«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ناييرى هامبيكيان.. عن حلم إحياء منطقة «درب اللبانة» وإعادة المجد للقاهرة التاريخية
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 24 - 10 - 2024

فى عام 2020 اختيرت المعمارية والمرممة ناييرى هامبيكيان كاستشارية مشروع إعادة تأهيل وتطوير منطقة درب اللبانة بحى الخليفة من جانب صندوق التنمية الحضرية التابع لرئاسة مجلس الوزراء.
بدأت عمليات تنفيذ المشروع الفعلية من جانب الهيئة الهندسية فى عام 2023، بعد أن جرى تجهيز المخطط العام وتفاصيل المشروع، واستيفاء كافة الموافقات والتصريحات، ومن المفترض أن تنتهى أعمال المرحلة الأولى من المشروع خلال عامين، حيث سيتم التعامل مع 53 مبنى فى الناحية الجنوبية لدرب اللبانة، ويعقبها العمل على المرحلة الثانية أى الخاصة بالناحية الشمالية من المنطقة «المرحلة الثانية هى الأكبر.
لا يوجد داخلها الكثير من الخرابات مثل الناحية الجنوبية التى نعمل حاليًا على ترميم مبانيها القديمة، واستغلال بعض الأماكن التى خلَّفتها هذه الخرابات وإعادة استغلالها بشكل جيد واستعمالها كوحدات سكنية ل53 أسرة من قاطنى المنطقة الراغبين فى البقاء.
بجانب تنفيذ وحدات سكنية لمستثمرين، وورش للحرفيين مثل المبنى الذى صممه المعمارى وليد عرفة، وفندق محلى لخدمة الوافدين على المنطقة. كما سيتم استخدام بعض الفراغات كساحة للطعام أو أسواق للخضراوات والفاكهة».
دفعت معرفة ناييرى الجيدة بالمنطقة للتقدم بالعمل على المشروع، حيث استفادت من تجربتها فى رسالة الماجستير والتى كانت حول «بيمارستان السلطان المؤيد شيخ والمنطقة المجاورة له بدرب اللبانة».
وقتها قامت بمسح شامل لكافة بيوت منطقة درب اللبانة سنة 1992. فضلًا عن تواصلها المستمر مع شريف عبد المجيد وهو أحد محبى التراث، والذى طلب منها منذ سنوات ترميم البيوت التى يمتلكها فى المنطقة وعددها ثمانية. حيث وضعت مشروعًا للحفاظ عليها.
فى بداية المشروع سنة 2020 قام فريق العمل بإجراء مسح شامل (GIS) حديث للمنطقة ومقارنته بالتغيرات التى حلَّت «ساعدنى ذلك على فهم المنطقة، ومعرفة أسباب تدهورها بهذه السرعة، تفاجأنا مثلًا أن 70% من المبانى التى قمت بتوثيقها فى تسعينيات القرن الماضى لم تعد موجودة حاليًا رغم أن المدة من سنة 1992 وحتى سنة 2020 ليست ببعيدة لكن التدهور كان مُضاعفاً، وهنا بدأت عمليات مسح مجتمعى، ومعمارى، وحضرى.
وبعد أن أجرينا المسح الاجتماعى وجد الصندوق أن المرحلة الأولى من المشروع تضم 98 أسرة بالمنطقة المحددة، وقد ترك لها حرية الاختيار: إما تعويضها بالمال أو توفير البديل لها أو إعطاؤها ثمن إيجار بيت آخر لحين انتهاء المشروع والعودة مرة أخرى للمنطقة، وقد طلبت 53 أسرة الرجوع للمنطقة، وأخذنا ذلك فى الاعتبار ضمن المخطط العام».
هنا تتحدث ناييرى عن مشروعها الطموح فى درب اللبانة، ورحلتها مع الترميم. ونتعرف أيضًا على جذورها الأرمينية، كما تحكى عن ذكرياتها وأصدقائها القدامى والتحولات التى عاشتها داخل مدينة القاهرة.
ولُدت ناييرى داخل حى مصر الجديدة لعائلة أرمينية هاجرت إلى مصر مع نهايات القرن ال19، نتيجة للمذابح التى ارتكبها العثمانيون فى القسطنطينية سنة 1890، فهى مصرية من الجيل الثالث للأرمن، ورغم أنها تحمل هويتين أرمينية ومصرية، إلا أنها تعتبر نفسها مصرية بنسبة 100%، وأرمينية بنفس الدرجة أيضًا.
