قبل نحو شهر فقط أثيرت ضجة حول مسابقة لاختيار ملكة جمال مصر، تحمل اسم «ميس إيجيبت»، بعدما أعلنت إحدى الفتيات انسحابها من الفعاليات وكشفت تفاصيل صادمة عن منح منظمى المسابقة الألقاب لمن يدفعن أكثر! ويبدو أن هذه الفضيحة لم تكن الأولى من نوعها التى ينظمها أشخاص غير مؤهلين، ويسعون فقط لجمع المال من الحالمات بدخول عوالم الجمال والشهرة والأضواء، فقبل نحو 61 عامًا نشر الكاتب الصحفى محمد تبارك تحقيقًا عن أول واقعة مشابهة أطلق عليها «مهزلة انتخاب سمراء القاهرة»، نعيد نشره بتصرف محدود فى السطور التالية: ليس المقصود من هذا التحقيق الصحفى تسجيل مهزلة انتخاب سمراء القاهرة أو شقراء القاهرة، لكن المقصود هو وضع حد للمهازل التى ترتكب باسم ملكات الجمال. آخر مهزلة حدثت هذا الأسبوع كان اسمها «سمراء القاهرة»، وكانت بدايتها مجموعة من الإعلانات التى حدّدت موعد المسابقة ولوحت للمتسابقات بعشرات الأمانى الكاذبة وتقدّم عدد قليل من الصغيرات الحالمات بالمجد، والفتيات اللواتى بهرتهن أضواء إعلانات المسابقة. ◄ اقرأ أيضًا | نهلة خالد «مس إيجيبت 2023»: أحب القيادة في الطرق السريعة وأعشق الأسود | حوار وفى مكتب أنيق أشبه بمكاتب كبار الموظفين الذين يظهرون فى أفلام السينما لعقد الصفقات فى الظلام، كان يجلس بقامته الضخمة، وأمامه عشرات الدوسيهات والأجراس، كان ينتظر الحالمات بالشهرة والمجد والأضواء، وكان لا بُد للفتاة من مقابلته للحصول على استمارة تسمح لها بالاشتراك فى المسابقة، ولا أعرف ما الشروط التى كان يتطلبها منظم المسابقة فى كل مشتركة، لكنى سمعت من إحداهن أن الذى أشرف على المسابقة طلب منها أن ترقص أمامه، وبعد أكثر من نصف ساعة اعترف بموهبتها، وقدم لها استمارة المسابقة. وجاءت اللحظة الحاسمة، أو موعد المسابقة وفى الوقت الذى كان يجلس المتفرجون فى صالة السينما على مقاعد متواضعة جىء بمعظمها من المقاهى المجاورة، وخلف ستارة المسرح الحمراء التى كتب عليها اسم منظم الحفلة بالقصب، بعد أن أضاف لاسمه ولا أدرى لماذا كلمه مؤسسة، وخلف هذه الستارة كان يتم مشهد آخر.. باب المسرح الخلفى مفتوح على مصراعيه وأمامه رجل ضخم الجثة، وبين الحين والآخر كانت تقف سيارة أجرة تنزل منها سريعًا واحدة من المتسابقات، ويصيح الرجل: «وسع يا جدع»، وتدخل المتسابقة لتقف إلى جوار بقية المتسابقات وتشاهد عيناك نفس المشهد.. كل متسابقة وضعت أمامها مرآة ووقفت تتزين. ◄ المخرج الأوحد وجاء منظِّم الحفل بخطوات أشبه بخطوات الطاووس، وسلّم على كل واحدة من المتقدمات للمسابقة رقمًا خاصًا، وأعلن الميكروفون بدء المسابقة، وكانت مفاجأة عندما أذاعوا أسماء لجنة التحكيم وكل أصحابها من الصحفيين الذين يمثلون بعض الصحف والمجلات، وواضح أن سبب اختيارهم