لطالما ارتبط الكرياتين في أذهان الكثيرين برياضة كمال الأجسام، كرمز للقوة والطاقة الجسدية، لكن خلف هذه الصورة التقليدية، يكمن عالم مذهل من الفوائد العلمية التي تُعيد تعريف هذا المكمل الغذائي. في وقت تتزايد فيه الأبحاث، يثبت الكرياتين أنه ليس مجرد داعم عضلي، بل هو محفز للقدرات العقلية، وركيزة لتحسين جودة الحياة، وإلى جانب تحسين الأداء الرياضي، تشير الأبحاث إلى أن الكرياتين يمكن أن يساهم في تعزيز وظائف الدماغ، بما في ذلك تحسين الذاكرة وزيادة القدرة على التحليل. وكشفت المجلة البريطانية «نيو ساينتست» للعلوم، عن أنه بالنسبة للأطفال والمراهقين، أظهرت الدراسات أنه يمكن أن يدعم النمو الصحي وتطوير الوظائف العقلية، مما يجعله أداة واعدة في المجالات الطبية. يعمل الكرياتين كمصدر طاقة سريع للخلايا، خاصة في الأنسجة التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة مثل العضلات والدماغ، وتشير الأدلة إلى أن هذا المكمل الغذائي قد يكون مفيدًا للوقاية من الأمراض العصبية التنكسية مثل «باركنسون وألزهايمر»، بالإضافة إلى تحسين الحالة المزاجية وتقليل التعب العقلي. ويواصل العلماء استكشاف طرق جديدة لاستخدام الكرياتين لتحسين جودة الحياة، سواء كان لتعزيز الأداء الرياضي أو دعم الوظائف العقلية، فإن الكرياتين يبرز كعنصر متعدد الفوائد يمكن أن يغير الطريقة التي ننظر بها إلى المكملات الغذائية، بحسب المجلة البريطانية ذاتها. ◄«الكرياتين».. مغذٍ خارق بفوائد متعددة بعد عقود من الدراسات التي استكشفت تأثير الكرياتين على الأداء البدني، قال ريتشارد كرايدر من جامعة تكساس: «إن الكرياتين ليس مجرد مكمل لتحسين القوة، بل هو عنصر غذائي مدهش يعزز وظائف خلايا الجسم بطرق متنوعة»، فالأبحاث الأخيرة تؤكد أن الكرياتين يقدم أكثر مما كان متوقعًا، خاصة لصحة الدماغ والأداء الخلوي، وفقًا لتعبيره. الكرياتين مركب طبيعي تنتجه أجسامنا بشكل يومي، يتركز أساسًا في العضلات ولكنه يظهر أيضًا في الدماغ وأعضاء أخرى مثل الخصيتين والدم، والكبد والكلى والبنكرياس تصنع حوالي 1-2 جرام يوميًا، كما يمكن للنظام الغذائي الغني بالبروتين الحيواني أن يوفر كمية إضافية مشابهة، ما يجعل الكرياتين جزءًا أساسيًا من نظامنا الغذائي والطبيعي. ◄كيف يتكون الكرياتين؟ يوضح «سكوت فوربس» من جامعة براندون الكندية، أن الكرياتين يتشكل عند اتحاد 3 أحماض أمينية معينة، ليصبح جزيئة غنية بالطاقة، وهذه الجزيئة تلعب دورًا أساسيًا في دعم العمليات البيوكيميائية، ما يجعلها عنصرًا رئيسيًا في الحفاظ على النشاط اليومي، سواء كان ذلك في التمارين الرياضية أو الوظائف الحيوية. يُحوَّل الكرياتين إلى فوسفوكرياتين، وهي جزيئة تُستخدم لتوليد طاقة فورية على المستوى الخلوي، بالإضافة إلى دوره في إنتاج ATP «ثلاثي فوسفات الأدينوسين»، ويساهم الكرياتين في حماية الميتوكوندريا، وهي «محطات الطاقة» في خلايا الجسم، ويبرز دوره عند تعرض الجسم للإجهاد أو نقص الأكسجين، ما يجعله ضروريًا لحالات مثل الربو وفقر الدم. وفقًا لسكوت فوربس، فإن الكرياتين يوفر دفعة طاقة إضافية عند الحاجة، سواء كان الجسم يواجه نقصًا في الأكسجين أو زيادة في متطلبات النشاط، ويساعد الكرياتين الجسم في التكيف بسرعة، ما