فى سنوات حياتها الأولى انحصرت طفولتها داخل المجتمع الأرمينى المصرى. التحقت فى المرحلة الابتدائية بمدرسة نوباريان، وفى الإعدادية انتقلت لمدرسة رمسيس كوليدج. تقول: «حين التحقت بمدرسة رمسيس كوليدج شعرت بالغربة.
لم أفهم اللغة العربية التى يتحدث بها زملائى. فى طفولتى كنت أتعرض لكل ما هو أرمينى. نتحدث الأرمينية فى النادى، والمنزل، والمدرسة. حتى ان مُدرِّسة اللغة العربية كانت أرمينية أيضًا.
وهنا قررت الثورة على نفسى، دخلت فى تحدٍ لإجادة اللغة العربية. بدأت قراءتى مع مرور الوقت تتبدل، قرأت لتوفيق الحكيم بناء على اقتراح مُعلمتى وبدأت أتعرض للأدب المصرى.
كنت محظوظة لأننى تعلمتها فى فترة مبكرة من حياتى، وبفضلها استطعت التعرف بعمق على كلا الثقافتين، صرت قادرة على قراءة كتابات المقريزى التى كتبها فى القرن ال15 وكتابات المؤرخين الأرمن التى تعود لنفس الفترة.
لم أشعر أننى غريبة عن كلا الثقافتين، لأننى أعتبر هويتى مزدوجة. وهناك تجانس كبير بين الأرمن والمصريين لذلك لم أجد أى مشكلة فى التعامل مع الأمر».
التعرف على القاهرة
منذ وقت مبكر من حياتها تعلقت ناييرى بالثقافة المصرية. كان لوالدها الفضل الأكبر فى ذلك، وقتها كانت تنتظر يوم الجمعة من كل اسبوع «بفارغ الصبر» إذ يصطحبها برفقة أختها أسبوعيًا لمعهد الكونسرفتوار الذى تتلقى داخله أختها دروس البيانو، وبعده كان يعرج بهما للمتحف المصرى بالتحرير، وجوامع القاهرة القديمة: «هذه المشاهدات لا تزال عالقة فى ذهنى.
كان يصحبنا دائمًا لزيارة مسجد أحمد بن طولون، ومعه كتاب لمعمارى أرمنى يدعى جاروبليان عنوانه «العمارة الإسلامية فى مصر باللغة الأرمينية».
وخلال زيارتنا للمتحف المصرى بالتحرير، كان يصطحب أيضًا كتيبًا باسم «المتحف المصرى بالأرمينى» للارا بوياجيان وهو كتيب يضم وصفًا لمقتنيات القطع الأثرية الموجودة داخل حجرات المتحف.
حين أتذكر هذه المشاهدات أشعر بالفخر لأن الجالية الأرمينية اهتمت بالتعرف على الحضارة المصرية، وخلال سفرياتى المتعددة اقتربت من الجاليات الأرمينية فى سوريا ولبنان وأمريكا وفرنسا، ورغم هذا أجد أن الجالية الأرمينية فى مصر لها طعم مختلف، صحيح أنهم فى أرمينيا يعتبروننا أبناء المهجر الأرمينى، لكننى لا أرى ذلك فأنا أعتبر مصر وطنى الأصلى تمامًا مثل أرمينيا».
رغم أنها ابنة لثقافتين تعايشا سويًا لقرون طويلة، إلا أن ممارسة امرأة لعلم ترميم الآثار فى أواخر ثمانينيات القرن الماضى أمرٌ لم يكن مألوفًا لكثيرين، فهى لم يكن لديها أى نية لدراسة العمارة فى بداية الأمر: «أنا ابنة لعائلة أغلب أبنائها كانوا أدباء وصحفيين ورسامين.
خالى هو الصحفى جون جيراس، وأخوه هو رسام الكاريكاتير الأرمينى الشهير إدمون كيراز والذى انتقل من مصر إلى باريس لمواصلة مشواره الفنى، وقد أردت بدورى أن أصبح رسامة فى مرحلة مبكرة من حياتى، وتلقيت دروسًا بالفعل فى الرسم.
وفى إحدى المرَّات تعلمت المنظور، ونصحنى معلمى بالاتجاه لدراسة العمارة لا الرسم، وأخذت نصيحته بجدية. لكن شغفى بالآثار كان يدفعنى دائمًا للتخصص فى مجال يجمع بين العمارة والآثار. «لفيت» مصر كلها وأدركت تمامًا منذ دراستى فى قسم العمارة بجامعة عين شمس، أن رغبتى هى التعامل مع الآثار. كانت مصر وقتها لا تملك مدرسة فى ترميم الآثار، وكنّا نذهب للخارج لدراسة هذا التخصص».
