منذ سنوات طويلة؛ اعتدنا مع كل دورة جديدة من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، أن يصدر عددًا من المطبوعات الخاصة بالسينما وصناعها، خاصة المكرمين، وقد صدر هذا العام ثلاثة كتب بالتعاون – لأول مرة – مع دار ريشة للنشر والتوزيع. الكتاب الأول هو «مختارات الفن السابع» من إعداد د. ناجى فوزى، لإحياء ذكرى مجلة «الفن السابع» التى مثلت تجربة رائدة وغير مسبوقة فى الصحافة السينمائية المتخصصة فى مصر والعالم العربى، منذ صدورها لأول مرة فى ديسمبر 1997، واستمرت حتى أغسطس 2001، مقدمةً 45 عددًا، ذات رؤية مغايرة تهدف إلى تقديم الفن السينمائى بجميع جوانبه: التكنيك، التاريخ، التحليل، والأثر الثقافى، وذلك برئاسة الفنان محمود حميدة لمجلس إدارتها، بينما تولى محمود الكردوسى وأسامة عبد الفتاح رئاسة تحريرها على التوالى. لا يكتفى الكتاب بجمع المقالات القديمة، وإنما يقدم رحلة توثيقية تعكس رؤية المجلة ورسالتها، عبر عدد من المواد البارزة التى قدمتها فى أبوابها وملفاتها الشهيرة، مثل: «الملفات الخاصة» التى تناولت موضوعات سينمائية معمقة كالرومانسية، وسينما الرعب، والأفيش السينمائى، وملفات عن شخصيات سينمائية بارزة مثل سعاد حسنى، «التحليلات النقدية» التى جمعت بين العمق الأكاديمى والأسلوب الجذاب، مما يجعلها مراجع مهمة للباحثين والمهتمين بالسينما، وكذلك «علاقة السينما بالفنون الأخرى» من خلال أبواب مثل أدب وسينما، الذى قدمه الأديب إبراهيم عبد المجيد، واستعرض فيه تأثير الأدب على السينما والعكس. استعانت المجلة – كذلك – بفريق محترف لإخراجها بشكل بصرى جذاب، بدءًا من استخدام الورق الفاخر «الكوشيه»، وحتى الألوان التى تم توزيعها بدقة لتجنب إجهاد العين. كما كانت الصور التى تُعرض بكثافة فى المجلة، جزءًا أساسيًا من السرد، تعكس فلسفة المجلة فى تقديم «الصورة المتحركة» بحرفية وجاذبية، لا مجرد إضافات عابرة. ولأن «الفن السابع» تعدت فكرة المجلة، إلى كونها حلما جريئا فى وجه الواقع الصعب، فقد رفض القائمون عليها التخلى عن الجودة، سواء فى الطباعة أو المحتوى، حتى لو أدى ذلك إلى خسائر مادية. وأصر محمود حميدة، داعمها الرئيسى، على تجهيز المجلة وطبعها فى أفضل المطابع، حتى لو كلفه ذلك الكثير. لكن هذه الالتزامات جعلت الاستمرارية صعبة، فتوقفت المجلة فى أغسطس 2001، ورغم ذلك تركت أثرًا لا يُمحى فى النقد السينمائى، لمشروع ثقافى نادر فى الصحافة العربية، فهى تجربة اختارت أن تُظهر السينما كفنٍ متكامل، وأن تُعيد للصحافة السينمائية مكانتها. يعيد الكتاب التأكيد على أهمية الصحافة السينمائية الجادة، ودورها فى تشكيل وعى سينمائى عربى متكامل، كما يتيح للأجيال الجديدة فرصة التعرف على تجربة أثرت فى جيل كامل من النقاد والمهتمين بالفن السابع. من المواد التى نُشرت فى الكتاب: «يا دنيا يا غرامي» لمحمود الكردوسى، حوار مع المخرج محمد خان أجرته هبة الله يوسف، «سينما ضد الأيديولوجيا» لمحسن ويفى، «الإنتاج السينمائي» لمحمود حميدة، «هكذا يُصنَع النجوم فى مصر» لأشرف غريب، «محمد فوزى موسيقارًا سينمائيًا» بقلم فرج العنترى، «غربة الكاوبوى» لمصطفى ذكرى، «رقصة فالس فى الفضاء» لياسر عبد اللطيف، «عتريس هو الحقيقة» لإبراهيم عبد المجيد، حوار مع كمال بكير أجراه أسامة عبد الفتاح، «التمثيل: الأبعاد النفسية» للدكتور خليل فاضل، «نظرة ما» لوليد الخشاب، «رواد وتجارب.. سنوات التكوين» للدكتور محمد كامل القليوبى، «والت ديزني.. عبقرية السذاجة» لعصام زكريا، «توجو مزراحي.. صانع النجوم الذى ما يزال أسيرًا لسوء الفهم» لناصر