وأخرج كتابا وبدأ يقرأ منه أوْرَادَه، رأيت كلماته ظلالا على الأرض حسبته كان يزرع حروف ما يقوله. بينما كنتُ أمشى فى الصحراء أبصرتُه من بعيد، شبحا يمشى على جانب طريق موحش، كانت الشمس تلقى بلهيبها وفى خطوات بطيئة يسير مُلقيا عصاه على كتفه اليمنى وقد حملَت متاعه فوق ظهره، أوقفتُ سيارتى وبادرتُه بالسلام فردّ مبتسما، كان عجوزا لكن تبدو عليه نضارة الصالحين، أشفقتُ عليه قائلا: الطريق صعب وطويل ، أدعوك لتستقل السيارة معي ابتسم قائلا: - لكنى أراه طريقا سهلا وقصيرا جدا كالأعمار.. وبدتْ عليه لمسة حزن فقلتُ له: هل تحزن لفراق الأحبة؟ لماذا نحزن على موت من نحب؟ ألا نودّ أن نجد أحبابنا فى لقائنا عندما نذهب إليهم فى الضفة الأخرى؟ هنالك ما تود فأبحرْ ولا تخش الموج. دعنى أحمل عنك هذا «الخُرْج« المُلقّى على كتفك فالشمس حارقة؟ إننى أمشى فى ظل أشجار تماشينى حيثما قصدت. هلا سمحت لى أن أحمل عنك ما يثقل كاهلك رفض مبتسما وأردف: عصاى هى التى تحملنى وأنا أمشى معها.. لكنك تمشى وحيدا ألا تبصر من حولي؟ لا إذن أنت فى حاجة إلى عينيْن لكنى أخاف عليك من الوحدة أخشى من الكثرة أين بيتك؟ البيوت «قُدّام« وأخرج كتابا وبدأ يقرأ منه أوْرَادَه، رأيت كلماته ظلالا على الأرض حسبته كان يزرع حروف ما يقوله لكنه تطلّع نحوى وابتسم وهو يطوى الكتاب وناولنى إياه، كان كتابا مملوء الصفحات لكن كانت صفحاته بيضاء لا حروف بها؛ وودّعني. ماذا يحدث فى خطوط أبنائنا؟ أميل إلى الأسئلة المقالية التى تولى المهارات اهتماما كبيرا، لكنى أرى خطوطا أشبه بالطلاسم وبنقش أرجل الطير على العجين والطين، فالحروف ناقصة ومشتتة وغير متساوية، ولا تنسيق ولا جمال فيها. وهذا يعود إلى أسباب كثيرة منها تركيز الأجيال الجديدة على الكتابة على لوحة مفاتيح الكمبيوتر والهاتف النقّال؛ كما أن حذف حصص الخط فى المدارس أدّى لضياع كراس الخط حيث كنا نتدرب على خطوط الرّقعة والنسخ والديوانى بجمالياته الأخّاذة والمريحة للعين، ومن أسباب رداءة الخط شيوع الأسئلة غير المقالية حيث أراح الطلاب من الخط فقد يتخرّج طالبٌ من كليةٍ ما دون أن يكتب جملة واحدة فى امتحاناته طوال أربعة أعوام؛ كيف ندرب أبناءنا على الخط وكيف نعيد حصص الخط والأسئلة المقالية؟ لقد بدأنا أطفالا بالكتابة بالريشة والمحبرة التى كان لها موضع الأحبار فى «تختة« التلاميذ، بل كان بعضنا يصنع الأحبار فى البيت من «القَرَض« والزعفران، وعلمت من بعض الأصدقاء الجزائريين أنهم كانوا يصنعون الحبر من صوف الغنم بعد جَزِّه وحرْقه بطريقة خاصة؛ هكذا بدأنا وتعلمنا ولذا لا أعرفُ حتى اليوم الكتابة بغير قلم حبر، وحاولتُ تعلّم الكتابة بقلم جاف فما استطعتْ وعدتُ أصاحبَ قلمى الحبر.. الخط العربى بجماليات تحوّل إلى لوحات مطلوبة عالميا تباع فى المعارض وصالات المزادات الكبرى بما فيه من حلاوة وروح وجمال وإحساس وانظروا للوحات الخطاطين حامد العويضى وخضر البورسعيدى ومحمد العمرى ومرجان وكُتاب المصحف الشريف بكل هذا الحضور الجمالى والتفرّد والانسيابية فكيف نفرط فى الخط وننساه ولا نعلّم أبناءنا هذا الجمال، كيف نسمح لأبنائنا وبناتنا أن يكتبوا بالفرانكو/أرَب وتتحول الحروف العربية إلى خليط مسخ بين حروف عرجاء وأرقام بلهاء؟ ومن المفرح فتْح رواق الأزهر مجالا لتعليم الخطوط بجانب وجود مدارس خط بالمحافظات تحتاج إلى دعاية وتشجيع وإلى متى الغاء حصة الخط لمدارسنا فالخط مفتاح الرزق. بحثا عن الترند ما هذا الهوس؟ وما هذه الحمى التى انتشرت فى مجتمعاتنا نحو هوس الترند بدلا من أن يحرص الشاب أن يكون مشهورا لأنه اخترع جديدا فى العلوم والصناعة أو أضاف جديدا فى الآداب وفى العلوم الإنسانية إذ به يحرص أن يكون «ترندا« فيما يخالف العقل والنقل، ترى شابا يخطف عروسه ليلة زفافها ويصوُرها وينشرها كالمخطوفة كى يتحول إلى «ترند« وآخر يعذّب ضحاياه ويبث ذلك التعذيب بثا مباشرا حتى الموت كى يكون ترندا، وفتاة تدّعى أنها مخطوفة وتطلب النجدة، وآخر يخطف زميله ويطلب فدية كى يتحول إلى ترند! ما هذا الهوس حتى الجنون؟ هل الشهرة المرجوّة لا تكون إلا فى الشر؟ لماذا لا يخترع الواحد جهازا يُفيد البشر، يكتب إبداعا يرقى بذوق الناس ومشاعرهم؟ يعمل صنيعا طيبا بدلا من هذه الآفات التى كنا لا نصدق حدوثها والآن نراها، هل هم مرضى فلْيتعالجوا؟ أو هم مُدمنو مخدرات فلْيُحجَزوا فى مصحّات تعيد توازنهم النفسى والبدني.. هل عقوبات القوانين غير رادعة وتحتاج إلى تغليظ العقوبات؟ ربما.. لكن المؤكد أن على المجتمع أن يجمع علماء النفس والاجتماع والقانون والطب معا ليصفوا لنا أحوال هؤلاء وكيفية معالجتهم بدلا من تحميل أهلهم والشرطة ردعهم بعد ارتكاب ترنداتهم المريضة والمجنونة والمشوّهة لكن كما يقول شاعرنا الكبير محمد إبراهيم أبوسنة فى قصيدته المدهشة: «الزمان اختلف...« مدرسة سمهود الإعدادية بنين كم أشتاق إلى طابور الصباح بمدرسة قفط الثانوية التى تعلمت فيها على أيدى أساتذتى الذى أدين لهم ما حييت، ولهذا شدّتنى صفحة مدرسة سمهود الإعدادية بنين التى أنشئت 1979 وقد اصطف ألف تلميذ فى طابور الصباح فى منظر مبهج وقد عرفت أن نسبة الغياب بها ضعيفة فالجميع يحرص على الحضور ويديرها الأستاذ خلف توفيق عثمان، وكم فرحتُ بأنشطتها المتميزة التى يشرف عليها جميع معلمى المدرسة ولا سيما الدكتور سيد حشمت أبوفرغل فارس العربية والأستاذ أكرم جعفر وآمل من الدكتور محمد سيد وكيل وزارة التربية والتعليم بقنا أن يخصص لها معلما للتربية الرياضية ومعلما للرسم فما أحوجنا لهذا وذاك ترويضا للنفس وتعميقا للقيم والفضائل والجمال ووسيلة لجذب الطلاب وتحقيق المتعة مع الدراسة؛ ومن يتابع أنشطتها ير إقامة الدورى المدرسى والإذاعة المدرسية والمسابقات الثقافية التى يشرف عليها أخصائى المكتبة ومسابقات أوائل الطلاب ومسابقات الأسئلة الثقافية والدينية ومسابقات الأبحاث العلمية وإقامة ندوات ثقافية بالتنسيق مع قصر ثقافة أبوتشت؛ فتحيةً إلى مديرها وإلى أ. سعاد محمد محمود وكيل شئون العاملين وأ. سيد عبدالرازق أحمد وكيل شئون الطلاب وإلى معلمى اللغة العربية د.سيد حشمت أبوفرغل، محمد عبدالشافى فرج، خليل أحمد إبراهيم، عاطف جبريل محمد، فتحى حسن عبدالنظير، منار عادل، وفاء محمد ياسر، بسمة أحمد أحمد، أمل فاوي، دنيا محيى الدين، عبير أحمد، حفصة محمد، سمرة فوزى وإلى معلمى اللغة الإنجليزية أحمد محمد الصغير، هبة رشاد عبدالعزيز، نجوى عبدالرحيم وعلمى العلوم أكرم جعفر، محمد عبدربه، محمد علي، محمد بركات، حازم عبدالرازق، هند محمد الصغير، هند عبدالهادى وجميع معلميها فما أراه يسعد القلب ويعيد لى ذكرياتى الجميلة عندما كنت طالبا وما أزال متمنيا أن تحذو المدارس حذوها حتى تعود المدرسة أمًّا تنشر العلم والأخلاق. تتمة الكلام «طفل صغيرٌ راحَ يصطاد الصباحَ فلم يجدْ إلا مساءَ الحزنِ فابْتاعَ النجومَ لكى تنيرَ طريقه، ومضى« فى النهايات تتجلى البدايات قال ابن الفارض: وإذا سألتُكَ أن أراك حقيقةً فاسمحْ ولا تجعل جوابى لن ترى