اكتشاف أرمينيا
عقب تخرجها فى الكلية مباشرة قررت ناييرى الذهاب للمرة الأولى لأرمينيا التى كانت سوفيتية فى تلك الفترة. أرادت الاقتراب من هذه الثقافة والتعرف عليها عن قرب، ففى منزلها كانوا يتحدثون الأرمينية ورغم هذا لم تعرف عن الوطن الذى تتحدث لغته وتعرف تاريخه وفنونه إلا عبر حكايات جدتها ووالدها: «كانت لدىَّ رغبة فى اكتشاف أرمينيا، ورغم أننا أرمن لكن كان من الصعب السماح لنا بالذهاب؛ لذلك قررت أن أخوض التجربة كطالبة دراسات عليا سنة 1981».
درست ناييرى هناك الماجستير فى تاريخ العمارة وترميم الآثار وأيضًا تاريخ العمارة الأرمينية، لكنها لم تنوِ العمل أو العيش هناك بسبب قيود الاتحاد السوفيتى والحصار الذى فُرض عليها: «كان ممنوعًا استعمال ماكينات الطباعة، لذلك كتبت رسالة الماجستير مرتين بخط يدى كى أحتفظ بنسخة منها لنفسى بعد تسليم الأولى للكلية.
لكن بشكل عام أرى أن قرار السفر لأرمينيا والعيش هناك لمدة عامين كان خطوة مهمة جدًا فى حياتى المهنية. لأننى تعرفت على أرمينيا وهويتى الأرمينية ووحشتنى مصر.
رسالتى مثلًا للماجستير والتى حصلت عليها من كلية الهندسة بجامعة يريفان كانت حول «منشآت الأرمن فى مصر»، فبناء على نصيحة أستاذى بدأت عملية البحث فى العلاقات المصرية- الأرمينية خلال الأزمنة المختلفة، ومنها: توثيق الكنائس المملوكة للجالية.
سواء معماريًا، أو تفصيليًا. وكذلك البحث عن معماريى الجالية، وأعمالهم والمنشآت الثقافية، والرياضية، والإدارية المملوكة للجالية. ما زلت أتذكر فقد قدمت لجدتى دفترًا ورقيًا، وقلت لها أريدك أن تكتبى لى أسماء المعماريين الأرمن الذين عملوا فى مصر، وكذلك المنشآت التى صمموها فى حى مصر الجديدة. وبعد ذلك ذهبت لدار المسنين الأرمينية وهناك قدمت دفترًا ورقيًا لكل شخص، وقدموا لى أسماء المعماريين».
دفعت هذه الرسالة ناييرى لتقديم خبرتها بعد سنوات، حيث طبقت رسالتها بشكل عملى على الأرض، إذ قامت برفقة مكتبها بعملية ترميم لكنيسة الأرمن الأرثوذكس «كريكور لوسافوريتش» بشارع رمسيس، وكذلك كنيسة الأرمن الكاثوليك بشارع صبرى أبو علم، بجانب ترميم وتوثيق مدافن مار مينا التاريخية للأرمن الأرثوذكس بمصر القديمة بعد أن كانت مهددة بالسرقة: «رغم تكلفة المشروع العالية إلا أننا كجالية أرمينية أردنا الحفاظ على هذه المقابر كونها ميراثًا وتراثًا للأرمن فى مصر بشكل خاص وتراثًا لمدينة القاهرة بشكل عام».
محاولة فاشلة
بعد عودتها من أرمينيا. اهتمت ناييرى بالعمارة الإسلامية، والمصرية القديمة. كانت لديها رغبة فى تطبيق ما تعلمته فى أرمينيا. لذلك أرادت توثيق الآثار فى مصر عبر الالتحاق بهيئة الآثار المصرية لكن محاولتها لم تنجح فى نهاية الأمر: «كانت لدىَّ أحلام وطموحات كثيرة منها تدريب طلبة العمارة ودمجهم فى الآثار أثناء السنة النهائية من دراستهم من خلال اختيار مبنى معين ووضع تصور لتوثيقه وترميمه.