كامل، «مخاوف الغد فى سينما الخيال العلمي» لمحمد كامل مبارك، «شكسبير عاشقًا» لمصطفى درويش، وغيرها. أما الكتاب الثانى فهو «سينما يسرى نصرالله.. حكايات ترغب فى احتضان العالم» الذى أعده أحمد عزت عامر، بمناسبة تكريم نصر الله بالهرم الذهبى لإنجاز العمر، ويتجزأ لثلاثة أقسام رئيسية؛ يتناول الأول منها «بورتريه لفنان يتشكل» منذ ولادته ومرورًا بقصة عشقه للسينما وأثر صاحب المومياء عليه وتمرده فى معهد السينما وغيرها من الحكايات، وصولًا إلى «ملامح سينما متفردة» وهى سينما الفرد المتمردة التى قدمها يسرى نصرالله، والتى يقدمها الكتاب تفصيلًا فى القسم الثانى تحت عنوان «الكتابة عن الأفلام» متضمنًا مقالًا عن كل فيلم، وهى «سرقات صيفية» 1988، «مرسيدس» 1944، «صبيان وبنات» 1995، «المدينة» 1999، «باب الشمس» 2005، «جنينة الأسماك» 2008، «احكى يا شهرزاد» 2009، «بعد الموقعة» 2012، «الماء والخضرة والوجه الحسن» 2016، و«قصاقيص صور» 2022. بينما يعرض القسم الثالث «حوار طويل مع يسرى نصرالله» جاء فى مقدمته بقلم عامر: «فى المرة الأولى التى جلسنا فيها معًا، ذهبت بلا تحضير، فقط بذاكرتى من سينماه، بتصوراتى الخاصة وانطباعاتى، الكتابة دائما هى محاولة اقتراب من موضوعك، محاولة لا تنتهى فى الغالب، وأنا حاولت أن أقترب من يسرى نصر الله. كنت على علم بثقافته العريضة وبسعة اطلاعه، ومع ذلك كانت ردوده تفاجئنى دائمًا وتفتح لى أبوابًا وآفاقًا. كان الحوار بيننا مثل مائدة مفتوحة على كل شيء، على السينما والأدب والفلسفة والسياسة. مرتبكًا اقتربت محاولا أن أشتت ارتباكى بسؤال فضولى يغازل ثقافته، سألته عن الشخصيات الأدبية والسينمائية التى يشعر بقربها منه قرابة روحية وجمالية، أو تجمعه بها انشغالات مشتركة. أخبرنى أن كل أبطال دوستويفسكى قريبون منه. ذكر «بداية ونهاية» لنجيب محفوظ التى يراها حكاية عن العائلة. فاجأنى تعاطفه مع شخصية حسنين الروائية التى جسدها عمر الشريف فى نسخة صلاح أبو سيف السينمائية من حكاية محفوظ». وبمناسبة حصوله على جائزة فاتن حمامة؛ أعدَّ رامى المتولى كتابًا بعنوان «حلم عز.. رحلة صعود إلى القمة» يستعرض فيه ملامح 27 عامًا استطاع خلالها أحمد عز أن يحقق نجوميته، وواصل صعوده ليصل إلى مصاف نجوم جيله، محافظًا على مكانته ومتفوقًا على كثيرين ممن سبقوه إلى المجال الفنى، رغم تحقيق بعضهم أرقاما قياسية، سواء فى شباك التذاكر أو على صعيد الشعبية الكبيرة. يضيف المتولي: «على مدار هذه الأعوام، وبخطوات واثقة، تعامل أحمد عز مع نفسه كنجم شباك، مدركًا جيدًا نقاط قوته، ومستغلاً إياها بذكاء كما عمل على تعزيز جوانب أخرى تتطلبها مهنته كممثل. ويبدو أن سنوات دراسته فى قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب بجامعة عين شمس، ثم نجاحه واستقراره الوظيفى فى مجال الفنادق، لم يكونا إلا تمهيدًا لما هو قادم». يشير المتولى إلى أن عز أدرك بذكاء فى بداياته نقاط قوة بارزة، كوسامته وصفاته الجسدية، وأدار إمكانياته وموهبته بشكل مدروس لتحقيق هدفه منذ طفولته، لكنه فى منتصف التسعينيات، كان مشتتًا بين ثلاثة مسارات تشكل مستقبله الوظيفى، بين تأمينه المستقبل المهنى فى مجال الفنادق، وعمله كعارض أزياء كخطوة للوصول إلى حلمه الأكبر بأن يصبح ممثلاً ناجحًا. يركز الكتاب فى فصوله على أفلام أحمد عز، مع تداخل المسلسلات فى مسيرته؛ من خلال تحليل فيلموغرافيا عز عبر خمس مراحل، لكل منها سماتها ونقاط انطلاق وقوة، ويعقب كل منها بعض مما يتذكره عز عن تلك المراحل وما دار حولها من أحاديث فى جلسات التحضير لهذا الكتاب.