وقائع متكررة لمشاجرات وعنف وتعدٍ فى المستشفيات بين الأطباء والمواطنين، ضحيتها مريض لجأ إلى المستشفى ليسعفه، أو طبيب وقف لساعات طويلة متفانيًا فى عمله من أجل إنقاذ مئات الأرواح يوميًا. المستشفيات التى تتخذ شعار «رجاء الهدوء من أجل راحة المرضى» باتت أماكن مليئة بالضوضاء، والعلاقة بين المريض والطبيب التى تقوم على أساس الرحمة والإنسانية صار مصدرها الترصد.. ما أسباب هذه الظاهرة، وكيف يمكننا إيقافها؟. « الأخبار» فى هذا التحقيق تناقش أطراف الأزمة وتحاور أصحاب القرار فى القوانين التى تضمن حقوق الطبيب والمريض والمنشآت الطبية. المرضى: المشكلة تبدأ من أمن المستشفيات.. ونقدر الضغوط على الأطباء احترام قلقنا على مرضانا ضرورة.. والتوتر يفاقم أزماتنا الصحية فى جولة ميدانية بالمستشفيات، التقينا عددًا من المرضى ومرافقيهم لاستطلاع آرائهم حول مستوى الرعاية الصحية والمعاملة التى يتلقونها. محمد صفوت، أحد المرافقين لمريض بمعهد القلب تحدث عن حالة قريبه الذى كان بحاجة إلى عملية قلب مفتوح، موضحًا أنه دخل العمليات بعد تأجيلها مرتين، وأن المعاملة جيدة حتى الآن، مشيرًا إلى أن المريض قضى عشرة أيام فى المستشفى قبل إجراء العملية، ولم يواجه أى مشاكل تذكر مع الطاقم الطبى أو الأمن الخاص بالمستشفى. أحمد عاطف، مريض آخر، تحدث عن تجربته فى مستشفى الدمرداش، أجرى 13 عملية جراحية، مؤكدًا أنه تلقى معاملة سيئة، سواء من الطاقم الطبى أو الأمن، مما أثر سلبًا على صحته النفسية، واضطر إلى الحصول على قرض لإجراء عملية فى أحد المستشفيات، ولكنه واجه تأجيلات متكررة. مريض آخر أجرى عملية شفط مياه من الرئة وعملية قسطرة بمعهد القلب، وصف الطاقم الطبى بأنه على مستوى عالٍ من الكفاءة، ولكن هناك بعض المشاكل فى التعامل مع الأمن بشأن الزيارات ودخول المرافقين، ما يسبب توترًا بين المرضى وأفراد التأمين. محمد عبده تحدث عن تجربة والده بمعهد القلب الذى أجرى عملية دعامة، وأشاد بالمعاملة الجيدة من الطاقم الطبى والممرضين، ولكنه انتقد بشدة تعامل الأمن، حيث أشار إلى أنهم يطلبون المال للسماح بالدخول ويعاملون المرضى ومرافقيهم بطريقة غير لائقة. إبراهيم محمد تحدث عن تجربة ابنه الذى يعانى من السرطان، وأوضح أن المعاملة فى معهد القلب جيدة، وقال إنه خضع لعملية جراحية قبل شهرين.. وتابع قائلاً: ابنى اسمه ناجح إبراهيم محمد، يعانى من مشكلة فى القلب، كان يعمل مبلطًا، والآن لا يستطيع العمل بسبب حالته الصحية، ولا نحصل على أى دعم من التأمينات الاجتماعية لأننا «أعمال حرة»، وأكد أن المعاملة فى معهد القلب كانت ممتازة وفوق الوصف، وأشاد بالتعاون والاحترام الذى أبداه الطاقم الطبى والأمن، مما جعله يشعر بالراحة والاطمئنان.. وأوضح أن هذا المستوى من الرعاية والاهتمام كان له تأثير إيجابى كبير على ابنه، وأشار إلى أن هذا التعامل الإيجابى ساعده على تجاوز التوتر والقلق، مما جعله يثق فى قدرة المستشفى على تقديم الرعاية اللازمة. مرافق آخر قال إن زوجته تجرى عملية جراحة قلب مفتوح داخل معهد القلب، وأشاد المرافق بمستوى الأطباء، قائلاً: «الأطباء هنا على مستوى عالٍ»، ومع ذلك تحدث عن مشكلة تتعلق بالأمن، وأوضح أن بعض المرضى يحتاجون إلى مرافقين، ولكن الأمن يصر على دخول المريض فقط. وأكد المرافق أنه لم يواجه أى مشاكل فى التشخيص أو العلاج، وأن الأطباء متاحون بسهولة. وأضاف أن الأطباء والممرضين يتحملون ضغوط العمل، وأشار إلى أن المريضة دخلت الطوارئ وتم إجراء عملية شفط مياه من الرئة وعملية قسطرة فى