إبان الحرب العالمية الثانية، وفد إلي مصر جماعة من الهند، ينتمون إلي عقيدة "السيخ" أو "السك". وانقسمت هذه الجماعة إلى فريقين، فريق نازح قدم بهدف العمل، وفريق أخر كان يعمل في خدمة الجيش الإنجليزي بمصر أثناء تلك الحرب. وكما وضعت كل الشرائع تنظيمًا خاصًا بأصول الطعام، حثّت جلّها علي النحر دربًا بعينه يٌوصي الوفاء به وكان ل"السيخ" أو "السك" نصيبًا من تلك الوصايا. تمثلت في بضعة شروط صارمة يجب احترامها لدي طعام "السيخ"، وإلا فسد المطعم ، فمثلًا كانوا يطوفون حول الموائد قبل الطعام في رقصات منتظمة كطقس ديني وإلا صار المطعم محرمًا عليهم، كذلك حضّت شرائعهم على وجوب اتباع قواعد معينة في مناسبات الذبح السيخية. فكانوا يرفضون الذبيحة بشدة إذا ما لامستها "ظلال"، لذلك أُفرغ ل"السيخ" عنبر خاص بهم في المذبح القديم وعُدِّل تصميمه بحيث لا تتسلل إليه أية ظلال من شتي منافذ العنبر خاصة نوافذ التهوية، وذلك لأن سقوط الظلال على الذبيحة وبخاصةٍ ظل الإنسان كان يجعلها مُحرمة عليهم حسبما تقول شرائعهم، فكان على جميع عمال التجهيز مغادرة العنبر في بضع أوقات ماعدا القرد "شمشان". وهو "القرد" الذي جلبه "السيخ" ليودع عنبرهم، وقد تم تدريبه علي إحداث صراخٍ عالٍ إذا ما اقترب أحد من شبابيك تهوية العنبر خاصة العلوية خشية نفاذ الظلال إلي اللحوم. كذلك لم يكن هؤلاء "السك" يطعمون الكبد والكُلي والقلوب لأنها مُحرمة لديهم وكانوا يتنازلون عنها لعمال التجهيز مما كان يُسيل لُعاب "مهران المناشي" الذى أطلق عليه أقرانه "مهران النشال" لمهارته الفائقة في السرقة والنَشل. مكث "مهران" يُدبر المكائد ويتخير الحيل لسرقة عنبر "السيخ"، وظلت الكبد والكُلي والقلوب المُلقاة على الأرض بجانب ذبائحها تُداعب أحلام "مهران" حتى اهتدى لاختراع يستطيع به أن ينشل نصيبًا له من هذا الخليط غالى السعر فصنع خُطّافًا ينتهي بحبل طويل يمرره عبر أحد منافذ التهوية أعلي العنبر ويدنو به صوب الهدف المنشود ثم يسحب حبله حاملًا ما كُتب للخطاف أن يطول، لكن "النشال" لم يكن قد علم بأمر "شمشان" بعد. و ذات يوم قصد "المشال" عنبر السيخ، ثم تسلل صوب أحد الشرفات أملًا في تنفيذ الخطة المزعومة حتي فوجئ ب "شمشان" القرد فزع "المشال" لوهلته واستنهض ما فرغ من عزمه و مكث غير بعيد يلتقط أنفاسه و يرمق من حوله، عاد "المشال" من حيث أتي وقد علم أن لا طريق لخطته إلا بعبور "شمشان". أخذ مهران يتودد إلي "شمشان" فيصعد العنبر بحوزته كافة الأطعمة قربانًا يصادق به الحارس اليقظ حتى تكشف له حُب "شمشان" الشديد ل"الطعمية" فأخذ يخلطها بنبات "الداتوره" المُخدر، ذلك النبات المخدر رخيص الثمن ؛ الذي يتميز بسرعة التأثير وأخذ يُلقى إليه الطعمية المخلوطة عبر إحدي النوافذ العلوية ، وكان "شمشان" يلتهمها بنهم شديد وما هي إلا دقائق معدودة حتى انساب المخدر في عروقه وأصيب بحالة من التبلد وكأنه أحد تماثيل الهند!. وبعد أن تأكد "النشال" من تخدير "شمشان" بدأ في إلقاء الخُطاف وسحب ما وسعه من كبد وقلوب, بينما "شمشان" ينظر للموقف بلا حراك ما عدا دوران عينيه الذي ينبئ بالنوم. في هذه الحالة كان طبيب السيخ لا يقوم بالكشف على الذبيحة التي لا يجد كبدتها، وذلك لأن غياب كبد الذبيحة دلالة على وجود سارق وقع ظلّه على اللحوم وكان الجندي الهندي "أرجون" الذي أسماه الجزارون "أراجوز" هو المكلف بحراسة باب العنبر الرئيسي بينما حراسة الشبابيك في الجهة الخلفية من نصيب "شمشان". وعند اكتشاف السرقة يقوم "أرجون" بمعاقبة "شمشان" بعلقة ساخنة بخيزرانة طويلة حتى يملأ المكان بصراخه الشديد فيتأكد من أن "شمشان" لم يفقد بعد كل صلاحيته للحراسة. وذلك بعد أن يكون قد أعياه البحث عن السارق فيجرى هنا وهناك يفتش فى الصفائح التي يحملها العمال الذين قرروا تدبير المكائد ل"أرجون" وذلك بسبب تفتيش صفائحهم بدون وجه حق، معتمدًا على الحماية البريطانية. وفي إحدى المرات وضع أحد هؤلاء العمال عدة ضفادع أتى بها خصيصًا للسخرية من "أرجون" وغطاها بالماء ، وبمجرد أن فتح "أرجون" الصفيحة ليفتش عما بها قفزت الضفادع في وجهه فأصابته حالة من الهياج والسخط، خاصة بعد أن رأى الوجوه الساخرة والضحكات المتوارية و المُعلنة. وكان "أرجون" لا يملك حيال ما لاقاه من سخرية سوى العودة إلى حراسة الباب بعد أن يعطى "شمشان" علقة أخرى جزاء لما لاقاه من سخرية بسبب تقصيره في الحراسة!. وذات مرة كان "أرجون" يسير بقرده "شمشان" الذي قيده من رقبته وحول جسمه بسلسلة طويلة خارج العنبر، وذلك أثناء خروج العمال. وقُرب الجمع لمح القرد "مهران" فحنَّ إلى وجبة الطعمية القديمة التي مُنعها بسبب تشديد الحراسة. وإذا ب "شمشان" يفر من "أرجون" ليمتطى كتف "مهران" ويشير بيده الطويلة إلى فمه كأنما يطلب وجبته القديمة , وتحيّر الناس في سر هذه العلاقة التي أنكرها "النشال" بشدة. عندها تيقن "أرجون" من أن ثمة علاقة بين "مهران" وسرقة عنبر السيخ فأصر على اصطحاب "مهران" إلي نقطة شرطة المذبح ، وتجمع الناس حولهما في اتجاه النقطة والقرد لا يكف عن وضع يده على فمه وهو ينظر إلى "مهران" ويصرخ صراخًا عالًيا كأنما يستجديه. عرض "أرجون" الأمر على ضابط النقطة الذي غرق في الضحك وأفهم "أرجون" أنه لا يستطيع تحرير محضر شاهد الإثبات فيه قرد. وانصرف الناس في حيرة يتسائلون أهو "شمشان" أم "شمشون"