيلي، مما أدى إلى خروج المستشفى الإندونيسي ومستشفى العودة عن الخدمة تمامًا، على الرغم من وجود جرحى ومرضى وأطقم طبية محاصرة داخل هذا المستشفى. وبالنسبة لمستشفى كمال عدوان، يتحدث زقوت عن أنه تم استهداف هذا المستشفى أكثر من مرة واقتحامه كذلك واعتقال عدد من الأطباء والجرحى والمرضى من داخل المستشفى. ويستطرد قائلًا: "ورغم كل ذلك إلا أن المستشفى لا يزال يقدم الرعاية الأولية للمواطنين المتواجدين داخل محافظة شمال غزة". 60 ألف متواجد وحول عدد الفلسطينيين المتواجدين إلى حد اللحظة رغم مرور نحو شهرين كاملين من العدوان الإسرائيلي المستمر، يقول زقوت: "عدد المواطنين المتواجدين حتى هذه اللحظة في محافظة شمال غزة ما بين 50 إلى 60 ألف مواطن فلسطيني ما زالوا متواجدين هنا في الشمال". وفي هذا الصدد، ينوه زقوت إلى أن هذا العدد لا يزال متواجدًا شمال غزة رغم كل عمليات الإبادة والتطهير العرقي التي تجري هناك. «نقف في طوابير موت» ومن جهته، يقول الصحفي الفلسطيني أحمد معين قنن، المتواجد هو الآخر في مناطق شمال القطاع، إن "الوضع في شمال غزة بعد 60 يومًا من استمرار العدوان، كارثي ولا يستوعبه البشر.. نحن نتحدث عن انعدام مقومات الحياة وكل سبل العيش.. لا ماء ولا غذاء ولا دواء ولا كهرباء.. فقط المزيد من المعاناة والألمم والفقد". ويصف معين قنن، في تصريحات ل"بوابة أخبار اليوم"، الوضع المأساوي في شمال غزة قائلًا: "نحن نقف على طوابير الموت ولم نمت.. أقسى ما نتمناه في هذه الأيام هو أن نخرج من الحرب دون إعاقة جسدية أو عقلية ودون أن نفقد أحدًا". ويستعرض معين قنن أوجه المعاناة داخل شمال غزة على مدار شهرين قائلًا: "لو تحدثنا عن الوضع الصحي والإنساني في شمال قطاع غزة فإنه مأساوي وكارثي، وأكبر التحديات هو شح الموارد الطبية وصعوبة إدخالها إلى القطاع". ويضيف: "لو تحدثنا عن واقع القصف.. لقد تم قصفنا بكل السبل والوسائل والأساليب لقد كنا حقل تجارب طيلة الأربعة عشر شهرًا الماضية، الجيش الإسرائيلي قتلنا قصفًا وخنقًا وحرقًا وجوعًا وقهرًا". طائرات الكواد كابتر تلاحق النازحين بين الأزقة والمنازل المدمرة وفي مراكز الإيواء.. من يتحرك يتم استهدافه بشكل مباشر.. هذه الحرب وضعنا به عنوة عنا وكل ما نتمناه أن تنتهي وأن يعود الأمن والسلام للمنطقة وأن نعود لسابق الأيام التي كنا نعيشها قبل السابع من أكتوبر. تراجع حدة الاشتباكات وعلى صعيد المواجهات بين عناصر المقاومة الفلسطينية وقوات جيش الاحتلال، حيث تعتبر منطقة شمال غزة بؤرة رئيسية للمواجهات العسكرية بين الجانبين، يرى الصحفي أحمد معين قنن أن هناك تراجعًا في حدة الاشتباكات خلال الأيام الأخيرة. ويقول معين قنن: "هناك تراجع ملحوظ في حدة الاشتباكات بين الفصائل الفلسطينية والجيش الإسرائيلي، لاسيما بعد سيطرة الجيش على جباليا ومخيمها وبيت لاهيا وبيت حانون". "إن الاحتلال الإسرائيلي مستمر في مخطط القتل والإبادة والتدمير الشامل والتهجير القسري وذلك بغطاء أمريكي ومشاركة بريطانية ألمانية فرنسية، وأن هذه المخططات مغطاة أمريكيًا وبضوءٍ أخضر لارتكاب المزيد من المذابح والمجازر والقتل والإبادة الجماعية والتطهير العرقي".. هكذا يؤكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة وهو يسرد الوضع شمال القطاع، بعدما أبان الاحتلال عن كل ألوان الإجرام.