نفس اليوم، حيث كانت هناك شكوك حول وجود مشكلة فى الشريان، ولكن تبين أنه سليم. وأوضح أن المريضة أجرت عملية قلب مفتوح سابقاً، وتم اكتشاف انسداد فى الصمام، ما استدعى إجراء عملية قلب مفتوح جديدة، وأكد أن الإجراءات تمت بسلاسة وأن المريضة لا تزال فى الرعاية، بينما المشكلة الرئيسية تكمن فى تعامل الأمن مع المرضى والمرافقين، حيث يمكن أن يسبب هذا التعامل توترًا وزحامًا، مما يؤثر على قدرة الأطباء على أداء عملهم، وأوضح أن التعامل مع الأمن فى المستشفى يختلف عن التعامل فى المؤسسات المدنية، وأنه يجب تحسين هذا الجانب لضمان تجربة أفضل للمرضى. وتبين أن هناك اختلافات واضحة فى جودة الرعاية والمعاملة بين المستشفيات، فى حين أن بعض المرضى يثنون على الأطباء والممرضين، ويشكو آخرون من تعامل الأمن الذى يخلق حالة من التوتر والاحتقان. الأطباء: نعمل فى ظروف صعبة وخطأ الطبيب كارثة غير مسموح بها التكدس يؤثر على أداء مهامنا وتصوير الطبيب على أنه «بلطجى» يضر بالمنظومة الصحية يقول د.سعيد شلبى أستاذ الكبد والجهاز الهضمى: «عاصرت العديد من هذه المشاهد خلال عملى بالمستشفيات الحكومية والتى يحدث فيها مشاجرات بين أهالى المرضى أو حتى المرضى أنفسهم وبين الأطباء والتمريض، ولكن هذه الأزمات بدأت تنتشر مؤخرًا بشكل أكبر. وأضاف: لم يصبح للطبيب احترامه ولا يتم تقدير دوره فى إنقاذ آلاف الأرواح يوميا، ويصبح التعدى عليه فى مكان عمله وأثناء تأدية واجبه أمرًا عاديًا ويتكرر باستمرار دون اتخاذ إجراءات رادعة، ودون أى مراعاة للضغط الذى يعانيه هذا الطبيب يوميًا والمجهود الذى يبذله حتى لا يقصر مع أحد المرضى. وتابع: وقائع التعدى على الأطباء وتكسير المستشفيات لا يمكن أبدًا أن نطلق عليها شجارات بل هى كارثة وأزمة أخلاق تحتاج إلى تدخل عاجل لعودة هيبة الطبيب واحترامه كما كان من قبل، ولا يصح أبدًا أن يقضى الطبيب نصف عمره فى العلم والدراسة والتدريب لينفع بالناس وفى النهاية يتم التعدى عليه وهو يؤدى عمله، موضحًا أنه لا يستدعى أبدًا الظرف ولا المناخ إلى أن يتطور الخلاف بين الأهالى والطبيب لهذا الحد المؤسف وخاصة أن الطبيب منذ بداية دراسته وهو يغرس فيه الرحمة بالمريض والإنسانية قبل أى شىء وهذا ما يجعله يتفانى فى عمله رغم ضعف المرتبات التى تكاد لا تكمل الاحتياجات الأساسية، ويجب الأخذ فى الاعتبار أن عدم تقدير الطبيب هو أحد اهم أسباب هجرة الأطباء بهذا الشكل. ومن جانبه يرى د.ماهر الجارحى أستاذ الباطنة والصدر «أن مشاجرات بين الأطباء والمرضى فى المستشفيات لها شقان أساسيان، الأول الخاص بالطبيب الذى يعانى ضغطًا رهيبًا لا يمكن وصفه وخاصة طبيب الاستقبال، وهو ما يجعله يؤدى عمله حتى وهو فى غاية الإرهاق والتعب من المجهود الذى يعانيه طوال الوقت، بالإضافة إلى أن عمله لا يحتمل أى خطأ حتى ولو كان بسيطًا، فحقنة واحدة غير مناسبة لحالة المريض قد تودى بحياته. والشق الثانى هو المريض وأهله الذين يحضرون معه ويعتبرون أن حالته هى الحالة الوحيدة الحرجة فى المستشفى بأكملها وأن الطبيب متفرغ لهذا المريض فقط وبالتالى لو غاب الطبيب عن أعينهم لحظة واحدة يتهمونه بالتقصير والإهمال وعدم مراعاة مشاعرهم وعدم الإحساس بآلام المريض وقد يكون ذلك من فرط توترهم وقلقهم على مريضهم. ومن ثم من الممكن أن يتطور الأمر للشجار مع الطبيب وربما أيضًا التعدى عليه، ولذلك لابد من تنظيم الأمور جيدًا لمنع التكدس والزحام وزيادة الضغط على الطبيب ومنع الاشتباك والتعدى وإعطائه الفرصة كاملة للتركيز فى عمله الشاق