غدًا، أو بعد غد، تزورنا كريستالينا جورجيفا، المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي. ومن المقرر أن يعقب زيارتها مباشرة، وصول فريق المراجعة الخاص ببرنامج التمويل، الذى تبلغ قيمته ثمانية مليارات دولار، تمهيدًا لبدء المراجعة الرابعة للبرنامج، وتتوقع شركة «فيتش سوليوشنز»، أن تشهد المفاوضات قدرًا كبيراً من المرونة، بشأن تعديل بعض البنود، مستبعدةً، تمامًا، احتمال تخلى مصر عن الاتفاق مع الصندوق، ليس فقط لأن برنامج التمويل يُعدّ محفزًا لتدفق الاستثمارات الأجنبية، لكن، أيضًا، لأن التخلى عن هذا الاتفاق يعنى فقدان الدولة ستة مليارات دولار، هى القيمة المتبقية من القرض، بالإضافة إلى مليار دولار من خلال صندوق الاستدامة، و14 مليار دولار، تعهد بها شركاء التنمية الدوليون. تتوقع شركة الأبحاث، التابعة لوكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني، أيضًا، بحسب مذكرة أصدرتها مؤخرًا، أن يكون صندوق النقد أكثر تساهلًا وانفتاحًا على تعديل الجداول الزمنية المحددة، لتنفيذ بعض الإصلاحات المُتفق عليها، ورجّحت أن تسفر المفاوضات عن تأجيل رفع أسعار السلع المدارة، مثل: الوقود والكهرباء. ولعلك تعرف أن الحكومة المصرية تعتزم مراجعة التوقيتات والمُستهدفات الخاصة بالبرنامج المُتفق عليه مع الصندوق، على خلفية المتغيرات، أو التوترات، الإقليمية والدولية المتسارعة، بعد التكليف الرئاسى بمراجعة الموقف مع الصندوق، لو أدّى تنفيذ هذا الاتفاق، إلى ضغط، غير مُحتمل، على المواطنين. وبعد المراجعة الثالثة، للاتفاق مع الصندوق، حصلت مصر من صندوق النقد، على شريحة قيمتها 820 مليون دولار، فى نهاية يونيو الماضي. وكان من المُفترض أن يجرى الصندوق المراجعة الربعة، أواخر سبتمبر، لكنه أرجأها، وبالتالى تأجّل حصول مصر على شريحة جديدة، قيمتها 1.2 مليار دولار، إلى ما بعد انتهاء الاجتماعات السنوية للصندوق، التى انتهت السبت الماضي، فى العاصمة الأمريكيةواشنطن، وشارك فيها وفد مصرى رفيع المستوى، ضم: محافظ البنك المركزى ووزراء المجموعة الاقتصادية، وجرى خلالها استعراض الإصلاحات الهيكلية، التى أجرتها الحكومة المصرية، فى سعيها الجاد إلى تهيئة بيئة أعمال مواتية وجاذبة لاستثمارات القطاع الخاص، المحلى والأجنبي، وتحقيق الاستقرار المالى على المدى المتوسط، ورفع كفاءة إدارة الدين العام، واستهداف وضع المديونية الحكومية فى مسار نزولي. المهم، هو أن المفاوضات المُرتقبة مع الصندوق «لن تتضمن أى مبالغ جديدة، أو قروض إضافية، بل ستركز فقط على مراجعة الالتزامات والمُستهدفات وتوقيتات تحقيقها، وإطالة أمد بعض الإجراءات»، طبقًا لما أعلنه الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، فى مؤتمر صحفى عقده، الأربعاء الماضي، عقب الاجتماع الأسبوعى للحكومة، الذى جرت خلاله الموافقة على مشروع قرار أصدره بإعادة تشكيل «لجنة إدارة ملف الدين الخارجى وتنظيم الاقتراض الخارجي»، لتكون برئاسته، وعضوية محافظ البنك المركزيّ، ووزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، مقررة اللجنة، إضافة إلى وزيرى المالية والاستثمار والتجارة الخارجية، وممثليْن عن جهاز المخابرات العامة وهيئة الرقابة الإدارية. اختصاصات هذه اللجنة، حدّدها مشروع قرار إعادة تشكيلها بإدارة ملف الدين الخارجي، بشكلٍ متكامل، يشمل جميع أدواته، مع وضع حدٍ أقصى للاقتراض الخارجى سنويًا، يتحدد فى ضوء معايير الاستدامة المالية، ولا يجوز الخروج عليه إلا فى حالات الضرورة القصوى، وبموافقة مجلس الوزراء. إضافة إلى مناقشة بدائل سد الفجوة التمويلية بالعملات الأجنبية من المصادر الخارجية، وتحديد حجم الاقتراض الخارجى المطلوب، من خلال المصادر التمويلية المختلفة، بما لا يتخطى سقف الدين، مع تطبيق نظام حوكمة دقيق، لتنظيم الحصول على سائر أدوات الدين الخارجي، طبقًا لإطار مؤسسى متكامل. ما نعرفه هو أن لدينا استراتيجية، يتم تحديثها سنويًا، تستهدف خفض نسبة وخدمة الدين إلى الناتج المحلي، لتصل إلى أقل من 85%، بنهاية يونيو 2028، مع إطالة عمر دين أجهزة الموازنة إلى 4 سنوات فى المدى المتوسط، بدلًا من 3 سنوات، لتقليل الحاجة إلى التمويلات السريعة. كما أن لدينا، أيضًا، مسارًا جديداً لمقايضة الديون بالعمل المناخي، وإصدار أدوات جديدة، ذات تكلفة، أقل كالصكوك الخضراء وسندات التنمية المستدامة. وحدث، مثلًا أن توافقت «لجنة إدارة ملف الدين الخارجي»، بتشكيلها القديم، فى 12 يونيو 2022، على رؤية لتنظيم الاقتراض، تضمنت وضع حدٍ غير مرن، كقيمة مطلقة، وليس نسبة، لمستوى الدين الخارجي، قائم على حساب دقيق لقيمة الفجوة فى العملة الأجنبية، إضافة إلى متابعة وتحديث استراتيجية الدين سنويًا، لضمان خفض نسبة خدمة الدين للناتج المحلي. .. وتبقى الإشارة إلى أن جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي، كان قد أكد، فى 24 أكتوبر الماضي، أن الصندوق يعمل مع الحكومة المصرية بشأن ما يجب القيام به، لتوسيع نطاق برامج الحماية الاجتماعية، والتأكد من فاعليتها، لافتًا إلى أن هذا الملف سيكون من بين القضايا ذات الأولوية، التى ستثيرها وستناقشها المديرة التنفيذية للصندوق، خلال زيارتها للقاهرة.