هذه الأمور لاحظتها خلال فترة تواجدى فى هندسة يريفان. هناك يختار طالب العمارة فى السنة النهائية بين عدة تخصصات من بينها: تخصص ترميم المبانى الأثرية، لذلك أردت نقل التجربة، فكثير من المعماريين لديهم شغف بالآثار لكنهم يحتاجون للتوجيه المناسب لتطبيق أفكارهم بشكل عملى ولكن للأسف لم أنجح فى الأمر داخل مصر، فالوضع داخل هذه المنظومة كان صعباً جدًا، نظرًا لغياب التعاون الحقيقى بين الجامعة والآثار كجهة فى ذلك الوقت».
عقب هذه المحاولة التى تعتبرها «فاشلة» قرَّرت ناييرى البحث عن المعاهد الأجنبية العاملة فى مجال الآثار. ذهبت للمعهد الفرنسى، والإيطالى والألمانى والذى تواصلت من خلاله مع عالمة المصريات الأرمينية هوريج سوروزيان: «كنت من المحظوظات لأننى قابلت علماء فى المعهد الألمانى للآثار سمحوا لى بالعمل معهم داخل كافة المواقع الأثرية التى كانوا يعملون بداخلها.
سواء فى مجالات البحث، أو التنقيب، أو العمارة. والأهم من ذلك بالنسبة إلىَّ أنهم لم يبخلوا علىَّ بالعلم». بالتوازى مع عملها فى المعهد تعرفت ناييرى على جوزيبى فانفونى الذى كان يعمل وقتها على ترميم مبنى «السمع خانة» وتدربت معه لمدة عامين فى أنواع الترميم، والتوثيق المختلفة ومنه ترميم مبنى السمع خانة.
وقد رشحها فانفونى بعدها للسفر إلى روما، وحصلت هناك على دبلومة فى الترميم المعمارى. حدث هذا كله بالتوازى مع عملها فى المعهد الألمانى، حيث تعاملت مع كبار المتخصصين ومنهم: فيلب شبايزر فى مشروع ترميم آثار الجمالية.
تقول: «من أهم التجارب التى مرَّت علىَّ هى معرفتى بعالم الآثار الألمانى راينر شتادلمان، فقد استعان بى لتجهيز كافة رسومات الأهرامات الموجودة فى كتابه عن الأهرامات، كانت التجربة أشبه تمامًا بتحضير رسالة ماجستير عن الأهرامات، فشتادلمان وفَّر لى المجلدات البحثية على كل رسمة مطلوبة منى وكان تقريبًا يمتحننى بصورة مستمرة. تعلمت الكثير منه، وهو شخص له مكانة خاصة فى قلبى. أعتبره بمثابة أبى لأنه ساعدنى كثيرًا وآمن بى دائمًا، وكان الداعم الأول لى؛ لذلك أنا محظوظة لأننى قابلته فى حياتى. وبالمناسبة هو من شجعنى على إعداد رسالة الماجستير الثانية».
البحث عن المهن اليدوية
رغم معرفتها بعلم المصريات من خلال فرص العمل التى أتُيحت لها بفضل شتادلمان إلا أنها اختارت أن تكون دراستها الأكاديمية عن الآثار الإسلامية، وبالتالى حصلت فى عام 1992 على ماجستير من قسم الفنون والعمارة الإسلامية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة والتى كانت حول «بيمارستان السلطان المؤيد شيخ والمنطقة المجاورة له بدرب اللبانة».
أشرف على رسالتها جورج سكانلون، وبرنارد أوكين. كما بدأت الاشتراك فى عمليات ترميم داخل منطقة الجمالية بالقاهرة كمشروع حفظ وترميم ضريح الصالح نجم الدين أيوب، ومشروع حفظ وترميم مئذنة مدرسة الصالحية.
تعلق: «أحببت بشكل خاص الفنون والمهن اليدوية، ذهبت لورش حرفية فى مختلف أنحاء العالم. إحداها كان فى مدينة أخن فى ألمانيا حيث خصصوا ورشة عن النجارة، ومرة أخرى ذهبت لورشة فى مدينة ماينز حول ترميم المعادن، ومرة ثالثة فى مدينة بوخوم حيث خصصوا ورشة عن التوثيق (تضحك): «فى إحدى المرَّات سألنى شتادلمان وقال لى إنتِ ناوية تفتحى ورشة يا ناييرى؟ قلتله لأ، فقال لى إذن اذهبى وجيبى دكتوراة»، وبالفعل أخذت بنصيحته، لكن بشكل عام أرى أن الورش التى تعلمت فيها من الصنايعية والعمال المهرة أعطتنى خبرة تساوى ما تعلمته من خلال دراساتى فى الماجستير والدكتوراة».