دون الدخول فى المهاترات الفارغة لا وقت لها من الأساس.. ومن أول الإجراءات التى يلزم تطبيقها لتنفيذ ذلك هو منع دخول العديد من الأفراد مع المريض فتجد المريض يدخل الاستقبال وقد يكون معه ما يقرب من عشرة أفراد كل منهم يسأل الطبيب ويستعجله ويعنفه ويوجه له اللوم أو النقد، ولو قام حينها بالرد أو الضيق أو التذمر يتم التعدى عليه وهذا غير لائق بالمرة، المريض لابد ألا يدخل معه سوى مرافق واحد، ثانيًا على الأطباء أيضا أن يسع صدرهم قلق الأهالى وفرط خوفهم ويتحلوا بالصبر ولكن دون أن يؤثر ذلك على عملهم وتركيزهم وأن يراعوا عامل السن لأن كبار السن لهم معاملة خاصة حتى لو صدرت منهم بعض الأخطاء موضحًا «هذا الكلام ليس نظريًا ولا على سبيل الإنشاء ولكنها خلاصة خبرتى لأكثر من خمسة وثلاثين عامًا فى مستشفى حميات إمبابة وهى واحدة من أكثر المستشفيات التى شهدت مأسى وأوبئة وأحداثًا لا تعد ولا تحصى. نقيب الأطباء: العنف مرفوض وعلى المتضرر تقديم شكوى للنقابة رئيس لجنة الصحة بالنواب: القانون الجديد خط فاصل بين حق المواطن والطبيب وعقوباته رادعة أكد د.أسامة عبد الحى، نقيب الأطباء، أن التعدى على أفراد الطاقم الطبى فى الطوارئ أو المستشفيات، سواء كان الطبيب أو الممرضة أو أى شخص آخر، تصرف همجى ويتنافى مع دولة القانون. وأوضح أن أى مشادة أو اعتداء فى الطوارئ يعطل تقديم الخدمة الطبية للمريض نفسه ويوقف الخدمات الطبية المقدمة لباقى المرضى، مما قد يؤثر سلبًا على الحالات الحرجة. وناشد عبد الحى المواطنين بتجنب اللجوء إلى العنف وأخذ حقهم بأيديهم فى حال شعورهم بإهمال أو تقصير، مشددًا على ضرورة التوجه إلى جهات الشكاوى الرسمية مثل الإدارة أو الشرطة، وأكد أن هذا التصرف غير مقبول ويجب الابتعاد عنه. كما دعا نقيب الأطباء جميع الإدارات والجهات المعنية بتأمين المستشفيات إلى اعتبارها منشآت حيوية واجب تأمينها، مشيرًا إلى أن هذا يعطل تقديم الخدمة للمرضى ويشكل خطورة، وأوضح أن الدول التى انتشرت فيها هذه الظاهرة استطاعت القضاء عليها فى فترة قصيرة. وأشار د.أشرف حاتم رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب إلى أن الشجارات التى تحدث بين الأطباء والمرضى أو أهالى المرضى ليست بجديدة بل هى ظاهرة موجودة منذ سنوات وسببها الضغط الكبير الذى يتعرض له الأطباء فى المستشفيات وكذلك الضغط الواقع أيضا على المواطنين من ظروف مختلفة موضحًا: «نحن بصدد صدور قانون المسئولية الطبية الذى يحدد مسئولية الطبيب ويضمن سلامة المريض، ويحدد الإهمال الطبى الواقع على مريض عن طريق لجنة متخصصة لتثبت وجود خطأ طبى من عدمه ومن ثم يتم تحديد العقوبة. حبس وغرامة ومن جانبه أوضح د.كريم كرم أمين عام صندوق الحق فى الدواء «أن التعدى على الأطباء والتمريض والمنشآت الطبية عمومًا له قانون خاص به وهو قانون المنشآت الطبية الذى يفرض الحبس والغرامة على كل من يقوم بالتعدى حتى ولو كان من المرضى، هذا القانون يجب تفعيله بشكل رادع حتى لا تتكرر مثل هذه المهازل فى المستشفيات، هذا بالإضافة إلى زيادة الوعى لدى الناس بأهمية الطبيب وضرورة تقديره وتقدير الضغط الذى يتعرض له يوميا، فأنا أعرف أطباء بعينهم يقومون بشراء بعض المستلزمات من حسابهم الشخصى ولكن هناك بعض المواقف تحدث خارجًا عن إرادتهم من كثرة الضغط ومع ذلك لا ننكر أبدًا أنه قد يكون هناك بعض التقصير أو الإهمال من بعض الأطباء وهو من حق المواطن أن يشتكى وأن يأخذ حقه كاملاً ولكن ليس من حقه أبدًا أن يتعدى بالضرب والتكسير والإهانة التى نراها.