يجعله ضروريًا في حالات الإجهاد البدني أو حتى الأمراض المزمنة التي تضعف الأداء الحيوي. ◄ تأثير الكرياتين على الأداء البدني منذ ظهوره كمكمل غذائي في أوائل التسعينيات، أصبح الكرياتين عنصرًا أساسيًا في تعزيز الأداء الرياضي، ويؤكد ريتشارد كرايدر، على أن الرياضيين الذين لديهم مستويات مرتفعة من الكرياتين يمكنهم تحقيق قفزات في القوة والسرعة والتعافي بشكل أسرع، مما يؤدي إلى تحسين الأداء بنسبة تصل إلى 15%، وهو تأثير مذهل مدعوم ب«آلاف الدراسات العلمية». مكملات الكرياتين ليست فقط لتحسين الأداء الرياضي؛ بل أثبتت فعاليتها في زيادة الكتلة العضلية بسرعة، ووفقًا لكرايدر، يمكن للرياضيين المدربين اكتساب ما يصل إلى 3.5 كجم من العضلات خلال 5 إلى 10 أسابيع باستخدام الكرياتين مقارنة بزيادة محدودة لا تتجاوز نصف كجم عبر النظام الغذائي والتدريب وحدهما. تتجاوز فوائد الكرياتين الرياضيين الشباب؛ فهو يُوصى به للحد من فقدان الكتلة العضلية لدى كبار السن وتعزيز الأداء البدني في مراحل متقدمة من العمر، ويصف كرايدر الكرياتين كأداة فعالة للشيخوخة النشطة، لكنه يوضح أنه ليس بديلًا عن نمط حياة صحي متكامل. بينما يقدم الكرياتين فوائد كبيرة، يشدد الباحثون على ضرورة دمجه مع التدريبات البدنية للحصول على أفضل النتائج، ويوضح سكوت فوربس أن الكرياتين لا يحقق نمو العضلات أو الفوائد القصوى إلا عند ممارسة تدريبات المقاومة أو التمارين الرياضية المنتظمة. ◄تأثير الكرياتين على الدماغ.. «تحسين الإدراك تحت الضغط» تشير الأبحاث إلى أن الكرياتين يمتلك القدرة على تعزيز الأداء المعرفي، خاصة في الظروف الصعبة مثل الحرمان من النوم، وأظهرت دراسة حديثة أن جرعة واحدة منه حسّنت سرعة معالجة المعلومات والذاكرة في غضون ثلاث ساعات. لكن برغم ذلك فإن النتائج لم تكن دائمًا متسقة؛ فقد أظهرت أكبر دراسة عشوائية في عام 2023، تأثيرًا محدودًا على الإدراك، بما يعادل زيادة طفيفة في معدل الذكاء. وأوضح فوربس أن الكرياتين قد يساعد الدماغ في مواجهة الإجهاد أو الإرهاق العقلي، لكنه يلعب دورًا محدودًا لدى الشباب الأصحاء في الظروف الطبيعية، مع ذلك، تظل الدراسات مستمرة لاستكشاف الإمكانات الكاملة لهذا المكمل الغذائي المذهل، بحسب المجلة البريطانية للعلوم. ◄هل الكرياتين حارس الدماغ ضد الأمراض التنكسية؟ على الرغم من أن الدراسات حول الكرياتين والأمراض العصبية التنكسية لا تزال في بدايتها، تشير الأبحاث إلى أن له تأثيرات وقائية محتملة، فالأشخاص المصابون بمرض ألزهايمر، على سبيل المثال، ظهرت مستويات منخفضة من الكرياتين في أدمغتهم، كما أظهرت تجارب على الحيوانات أن تناول الكرياتين قد يقلل ضرر الارتجاجات الدماغية بنسبة تصل إلى 50%، وفقًا لريتشارد كرايدر. اقرأ أيضا| الكرياتين.. أفضل مكمل غذائي أثناء الحمل يلعب الكرياتين دورًا حيويًا في تعزيز الطاقة على المستوى الخلوي، مما يمنحه قدرة على حماية الأنسجة خلال الأزمات الصحية مثل النوبات القلبية أو السكتات الدماغية، ويشير كرايدر إلى أن الكرياتين يقلل الضرر الخلوي ويحسن مرونة الأنسجة، ما يساهم في الحد من تأثير الأزمات الصحية الكبيرة على وظائف الجسم. ◄أثر الكرياتين في نمو الأطفال.. «مفتاح لبنية صحية» أشارت تحليلات