وبناء على نصيحة شتادلمان ذهبت ناييرى لمدة عامين للولايات المتحدة فى سنة 1995 لدراسة الدكتوراة فى علم الآثار فى جامعة كاليفورينا UCLA وجاءت بعنوان: «الصالحية عبر الزمن».
بعد حصولها على الدكتوراه عُهد لهامبيكيان بمشروع ترميم باب زويلة، والذى استمر لمدة أربعة أعوام. فتح المشروع لها الباب للعمل على الكثير من مشاريع الترميم المهمة داخل مدينة القاهرة مثل: مشروع ترميم السفارة الأرمينية بالقاهرة، ومشروع تطوير منطقة باب العزب بالقلعة، وترميم الزجاج المعشق بالكنيسة الإنجيلية، وأيضًا ترميم وحفظ سبيل حسن أغا آرزينكان، وغيرها من المشاريع.
تراكم المدينة التاريخى
مع تراكم خبرتها فى مجال ترميم الآثار ومع الفهم العميق للأمور ترفض ناييرى فكرة إرجاع المبنى الأثرى لشكله الأصلى؛ أى عصر الإنشاء. فهى تتعامل مع المبانى الأثرية ككائن حى، وتدرك أن هذا الكائن لا بد من احترامه، واحترام التغييرات التاريخية المختلفة التى تطرأ عليه من وقت لآخر، لذلك لا تسيطر عليها فكرة استرجاع الطبقة، الأجمل، أو الأقدم من الأثر: «هناك مدارس كثيرة فى الترميم، لكن فكرة إرجاع الشىء لأصله، تعنى مثلاً إزالة المآذن الموجودة على باب زويلة بشكل كامل لأنها تمت إضافتها فى العصر المملوكى على البرجين المبنيين فى العصر الفاطمى، وليس منطقيًا إرجاع الشىء لأصله كما كان فى عصر الإنشاء إذ لا بد من حفظ التراكم التاريخى الذى خلقته المدينة. المدرسة السوفيتية التى تعلمت فيها الترميم تميل مثلًا لفكرة الاستكمال وإعادة البناء خصوصًا إذا كان الأثر ينقصه شىء يستدعى الاستكمال، وهذا ما حدث مثلًا فى معبد جارنى فى أرمينيا والمدرج على لائحة التراث العالمى لليونسكو، فحجارته كانت ملقاة على الأرض بشكل عشوائى قبل أن يعاد بناؤه مرة أخرى. وهناك مدرسة أخرى تفضل ترك الشىء على ما هو عليه، ومدرسة أخرى تجمع بين الاثنين.
فالاستكمال تحكمه شروط محددة وصارمة، لكن بشكلٍ شخصى ومع تراكم خبرتى العملية أرى أنه يمكن استخدام الطرق الثلاثة معًا حسب طبيعة الأثر. مثلًا فى مشروع ترميم باب زويلة تركنا بعض العلامات والإشارات التى سترشد الزائر للتراكم التاريخى الذى حلَّ بالأثر طوال تاريخه.
هناك علامات مثلًا يمكن من خلالها معرفة أن هذه الجزئية تعود لعصر الإنشاء؛ أى الطبقة الفاطمية، وعلامات أخرى سترشده أن هذه الجزئية تعود لعصر السلطان المؤيد شيخ فى القرن ال15 وهكذا.
لذلك لا بد للمرمم أن يكون على علمٍ بكل تفاصيل هذه الأمور، والمرمم الشاطر هو القادر على إبراز الطبقات التاريخية داخل المبنى، والمحافظة عليها، مع إعطاء أولوية الظهور لجميع الطبقات المكُتشفة أثناء مشروع الحفظ، وليس من حقه أصلًا اختيار طبقة تاريخية دون غيرها.
عليه فقط أن يزيل أى تشوهات قد تحدث على المبنى مع إيجاد الوسائل المناسبة والبسيطة لتوجيه نظر الزائرين، والتى هى بمثابة السيرة الذاتية للأثر».
الأصل والمزيف
وتعتبر ناييرى أن ما قامت به لجنة حفظ الآثار العربية (أنشئت اللجنة بأمر من الخديو توفيق سنة 1881 بهدف الحفاظ على الآثار الإسلامية فى مصر) من انتقائية فى الترميم وإرجاع شكل الأثر لحقبة تاريخية بعينها وتجاهل ما حلَّ عليه بعد ذلك من تغييراتٍ أمر يمكن تقبله وفقًا لمعطيات وظروف عصرها، إذ ترى أن اللجنة نجحت فى إنقاذ آثار القاهرة.
