تبخرت آمال وقف إطلاق النار في قطاع غزة، على صخرة التعنت الإسرائيلي، الذي يغالي في مطالبه من أجل إنهاء التصعيد العسكري في المنطقة. وتقدمت الحكومة المصرية في الأسبوع الأخير من أكتوبر الماضي، بمقترح هدنة جديدة لاقى ترحيبا من مختلف الأوساط، إذ اقترحت مصر عبر اللواء حسن رشاد، رئيس جهاز المخابرات، وقف إطلاق النار لمدة يتفق عليها الطرفان، مقابل «حلحلة» ملف الأسرى لدى الجانبين، على أن يعقب «الهدنة المؤقتة»، مشاورات حثيثة من أجل وقف دائم لإطلاق النار. المقترح المصري الذي عمل عليه الوسطاء في كل من مصر وقطر وأمريكا، اصطدم في نهاية الأمر باشتراطات بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال «غير قابلة التحقيق»، رغم دفع الوسطاء نحو وجوبية استثمار «اللحظة الراهنة»، في ظل النجاح الإسرائيلي في تقويض قدرات حماس العسكرية، وفق الخارجية الأمريكية. ◄ فقدان البوصلة الاستراتيجية المبررات التي ساقها الجانب الإسرائيلي في رفضه مقترح الهدن المؤقتة، تنحصر فيما صدر عن وزراء في حكومة الاحتلال، الذين يروون في وقف إطلاق النار دون تحقيق كامل الأهداف الإسرائيلية، هزيمة واستسلام. في خضم حالة الجدل الراهنة، التي تعكس فقدان حكومة الاحتلال «البوصلة الاستراتيجية»، نرد على هؤلاء الذين يروون في وقف إطلاق النار بعد نحو 13 شهرا كاملا من بدء الحرب «هزيمة واستسلام»، بإعادة نشر فقرات من مقال صحيفة «هآرتس» العبرية نفسها، في وقت سابق من شهر أكتوبر الماضي، الذي عنونته ب «ليست حماس التي تنهار بل إسرائيل». ووفق الصحيفة العبرية «هنالك مَن يدّعي بأنّ الخروج من قطاع غزة، عقب التوقيع على اتفاقية مع حماس لإعادة المخطوفين (الأسرى)، بمثابة هزيمة واستسلام. وهذا سيرتد علينا في المستقبل بصورة هجوم إضافي آخر تنفذه حماس. عندها ستكون الخسائر التي سوف نتكبدها قاسية جدًا، عشرات أضعاف تلك التي تكبدناها في "غلاف غزة" يوم 7 أكتوبر / تشرين الأول». وأضافت: «يقوم هذا الادعاء على عدم فهم أساسي لما يحصل في قطاع غزة. وهو يتغذى من شعارات يطلقها ويروّجها المستويان السياسي والعسكري، بغية تبرير أفعالهما وتجنيد الدعم والشرعية من الجمهور لمواصلة الحرب، التي فشلت». اقرأ أيضا| ذكرى وعد بلفور.. حكاية رسالة تسببت في مأساة الفلسطينيين وتابعت هآرتس:"عمليًا، أولئك بالذات الذين يجزمون بأنّ وقف الحرب يعني الهزيمة والاستسلام هم الذين يقرّبون هزيمة الجيش (جيش الاحتلال) وتحطّم الدولة (دولة الاحتلال). أهداف الحرب التي تتمثل في القضاء على حماس، و"تحرير جميع المخطوفين (الأسرى) بواسطة الضغط العسكري (المجازر العسكرية) لم تتحقق". ◄ تعبئة صفوف حماس وشددت "إذا ما واصلنا القتال في قطاع غزة، من خلال الاقتحامات المتكررة للأهداف ذاتها، فليس أننا لن نقضي على حماس فقط، بل سنقضي على أنفسنا نحن. بعد فترة قصيرة من الزمن، لن يعود بإمكاننا حتى القيام بمثل هذه الاقتحامات المتكررة، لأنه مع كل يوم جديد يضعف الجيش (جيش الاحتلال) ويتعمق أكثر، ويرتفع عدد القتلى والجرحى في صفوف قواتنا. وفي المقابل، أعادت حماس تعبئة صفوفها بشبان في سن 17- 18 عامًا". وقد أصبح جنود وضباط الاحتياط يتخلفون عن تأدية الخدمة العسكرية، وأعلن الكثيرون منهم أنهم لن يتجندوا ثانية، حسب الصحيفة العبرية. أما جنود الخدمة الإلزامية، اعتبرتهم الصحيفة العبرية، مُنهَكون ويفقدون قدرات مهنية مهمة بسبب غياب التدريبات والتأهيل؛ بعضهم يترك الدورات قبل انتهائها وإتمامها. وتطرقت الصحيفة العبرية إلى الأوضاع الاقتصادية في الداخل المحتل: «الاقتصاد الإسرائيلي، علاقات إسرائيل (دولة الاحتلال)الدولية ومناعتها الاجتماعية تضررت، وسوف تتضرر بصورة حادة، بسبب حرب الاستنزاف ضد حماس وحزب الله، وهي الحرب التي سوف تستمر في الشمال وفي الجنوب طالما بقي الجيش الإسرائيلي (جيش الاحتلال) في قطاع غزة. حتى الحاجة إلى تركيز قوات عسكرية في قطاعات أخرى ومنها لبنان ويهودا والسامرة (الضفة الغربية) بسبب أنشطة المسلحين (رجال المقاومة)». ◄ تدابير استباقية وفي نظرة واقعية قالت هآرتس" سوف يضطر الجيش الإسرائيلي (جيش الاحتلال) إلى الخروج من قطاع غزة، والدفع بها للمناطق المشتعلة، إذ ليس في حوزته ما يكفي من القوات للقتال على عدة جبهات في الوقت ذاته". ومضت الصحيفة بالقول" بكلمات أخرى، سيأتي اليوم الذي لن يستطيع فيه الجيش الإسرائيلي (جيش الاحتلال) البقاء في قطاع غزة لوقت أطول، لأن حماس تسيطر عليه الآن سيطرة تامّة سواء في مدينة الأنفاق التي تمتد على طول مئات الكيلومترات، أو فوقها. نسبة الأنفاق التي استطاع الجيش الإسرائيلي (جيش الاحتلال) تدميرها حتى الآن "ضئيلة". وأوضحت هآرتس" إذا ما أوقفنا الاقتحامات بسبب ضعف الجيش، وقلة الحيلة وانعدام البدائل الأخرى، أو إذا ما نقلنا القوات إلى مناطق أخرى فسيُعلن أعداؤنا (رجال المقاومة) بصرخات احتفالية مُدوية أن الجيش الإسرائيلي قد رفع الراية البيضاء، خرج من قطاع غزة واستسلم". واختتمت الصحيفة العبرية بالقول: «وعليه من المفضّل إذًا أن نتصرف بحكمة وأن نتخذ تدابير وقائية استباقية. ينبغي علينا الموافقة الآن على صفقة لتحرير المخطوفين (الأسرى). هذه هي الطريق الوحيدة التي يمكن بواسطتها إعادة المخطوفين إلى عائلاتهم. يجب وقف القتال في قطاع غزة، الذي من شأنه، بصورة مرجحة تمامًا، أن يؤدي إلى وقف القتال مع حزب الله أيضًا، إضافة إلى تقليص احتمالات اندلاع حرب إقليمية شاملة ومتعددة الجبهات، نحن لسنا مستعديّن لها على الإطلاق».