حديثة إلى أهمية الكرياتين في نمو الأطفال، فالأطفال الذين يعانون من نقص الكرياتين في نظامهم الغذائي يميلون إلى انخفاض الكتلة العضلية وقصر القامة، إضافة إلى نسب أعلى من الدهون في الجسم، علاوة على ذلك، أظهرت دراسات أن الفتيات المراهقات اللواتي لديهن مستويات أعلى من الكرياتين يعانين من دورات شهرية أكثر انتظامًا ومشكلات أقل. لا يقتصر تأثير الكرياتين على العضلات فقط؛ فهو يدعم صحة العظام، ويخفض مستويات الكوليسترول الضار (LDL)، ويساعد في تحسين إدارة مستويات السكر في الدم، ورغم ذلك، أظهرت دراسات متباينة حول فعاليته لدى مرضى السكري. مع التوسع في الأبحاث، أصبحت مكملات الكرياتين توصي بها لفئات أوسع، ويرى كرايدر، أن كبار السن، النساء الحوامل، والنباتيين يمكنهم الاستفادة الكبيرة من مكملات الكرياتين لتعويض أي نقص غذائي، وفي المستقبل، يُتوقع أن تُدعّم المنتجات النباتية، مثل بروتينات ومساحيق البروتين النباتية، بالكرياتين لتلبية احتياجات الجميع، وفقًا لمجلة «نيو ساينتست». ◄هل يؤثر توقيت تناول الكرياتين على أدائك؟ عند الحديث عن توقيت تناول الكرياتين، يمكن أن يكون له تأثير أكبر إذا كنت رياضيًا محترفًا تسعى لتحقيق رقم قياسي أو التفوق في سباق، ووفقًا لسكوت فوربس، تناول الكرياتين قبل أو خلال التدريب قد يعزز النتائج بشكل طفيف. ومع ذلك، بما أن الكرياتين يُخزن في الجسم كمصدر احتياطي للطاقة، فإن تأثيره يظهر أيضًا في اللحظات التي تتغير فيها وتيرة الأداء، كما يحدث مع رياضيي التحمل، فالتغييرات المفاجئة في الإيقاع قد تكون مدفوعة بمستويات أعلى من الكرياتين التي تعزز إنتاج القوة بسرعة، مما يسمح بتحقيق أداء أعلى. تستمر آثار الكرياتين لفترة طويلة، لكن الحفاظ على فعاليته يتطلب استمرارية في تناوله، وفقًا لسكوت فوربس، إذا توقفت عن تناول الكرياتين، يحتاج الجسم من 4 إلى 6 أسابيع للعودة إلى مستوياته الطبيعية. بينما بعض الرياضيين يفضلون اتباع نهج التناوب بين تناول الكرياتين ووقفه، إلا أنه لم تُجرَ دراسات تقارن هذا الأسلوب مع الاستخدام المستمر للكرياتين لفترات طويلة. ◄كيفية تناول الكرياتين بفعالية؟ يتوفر الكرياتين في عدة أشكال مثل المسحوق، والأقراص، والعلكة، وعلى الرغم من تنوع الأشكال، لا يبدو أن هناك اختلافًا كبيرًا في الفعالية بين هذه الأنواع، فالأقراص والمساحيق كانت موجودة لفترة أطول لذا خضعت لمزيد من الأبحاث، أما بالنسبة لأنواع الكرياتين المتوفرة في السوق، فإن كرياتين مونوهيدرات هو الأكثر شيوعًا ودراسة. يعتبر الكرياتين آمنًا بشكل عام عند تناوله بجرعات معتدلة تصل إلى حوالي 5 جرامات يوميًا، وفقًا لفوربس، ومع ذلك، قد يواجه بعض الأشخاص مشكلات مثل الجفاف أو تقلصات العضلات، ومن النادر أن يعاني البعض من اضطرابات معوية أو شعور بعدم الراحة في المعدة، وفي هذه الحالات، يوصي فوربس بتقليل الجرعة أو تعديل طريقة تناوله. ومع استمرار الأبحاث، قد يصبح الكرياتين جزءًا أساسيًا في روتيننا الغذائي، ليس فقط لتعزيز الأداء الرياضي، بل أيضًا لدعم جودة الحياة عبر مراحلها المختلفة، فما بين استراتيجيات الاستخدام الصحيحة ومستقبل الأطعمة المدعمة بالكرياتين، يبدو أن هذا المركب يحمل في طياته وعدًا بمستقبل صحي أفضل للجميع