تقول: «لو لم تتبنِ اللجنة فكرة إعادة بناء المبانى الأثرية لما كنا نملك اليوم هذا الكم الهائل من الآثار الإسلامية داخل القاهرة والآثار المتبقية كانت ستتآكل إثر تراكمات المدينة عليها. لكن الآن لا أقبل إعادة إنتاج أفكار اللجنة وتطبيقها فى العصر الحالى، لأننا ملتزمون بعنصر الأصالة الذى وضعته القوانين الدولية كعنصر أساسى للمبانى التاريخية.
فأصالة المبنى أصبحت جزءًا أساسيًا وما دون ذلك يعنى أننا أمام مبنى مزيف، ولكن يمكننا إعادة بناء بعض الأجزاء المُهدمة بهدف استكماله، ولا بد أن يكون الأمر واضحًا للزائر؛ أى يعرف أن هذا الجزء مُستحدث وليس أصيلًا.
لكن بشكل عام فمبدأ إرجاع المبنى لأصله فكرة باتت مرفوضة، ولجنة حفظ الآثار حين قررت إزالة المبانى المبنية من الطوب على باب زويلة كان ذلك لإرجاع باب زويلة لطبقته الفاطمية وإزالة ما قُيل عنها أنها «تعديات» (تم توثيق هذه المبانى قبل إزالتها)، ولكن بالبحث فى وقفية المؤيد شيخ اتضح لنَّا أن ما تم إزالته هى طِباق مشايخ جامع المؤيد شيخ وكانت واجهتها مُميزة جدًا ومكونة من ثلاثة أدوار وهنا السؤال: هل نقوم بإعادة بناء هذه المبانى بناء على التوثيق الذى أجرته اللجنة قبل عمليات الإزالة؟ أنا لست مع إعادة بنائها مرة أخرى، ولذا قمنا برسم المسقط الأفقى على الأرضية لتذكير الزوار بالطبقة التاريخية المندثرة دون اللجوء لإعادتها مرة أخرى.
وبحكم عملى على الأرض أصبحت أحكم على ما حدث فى الماضى بنوع من اللين، ولكن هناك أمور مرفوضة تمامًا فى الترميم كوضع كانات حديد وأسمنت بين الحجارة الأثرية، وهذه أمور قامت بها اللجنة، وتسببت فى كوارث لبعض الآثار.
فاللجنة استخدمت هذه المواد مثل الأسمنت والخرسانة المسلحة كنوع من مواكبة الحداثة إذ كانت اختراعًا جديدًا وقتها، لكنها لم تكن تعرف خطورتها على الآثار، لذلك نصحح الآن بعض هذه الأمور عند ترميم المبانى الأثرية.
لجنة حفظ الآثار العربية
عادة لا تحب هامبيكيان انتقاد ما قامت به لجنة حفظ الآثار العربية لكنها فى المقابل ترى أن اللجنة قامت ببعض الأمور التى تصفها بأنها كارثية. تقول: «عندما أعادت اللجنة استخراج الآثار من داخل المدينة بعد أن تم تدميرها، قامت بإنقاذ بقايا المبانى الأثرية واستكملت حدودها، وهى نقطة إيجابية. لكن المشكلة أنه أثناء عملية الاستخراج خلقت اللجنة نوعاً من العداوة بين الآثار، والسكان المحليين حولها.
فالمخصصات المالية للجنة، كانت تُصرف على أعمال الترميم، والتفتيش عن الآثار، والتعويض؛ أى إخراج الملاك من حيز الأثر. فإخراج الناس ودفعهم بعيدًا خلق مشكلاتٍ. وهى مشكلة قائمة حتى الآن.
لأن السكان المحليين عادة يتم إبعادهم عن حيز الأثر ودفعهم للعيش بعيدًا عنه، لذلك صعَّبت اللجنة فرص التوعية الأثرية بالنسبة للسكان المحليين. الأمر الثانى أن اللجنة قامت بتوحيد شكل بعض المآذن التى لم يكن من المُفترض توحيدها أبدًا، فمثلًا عندما استكملت المآذن الناقصة فى بعض المنشآت قامت بإرجاعها لعصر الإنشاء. وطابقتها مع مآذن أخرى تعود لنفس الفترة.
ورغم أنه من المُؤكد أن المبانى الأصلية لم تكن أبدًا شبيهة. لكن عذر اللجنة أنها أعادت بناء مبانٍ قديمة لم تعرف شكلها الأصلى بسبب عدم توافر توثيق لها بأى شكلٍ كان.