هو ضمان منظِّم المسابقة عدم مهاجمته، وكان طابور لجنة التحكيم يتكون من: عبدالعزيز عبدالله وعبدالفتاح الفيشاوى وصلاح البيطار وناصر حسين والمخرج الأوحد زهير بكير. وعُزِفت الموسيقى لتمهد للمسابقة، وكانت الأنغام ساخرة كأنها تمهد للمهزلة التى ستبدأ فى الحال، وبمجرد رفع الستار، وفى مقدمة الصالة جلس أعضاء لجنة التحكيم وأمامهم أغرب شروط سيمنحون بمقتضاها الدرجات للمتسابقات، واسمعوا أهم هذه الشروط: (ما هو لون بشرتها؟ ما لون عينيها؟ خفة دمها، رأيهم فى قوامها، هل هى متزوجة؟)، وشروط أخرى أكثر غرابة ليس من بينها مثلًا لباقة أو ثقافة المشتركة فى المسابقة. ◄ عرض مخجل وبدأت المتسابقات يظهرن واحدة بعد الأخرى بعد ظهورهن جميعا فى عرض واحد، ولمحتُ المخرج زهير بكير وهو أحد أعضاء لجنة التحكيم يعتدل فى جلسته قائلًا: «أنا عاوز منهم وجوه جديدة لأفلامى»، ولا أدرى هل نسى المخرج السينمائى الذى أخرج عددًا من الأفلام يُعد على أصابع اليد الواحدة أن معظم المتسابقات اللاتى وقفن أمامه من الكومبارس اللواتى سبق لهن الظهور فى عشرات الأفلام دون أن يحس أحد بهن.. والحقيقة أن اثنتين من المشتركات لم يسبق لهما الظهور على الشاشة. وبعد العرض المخجل الذى استعرضت فيه كل متسابقة نفسها أمام الحاضرين وهى تسير فى طابور ملكات الجمال، والذى كان خاليًا من أى جمال، إلا إذا كانت الأصباغ اللامعقولة التى كانت تزين وجوه المتسابقات، وملابسهن الضيقة جزءًا من الجمال. وأمام الميكروفون بدأت كل متسابقة فى أعقاب الأخرى تظهر مجددًا على المسرح لتواجه الجمهور ولجنة التحكيم ولتجيب عن الأسئلة التى توجه إليها، ومن خلالها يتمكّن أعضاء اللجنة من الحكم عليها ومنحها الدرجات التى يرونها. ولو حضرت هذه المسابقة وكنت سيئ الحظ مثلى لرأيت العجب، فكل متسابقة كانت تدخل وهى رافعة رقمها فى يدها، وتتفنن فى الوقوف أمام الميكروفون تحرّك جسدها كأنها لاعب كرة يحاول إنقاذ شبكة مرماه من هجمات اللاعبين. ◄ أقوال كاذبة وراحت الأسئلة السخيفة تتوالى لكل متسابقة سؤالًا بعد الآخر، وتتوالى الأجوبة الأكثر سخافة، والشىء الوحيد الذى تستطيع أن تؤكده من كل إجابة تسمعها هو الكذب.. كذب المتسابقة وهى ترد على الأسئلة فيما عدا سؤالًا واحدًا لا أستطيع أن أقول لك إذا كانت إجابته صادقة أم كاذبة، فقد سألوا إحدى المتسابقات عن صنف الطعام الذى تفضله هل هو البطاطس أم الباذنجان؟ فقالت بضحكة مائعة: «أنا أحب البامية»! ◄ أدوار الدلع واسمعوا مرة ثانية حكاية واحدة من المتسابقات اللاتى بلغ عددهن 19.. إنها حكاية مديحة كامل، الفتاة التى فازت بلقب سمراء القاهرة فى آخر مهزلة لانتخاب ملكة جمال.. قالت إن سنها 13 عامًا.. تصوروا؟ وأنها عندما قرأت عن المسابقة حلمت أنها ستفوز باللقب، وعندما تقدّمت للمنظم الذى أشرف على المسابقة قال لها: «إنتِ لُقطة»، وعندما سألتها عن هوايتها قالت: «أنا هوايتى رسم المانيكانات العارية». وعندما سألتها عن اسم أشهر رسام سمعت عنه، قالت بلا تردد: هيتشكوك! وقالت أيضًا إنها تهوى التمثيل، وتحب بالذات أدوار الدلع. وقدمت الفائزة مشهدًا من أدوار الدلع، قالت فيه بالحرف الواحد وهى تتكلم وترد على نفسها فى نفس الوقت: تعالى يا حياتى. أنا مكسوفة. لازم تيجى. طيب لما أقول لماما. ماتخافيش أنا قلت لها. طيب لما أقول لخطيبى. ماتخافيش خطيبك مسافر. ومع كل جملة رددتها أحدث سمراء فى القاهرة كانت تغيّر من وقفتها كأنها تمثل دورًا للمرحومة مارلين مونرو! ◄ حلم الشهرة وحكاية ثانية بطلتها متسابقة أخرى اسمها ليلى عبدالعزيز، قالت إن سنها 19 سنة، وأنها طالبة فى كلية بنات العباسية، قرأت عن المسابقة ونظرت إلى المرآة فتأكدت أنها سمراء، وتقدمت إلى منظم المسابقة فقدّم لها استمارة المسابقة. وعندما سُئِلت عن هدفها من الاشتراك فى المسابقة، قالت: الشهرة! أما بطلة الحكاية الثالثة فهى راقصة مبتدئة اسمها عزيزة محمود حسن، تعبت من اللف بحثًا عن الشهرة، وحاولت إقناع عشرات المخرجين بفنها ولم يصدقها أحد، وعندما قرأت عن المسابقة، أسرعت فى نفس اليوم إلى منظم المسابقة وطلبت منه الاشتراك فيها، وقبل أن يسلمها الاستمارة سألها عن اسمها وعملها، فقالت له إنها راقصة ممتازة.. ويبدو أنه لم يصدقها، فرقصت أمامه أكثر من نصف ساعة.. هكذا قالت، وبعدها صفّق لها وهو يقدّم لها استمارة المسابقة، وكانت واحدة من اللواتى ظهرن فى الطابور الطويل.. طابور الباحثات عن الشهرة والمجد من أقصر الطرق.. بهرتهن الأضواء الكاذبة فأسرعن إليها. ◄ ملكة البقدونس إن ما رويته لك ليس هو كل شىء فى مسابقة أو مهزلة سمراء القاهرة، فالحكاية أكثر من هذا بكثير، إنها مهزلة يجب أن نضع حدًا لها، ففى خلال الأيام القليلة المقبلة سيعلن نفس هذا الذى أشرف على مهزلة سمراء القاهرة عن مهزلة أخرى بعنوان «انتخاب ملكة العنب»، وبعدها قد يعلن عن مسابقة لانتخاب ملكة جمال البقدونس.. فهل هذا كلام؟ ◄ من المسئول؟ إننى أريد أن أسأل سؤالًا بسيطًا جدًا: منْ المسئول عن أمثال هذه المسابقات؟ ومن الذى يمنح التراخيص بإقامتها؟ أنا لا أعرف بالضبط اسم هذه الجهة ومدى اختصاصاتها، لكن المؤكد أن الذى سمح بإقامة مثل هذه المسابقة ارتكب خطأ كبيرًا حوَّل فيه كلمة مسابقة إلى مهزلة. الحقيقة أن مسابقات الجمال شىء معترف به فى جميع أنحاء العالم، ولكن لا يتم بهذه الطريقة. وأخيرًا، إن المقصود من هذا التحقيق ليس تسجيل مهزلة انتخاب سمراء القاهرة أو شقراء القاهرة، ولكن المقصود هو وضع حد للمهازل التى ترتكب باسم ملكات الجمال. («آخرساعة» 21 أغسطس 1963)