«..وطريقة التفكير مُعدية كنزلات البرد والإنفلونزا وحتى الذكاء يقال إن بعضه معدٍ». السبت: بالأمل معرفتى المتواضعة بدراسة الإنسان سيكولوجيا تؤكد أننا لا نستطيع أن نفكر، أو نشعر، أو نتحمل أية ضغوط دون وجود أمل، وليس سهلا تحقيق أحلامنا دون زرع الأمل فينا، فبه نتجمل، ونتحمل أيامنا، وصعابها، وأحلامنا تُولد الأمل الدافع المحرك للحياة فينا. رغبات، وأمنيات، ومشروعات، نتخيلها حية فى رؤوسنا، ثم نبدأ فى محاولة تحقيقها على أرض الواقع، أهدافٌ مُتباينةٌ سريعةٌ، تأخذ من عمرنا ووقتنا، مثل شراء حاجتنا الضرورية، ثم أهداف قصيرة وطويلة الأمد مثل حلم العمل والزواج والإنجاب وتزويج الأولاد وربما هدف إثراء الحياة وتزويدها بإبداعاتنا الفكرية والعملية والفنية لتجميل وأنسنة الحياة. ونحن لا نملك ترف العيش بلا أملٍ وبلا تفاؤل، ولم يكن خيارًا يومًا أن نعيش ونحيا غير مفعمين بالأمل، والتفاؤل، والاستبشار، والإقبال على الحياة متسلحين برغبةٍ ملحةٍ فى حياةٍ أفضل وغدٍ أكثر رغدًا. ربما الأمل، والتفاؤل لا يخفض أسباب ما نشعر به من ضغوط، لكنه يخفض الشعور بها، وقد يُساعد الإنسان على تجاوز أزمةٍ مؤقتةٍ، لو استسلم لها ربما تُؤدى لآثارٍ صحيةٍ وخيمةٍ، وازدياد الشعور بالضغط، وتثبت دراساتٌ حديثةٌ أن الاسترخاء الفسيولوجي، وخفض التوتر العضلى الذى يحدث عقب الشعور بالأمل والتفاؤل له تأثير تطهيري، يماثل فى أثره تدريبات الاسترخاء العضلي. وعندما نتفاءل تكون الاستجابة الأولية للجسم هى تقلص عضلات الصدر والبطن وزيادة فى ضغط الدم، ويزدادُ معدل النبض ويفرز هرمون الأدرينالين فى مجرى الدم، ثم تحدث فترة من الاسترخاء ينخفض بعدها ضغط الدم والنبض إلى المستويات الطبيعية، وقد تستمر فترة الاسترخاء هذه فى الجهاز الدورى نحو45 دقيقة أو أكثر بعد شعورنا بالأمل والتفاؤل. فالإنسان لا بد أن يناضل مع نفسه ليسترد ذاته، ووعيه، وأمله، وتفاؤله، ويستعيد إنسانيته، أى يدرك أن وجوده له معنى، وبهذا المعنى يسترد نفسه، وروحه، ويحيا سعيدًا معافى، فقدرة الإنسان تتجلى فى انفتاحه على العالم عكس الحيوانات، فهى ليست منفتحة على العالم لأنها مقيدةٌ بالبيئة الخاصة بها وبنوعها البيولوجي. الأربعاء: فكر كثيرا ما أحاول غربلة ما ورثته من آراء وأفكار من مؤسسات المجتمع التى تتولى تربيتنا وتعليمنا بداية من الأسرة حتى المدرسة، والأصدقاء، وأجهزة الإعلام.. وفى رحلة الغربلة هذه لا أدافع عن فكرة لمجرد أننى ابتلعتها صغيرا، أو لقدمها، أو صدرت ممن يعتبره البعض حكيما.. فكل الآراء قابلة للنقاش، والفرز، والتجنيب، جرب أن تخرج من نفسك، وتفكر بعيدًا عما اعتدت على أنه فكرك أنت، فستجد أنك وارثٌ له، وليس أصيلا، ولا من بنات أفكارك.. فكِّر وتمعن، جرِّب أن تلقى نظرة على أفكار الآخرين، خصوصًا أولئك الذين تراهم مختلفين عنك- فكريًّا- كليًّا وستجد العجب. ومع ذلك افترض أنك مكان منْ تستمع لآرائهم ولا تحبها، حاول أن تتقبَّل هذه الآراء التى تكرهها، فكِّر ما الدوافع التى تجعلهم يقتنعون بهذه الفكرة؟ ما الأدلة التى يستخدمونها؟ لربَّما تكتشف أنك على خطأ، المرة القادمة التى تُحاور فيها شخصًا يُخالفك فى الرأي، احرص ألا تتبع أهواءك، أى المطلوب منك أن تجعل مهمتك هى البحث عن الحقيقة، والحقيقة فقط، لا تهتم بالهراء، أو السب، أو التعصُّب المذهبي، وكيف يمكن أن تدمر نفسيتك وتخيب تفكيرك! نصيحة، ولو أنى لستُ ميالًا لإسداء النصح: حاول بقدر الإمكان أن تتواجد دائمًا مع أناس عقلاء وغالبًا ستجدهم من يبتعدون عن أجهزة الإعلام وخاصة الفضائيات وهم من محبى القراءة وطلاب علم ومثقفين، أحِط نفسك بهم، تناقش معهم وتعلم من خبراتهم.. فطريقة التفكير مُعدية كنزلات البرد، والإنفلونزا، وحتى الذكاء يقال إن بعضه معدٍ. الإثنين: باشوات دائما ما يحلو لى القراءة فى تاريخ مصر قبل ثورة يوليو، وما لفت انتباهى لقب «الباشا» الذى تم إلغاؤه بعد ثورة يوليو، فكنت أظن أن لهذا اللقب تاريخا طويلا، كما يتخيل البعض مثلى.. لكن الوقائع التاريخية تذكر أن سنة 1800 كان بمصر باشا واحد فقط هو «طاهر باشا الوالى التركى»، وفى سنة 1805 اختار المصريون باشا جديدا هو «محمد على باشا»، وأعطوه الجنسية المصرية، وطلبوا من الباب العالى العثمانى أن يعينه واليا على مصر، ووافق السلطان صاغرا.. وترك مصر طاهر باشا إلى إسطنبول، وبقى فى مصر باشا واحد نصفه تركى، ونصفه الآخر مصرى وهو محمد على. وقد حكم وتحكم فى تاريخ مصر مجموعة الباشوات فى الفترة من 1805 إلى 1952 أى طوال 150 عاما.. وقد ملكوا كل شىء فى مصر السياسة، والجاه، وصدارة المجتمع، والقصور، والأموال، والضياع حتى جاءت ثورة يوليو وانتزعت منهم كل شىء بداية من السياسية حتى الضياع المترامية، وإلى آخر أيام الخديو اسماعيل كان كل باشوات مصر يصنعون فى إسطنبول، أى يحصلون على اللقب من إسطنبول، أما الباشوات صناعة مصرية محلية فقد بدأ إنتاجهم على يد الخديو إسماعيل، فقد دفع 10 ملايين جنيه للسلطان التركى لأخذ ترخيص إصدار اللقب محليا، وقيل إن الخديو قد ربح من جراء ذلك حوالى مائة مليون جنيه فى ذلك الزمان..! وأصبح الحصول على الباشوية نظير المال تقليدا مألوفا، وسعرها كان معروفا فى أغلب الأحيان وكلنا نتذكر فيلم «الفتوة»، وفى الفيلم تعرفنا كيف استطاع فريد شوفى تاجر الخضار الحصول على لقب الباشوية نظير مبلغ ضخم دفعه للسماسرة وللسرايا.. وأصبح تجار اللقب ووسطاؤها وسماسرتها أشبه بأصحاب التوكيلات..! وحين نستعرض أسماء الباشوات خلال المائة والخمسين عاما تلاحظ ان الباشا لا يخرج من وزارة حتى يتقلد وزارة أخرى،وكأن الوزير لا يصلح أبدا الا إذا كان باشا، وصاحب الرقم القياسى فى تقلد الوزارة هو حسين فخرى باشا الذى تولاها 25 مرة ثم على ماهر باشا 23 مرة وإسماعيل باشا صدقى باشا 19 مرة ومحمود فهمى النقراشى باشا 18 مرة وعثمان محرم باشا 14مرة، ومصطفى النحاس باشا 17 مرة، هذا غير الرياسات والألقاب من صحاب المعالى إلى صاحب الدولة إلى صاحب المقام الرفيع. كلمات: العاقل يجاهد فى طلب الحكمة، أما الجاهل فيظن أنه وجدها. من الصعب أن تتعايش مع أناس يرون أنفسهم دائما على صواب