محمد كمال موسيقار الألفية.. هكذا كان يلقب محمد رحيم الذى رحل عن عالمنا السبت الماضى، الملحن الذى كان يمثل حلقة الوصل بين جيلين، الأغنية الأولى له "وغلاوتك" كتبت سطور بدايته وكانت نقطة إنطلاق له ولجيل كامل من الملحنين والشعراء مهدت لهم الطريق، وأيقن المطربون بأن هناك مواهب تسطع تحمل أفقا وأفكارا مختلفة، ومثلما كانت "وغلاوتك" البداية، تكتب الآن مشهد النهاية لمسيرة أكثر الملحنين موهبة، فقد تصدرت "الترند" على "التيك توك" خلال الشهر الماضى بعد قيام مجموعات مختلفة من الشباب بإعادة غنائها من جديد. جاء تعاون محمد رحيم مع عمرو دياب عن طريق الموزع الموسيقى حميد الشاعرى الذى تعرف على رحيم أثناء ندوة فى كلية التربية الموسيقية، إذ استمع عمرو دياب للحن "وغلاوتك" وقرر ضمه إلى ألبوم "عوودونى" فى 1998، وفى نفس العام نجد اسم محمد رحيم على غلاف ألبوم محمد فؤاد "الحب الحقيقى" بأغنية "أنا لو قلت"، و وقتها لم يكن محمد رحيم المولود فى 9 ديسمبر 1979 أكمل عامه العشرين. حياة محمد رحيم وصفاته الشخصية مرآة تعكس مشواره الفنى وتأثيره الموسيقى معا، كأنهما وجهان لعملة واحدة، إنسان خفيف الظل الإبتسامة لا تفارق وجهه، يتحدث بسرعة وإيقاع حياته لاهث، وهو ما ظهر جليا فى أغنياته التى مزجت بين الأمرين، فى البداية اعتمد على موهبته الفطرية التى اكتسبها من والدته الشاعرة الراحلة إكرام العاصى، ثم إرتكز على ابتكاره واختلافه عن جيله وقدرته على التجديد المستمر، وعدم اقتران اسمه مع مطرب معين، بل امتد تعاون رحيم مع معظم المطربين. ارتكز مشوار محمد رحيم الموسيقى عند ثلاثة كلمات أساسية (الاختلاف) – (التجديد) – (الإبتكار)، الأولى هى التى شكلت موهبة رحيم فى بداياته وبرزت اختلافه عن غيره، لأن معظم الملحنين هذا الجيل استخدموا الجيتار وهى آله فقيرة موسيقيا، لهذا فقد انحسرت الألحان بين مقامين فقط "الكرد" و"النهاوند"، وأصبحت الأغنية تعتمد على "مذهب" ثم "سنيو" يتكرر مما أدى إلى اختفاء "العرب"، ومن هنا أصبحت موهبة محمد رحيم تمثل استثناء. فى عام 2000 يفجر محمد رحيم قنبلة موسيقية من خلال أغنية "يا من هواه" لهشام عباس، ذلك اللحن الذى احتوى على 8 مقامات دفعة واحدة، وجمعت كلمات الاغنية بين العامية والفصحى للشاعر هيثم بركات، أغنية يمكن أن يتم تقسيمها إلى أربع أغنيات كل واحدة بلحن مختلف. كانت البداية فى جملة "يا من هواه عاش دوما فى خيالى" وما بعدها على نفس الوزن، ثم "واستنينا مكتوبك ومجانشى" وما بعدها، ثم "يا ليل يا ليل يل ليل"، وأخيرا جملة بعد الفواصل "هجرت قلبى بالشوق سايبنى" وما جاء على وزنها، ثم العودة لمقام البياتى من جديد الذى بدأ به اللحن فى "كفى البعاد يا هاجرنى". أثبت لحن هذه الأغنية مقدار اختلاف موهبة رحيم عن غيره، خاصة اهتمام رحيم البالغ بمزج ألحانه الجديدة مع جمل لحنية من الفلكلور، وهذا ما كرره مع هشام عباس أيضا فى أغنيتى "باليل" و"جمالك خطر"، وأغنيات مع مطربين آخرين مثل "يونس" و"يا حمام" لمحمد منير، و"منازل" لأصالة، و"قلبه بيوجعه" لبهاء سلطان، "مش هقول" لحمادة هلال، و"مويلى" لكارول سماحة، و"عبد الهادى" لشاندو، و"عقبال كل البنات" لأميرة فتحى، وأغنية "بنت بلادى" التى أدخل خلال اللحن الفلكلور الليبى. "الليالى" والميوزيك أوورد لم يقف محمد رحيم عند نقطة نجاح وسعى لتكرارها بل كان دائما ينظر إلى المستقبل وإلى التغيير والتجديد، وذلك ظهر جليا من خلال أغنية "الليالى" التى قدمها لنوال الزغبى التى أحدثت نقلة مهمة فى تيمات "التقطيعات" اللحنية، حيث أن الجمل اللحنية سواء التى تأتى فى "المذهب" أو "السنيو" تحمل وقفات بمدد معينة، وهو الأسلوب الذى تأثر به معظم ملحنين هذا الجيل بعد ذلك، وكانت إرهاصات هذا الشكل الجديد قد ظهرت مع رحيم ونوال أيضا خلال الألبوم الذى سبقه فى أغنية "نجوم السماء". فى نفس الفترة