وقد وقع الآغاخان فى نفس المشكلة منذ سنوات قليلة. ونتيجة للأمر أصبح عندنا مآذن تشبه بعضها البعض. لكن فى النهاية فمن أهم إيجابيات اللجنة أنها أحيت عناصر العمارة الإسلامية مرة أخرى من خلال الرسم، والتوثيق، وبفضلها أصبح عندنا كتالوج للعناصر المعمارية الإسلامية بشكلٍ منظم. لذلك نحن مدينون لأعضاء لجنة حفظ الآثار العربية».
أزمات متعددة
وترى ناييرى أن منظومة الآثار والترميم يعيشان أزمة الآن، وأنهما يحتاجان لجهدٍ كبير لتجاوز الأمر. تعلق: «عندنا مشكلات كبيرة، فالترميم «مهنة» لكن المشكلة أن أغلب خريجى أقسام الترميم حاليًا يحصلون على شهادت جامعية دون أن يلمسوا «حيطة» واحدة؛ لذلك لا بد أن يكون المتخصصون فى الترميم من خريجى دبلوم الصنايع لأن الترميم فى الأصل صنعة وعمل يدوى، أما بالنسبة لمشاكل خريجى الآثار فتتلخص فى عدم معرفتهم باللغات الأجنبية، وهذه ليست دعوة بهدف «خوجنة» بل دعوة لتخطى حاجز اللغة، فعلم الآثار فى مصر للأسف الشديد تكوَّن على يد الأجانب، وكذلك تكونت المعرفة فى علم المصريات، وعلوم والفنون الإسلامية أيضًا من خلال اللغات الأجنبية، وخصوصًا الإنجليزية، والألمانية، والفرنسية.
فنحن الآن على مشارف «تمصير» تلك العلوم ولكن يجب علينا الاطلاع على ما وصل إليه السابقون، فهؤلاء سبقونا بنحو مائة عام؛ لذلك من الضرورى قراءة ما كتبوه، ثم اللحاق بهم باللغة العربية؛ لذلك أدعو أيضًا لخلق حركة ترجمة عاجلة إلى اللغة العربية، لهذه المراجع الأساسية، لأنه سوف يساهم فى جودة عملية التمصير».
مشروع درب اللبانة
بعد الانتهاء من إجراء التعرف على المبانى الموجودة داخل منطقة درب اللبانة، والتعرف على رغبات السكان المحليين، بدأت ناييرى برفقة فريقها بعمل المخطط العام للمشروع، وفقًا للاشتراطات الموجودة فى كتيب الجهاز القومى للتنسيق الحضارى: «هذا الكتيب بمثابة تمصير لاشتراطات اليونسكو الخاصة بالحفظ الحضرى فى المدن التاريخية.
وأرى أن هذه الاشتراطات قادرة على المحافظة على الطابع المعمارى المُميز للمنطقة، فضلًا عن المحافظة على حدود الشوارع القديمة»، عندما بدأت ناييرى العمل بشكل فعلى على المشروع أرادت كعادتها إشراك شباب المعماريين فى المشروع، فهى تعتبر أن دعم الشباب جزء من واجبها تجاههم: «أنا لست سياسية فى التعامل مع الأمور وأؤمن أن البساطة هى طريق الوصول لقلوب الناس، وأؤمن أيضًا بالشباب وبقدرتهم على الإبداع إذا سمحت لهم الفرصة».
حديقة المحمودية
سمح المشروع لناييرى بالتعامل مع فراغ عام ظلت تحتفظ به القاهرة لقرون طويلة وهو الخاص بحديقة المحمودية. لم تتعامل مع الحديقة بمبدأ المرممة، لكن المشروع ترك لها حرية إعادة تشكيل فراغ عام وفقًا لرؤية تتناسب مع المنطقة التاريخية، فقد اختارت المصمم المعمارى أحمد سعفان لتنفيذ المشروع لإيمانها بقدرته.
أرادت من خلال المشروع إعطاء صورة بانورامية عن القاهرة التاريخية ليتمكن الزائر من معرفة قصة بناء القاهرة التاريخية بدءًا بموقع القلعة المطل على الحديقة ثم مدرسة وقبة السلطان حسن، ثم قانى باى الرماح، ثم مسجد المحمودية ثم باب العزب.
