الغالبية العظمى من البشر، إن لم يكن جميعهم عدا بعض الاستثناءات الطفيفة التى لا تهدم القاعدة ولا تخل بها خللا جسيما، يرون عن اقتناع أن المصالح هى التى تحكم العالم وتحدد مساره، وتتحكم فى قوة ومتانة أو ضعف وهشاشة العلاقات بين الدول، وأنها هى التى ترسم وتضع الخطوط والتوجهات السياسية والاقتصادية لهذه الدول. ويرى هؤلاء أن تلك القاعدة ليست جديدة ولا طارئة، بل هى المعمول بها بين الأفراد والجماعات، وكذلك بين الشعوب والدول منذ فجر التاريخ وحتى اليوم. ويؤكدون أن التحولات اللافتة فى العلاقات بين الدول تخضع لنفس المنطق وذات القاعدة، حيث لا عداوات دائمة ولا صداقات مستمرة، ولكن هناك مصالح تحكم وتحدد. وفى هذا الإطار يرون أنه لا موجب للاندهاش من تغير السياسات لبعض الدول، أو انتقالها من توجه لآخر طبقا لتغير المصالح واختلافها، لأن ذلك هو المتوقع والمنتظر، حيث من الطبيعى أن يكون التوجه متماشيا مع الاتجاه الذى تحدده المصالح ولا شىء غيره. وفى ظل هذه الرؤية لا يرى هؤلاء أى موجب للاندهاش، من التحول اللافت الذى طرأ على الموقف الأمريكى تجاه الشرق الأوسط خلال الأعوام الأخيرة من النقيض إلى النقيض. وأحسب أننا مازلنا نذكر أن أمريكا كانت قد أعلنت موقفها المتراجع عن الاهتمام بمنطقة الشرق الأوسط إلى أدنى مستوى، فى نهاية رئاسة «ترامب»، الأولى وبداية رئاسة «بايدن» فى «2020»،...، وهو ما وصل إلى إعلانها أنها حولت بوصلة اهتمامها وتوجهها إلى آسيا حيث المواجهة مع الصين. ولكن مع وقوع الحرب الروسية الأوكرانية واشتعال الأزمة الاقتصادية العالمية وتصاعد أزمة الطاقة، ثم تفجر واشتعال الأوضاع فى المنطقة العربية والشرق أوسطية فى ظل الحرب الإسرائيلية على غزة، اضطرت الولاياتالمتحدة لإعادة حساباتها وعودة اهتمامها وتركيزها إلى الشرق الأوسط والمنطقة العربية من جديد، حيث يوجد العديد من المصالح الأمريكية التى تستدعى التواجد النشط سياسيا واقتصاديا.. وعسكريا أيضا،...، وهو ما يعنى التوقع بزيادة الانغماس الأمريكى فى قضايا وشئون المنطقة خلال الرئاسة الجديدة «لترامب».