كان محمد رحيم أصغر ملحن يحصد أحد ألحانه جائزة "ميوزيك أوورد"، وكان من خلال أغنية "ولا على باله" لعمرو دياب، والتى يقال أن المطرب الملقب بالهضبة اعتمد على جملة فاصل لحنى ليحولها إلى اللحن الأساسى، وبرغم عدم وجود تأكيدات على تلك الرواية إلا أنها تبدو صحيحة لأنه تعتبر هذه الأغنية الوحيدة فى تاريخ رحيم التى اعتمد على جملة لحنية واحدة تكررت على طول الأغنية. مبدع اللحن الرشاش الابتكار كانت الكلمة الثالثة فى مشوار محمد رحيم، حيث أبدع أسلوب لحنى خاص به أطلق عليه اسم "الرشاش"، وهو الذى إمتاز به رحيم عن غيره، وهذا الشكل يعتبر الأكثر تجسيدا لروح رحيم حيث الإيقاع السريع، وهو اللحن الذى يعتمد على تكرار الكلمات بشكل سريع ومتتالى، كأن تسلسل الكلمات أشبه بطلقات تخرج من مدفع آلى تتدفق بسرعة بالغة، لتتعلق بوجدان المستمعين سريعا. كانت البداية مع إعلان حكيم "إيه ده بقى" والذى تحول بعد ذلك إلى أغنية ضمها للألبوم الخاص به، وأغنيات أخرى مثل "رامينى" و"قلبى" لهشام عباس، "حبة حب" لمايا نصرى، "كل ده" لشيرين وجدى، "صبرى قليل"و"الوتر الحساس" لشيرين، و"أنا ليه" لنانسى عجرم، و"قلبى داب" لشذى، و"قالوا إيه" لنور العربى"، و"إلعب إلعب" لماريا، و"ما هو أمريكانى" لأيمن راتب، و"حبيب قلبى" لرنين. وبالطبع تميز رحيم فى تقديم الأغنية الرشاشة كان مصدر إهتمام وجذب لإيهاب توفيق الذى وجد فى رحيم ضالته، وقدما معا أفضل أغنيات إيهاب توفيق فى مسيرته، وكانت البداية مع أغنية "مشتاق" ثم أغنيات "اللى مدوبنى" و"آه يا نارى"، و"قدك"، و"عدى عليا" و"آه يا سلام"، وبالنظر إلى الأغنية الأخيرة فنجد أن رحيم فى نفس التوقيت تقريبا قدم لحن آخر يحمل نفس الاسم "آه يا سلام" لمايا نصرى، والأغنيتين بنفس أسلوب اللحن الرشاش لكن الجمل اللحنية مختلفة تماما. كان لدى محمد رحيم ولع بفكرة التنغيم الصوتى فى ألحانه وتحديدا فى الفواصل الموسيقية، على سبيل المثال جملة "لا لا لا لا لا لا" فى اغنية "آه ياليل" لهشام عباس، أو "ويلى ويلى يابا" فى دويتو الشاب مامى وإليسا بأغنية "كنت فى سيرتك"، وجملة "أهين أهين" فى "ليه بيدارى كده" لروبى، و"يالا ليلة ليلة يالا" فى أغنية "سهرانين" لكارول سماحة. بوابة عبور النجوم ومثلما كان لمحمد رحيم أغنيات تمثل علامات لمطربين مثل "لو عشقانى" لعمرو دياب، و"جت تصالحنى" لمصطفى قمر، و"ياللى بتغيب" لمحمد محى، و"أجمل إحساس" لإليسا، "قالتلى خلاص" لخالد عجاج، كان أيضا يمثل بوابة عبور لكثير من النجوم فى بدايتهم، وبالطبع نجد أن تجربته المهمة مع روبى هى الأبرز، حيث قام بتلحين أول ألبوم لها بشكل كامل "إنت عارف ليه"، ونفس الأمر مع تامر حسنى وهيثم شاكر حيث أن أول أغنية قدمها الثنائى كانت فى ألبوم مشترك "ولا إيه" لتامر، و"أحلف بالله" لهيثم شاكر التى حققت نجاحا مدويا وقتها، وكذلك جنات "اللى بينى وبينك"، ومايا نصرى "أخبارك إيه". قدم محمد رحيم العديد من الأغنيات الهادئة والتى كانت على عكس ما اشتهر به، مثل "ليه بيفكرونى" لمحمد محى، و"حبك علمنى" لإيهاب توفيق، و"فى حاجات" لنانسى عجرم، و"قلبى مشبهنيش" لمحمد منير، وكانت إليسا أكثر المطربات من حيث تقديم هذه النوعية، من خلال أربع أغنيات، "فى عيونك" و"بيستحى"، "بسمع اسمك بدمع"، و"جربت فى مرة" تتر مسلسل "مع سبق الإصرار. ويعود رحيم بعد عام ليقدم تتر أكثر نجاحا لكن هذه المرة مع شيرين فى مسلسل"حكاية حياة" بأغنية "مشاعر" المليئة بالشجن، ومن أبرز الألحان الرقيقة والهادئة التى قدمها رحيم كانت أغنية "صوت الهدوء" لنوال الزغبى التى توجها بجملته اللحنية الأبرز والتى جاءت متسقة مع الكلمات البديعة التى كتبها رحيم أيضا "يااااااه .. يااااااه على الجمال"، وهى أيضا الجملة التى يمكن ان تلخص مسيرة محمد رحيم الموسيقية.. اقرأ أيضا: شقيق محمد رحيم يرد على شيرين: الوفاة ليست مجالاً للمزاح