أراد كلٌ من سعفان وناييرى تعريف الزائر بالحكايات التاريخية عن الأمراء والسلاطين الذين بنوا هذه المبانى الأثرية عبرَّ التاريخ: «مشروع الحديقة لم ننتِه منه وليس منطقيًا أصلًا أن تظل بهذا الشكل الخرسانى أصلًا، والمُفترض تشجيرها، وزراعتها بالكامل خلال الفترة المقبلة، لكننا سمحنا للناس بدخولها لأنها أصبحت فراغًا عامًا، وبالمناسبة أعتبر أن إنجازى فى المشروع هو إصرارى على رفض أى مقترح لتسوير الحديقة، وقد نجحت فى هذا بالفعل.
أما بالنسبة لقرار منع زراعتها فقد اتخذته لأنه من المهم أن أعرف الجهة التى ستتسلمها كى نتمكن من تعريفها بطرق الرى المناسبة، والتعامل مع كل شجرة على حدة، فهناك رعاة يريدونها حاليًا، والتصميم الأول للحديقة لم يضع المصمم فيه أكشاكًا تجارية، لكن أحد الرعاة طلب عمل أكشاك بسيطة لخدمة المنطقة، لذلك تم الموافقة على عمل أكشاك بسيطة لكن بشرط بيع الأكلات الشعبية، مثل الفول والطعمية، بهدف خدمة سكان المنطقة فى المقام الأول وأيضًا السياح، مع ضرورة أن يناسب سعر الأكل سكان المنطقة، أما بخصوص الانحدارات الموجودة فى الحديقة فقد راعينا الأمر من خلال تخصيص ممراتٍ لكبار السن».
محاولات
ترفض ناييرى فكرة تنفيذ مشاريع 7 نجوم داخل المنطقة التاريخية، لكنها على حد تعبيرها تحاول حتى الآن الحفاظ على طابعها المميز. تقول: «لا أعرف هل سأنجح فى النهاية أم لا لكننى كما ذكرت أحاول رفض تحويل المنطقة بالكامل لمقصدٍ سياحى على حساب السكان المحليين. وهذا أمر من الضرورى أن ينتبه إليه المسئولون لأن السياحة المحلية قادرة على جذب السياح الأجانب فيما بعد.
وليس شرطًا أن نصمم فنادق 7 نجوم بل يجب أن تكون المناطق التراثية قادرة على جذب السكان المحليين، فضلًا عن مراعاة ظروف سكان المنطقة. منذ فترة مثلًا وقبل انتهائى من ترميم أحد البيوت جاءتنى سيدة وأبلغتنى أن ابنها من ذوى الهمم، وأنه لن يستطيع المرور عبر بوابة البيت بسبب عدم تخصيص طريق له يسمح بمرور الكرسى المتحرك، لذلك قمنا فورًا بتعديل التصميم بشكل مناسب عن طريق عمل مسار خاص للولد يمكِّنه من الدخول للمنزل بشكل طبيعى».
وتعتبر هامبيكيان أن تحديات المشروع كبيرة جدًا: «كل دقيقة هناك تحدٍ ما، أحاول التصدى لأى محاولة قد تنتج عنها عمليات تجديد حضرى غير موزون أو مدروس، وبالمناسبة حتى الآن لا أعرف مدى نجاحنا فى تحقيق الأمر، فالتحدى الأكبر سيكون عند الانتهاء من المشروع، فعادة ما يسعى أصحاب الأموال لتوجيه رءوس أموالهم لمثل هذه المناطق إذا تغير وضعها للأحسن وهو أمر يفرحنى ويخيفنى فى نفس اللحظة.
أحيانًا يحدث هجوم على الأماكن وتُفرض استخدامات بعينها. مثل ما حدث مع ميدان الجامع بمنطقة مصر الجديدة، حيث كان فى الماضى عبارة عن أسواقٍ تجارية لبيع الخضراوات، والفاكهة، والأدوات المنزلية لكن بمرور الوقت تحولت المنطقة وأصبحت مختصة فى بيع المشغولات الذهبية، لذلك لا أتمنى أن يتكرر السيناريو ذاته فى درب اللبانة.
أو أن يتحول المشروع فى النهاية لمكان لتدخين الشيشة بداخله كما حدث فى شارع المعز.. لا أريد أن يتكرر الموقف بأى شكلٍ من الأشكال. لكننى أؤمن أن مثل هذه الأمور يمكن تفاديها بطريقة ما. فإدارة المشروع بعيدة تمامًا عن اختصاصى، لكننى وضعت ذلك فى اعتبار المسئولين».
تحديات
وترى ناييرى أن إدارة الموقع وضمان استمراريته أحد التحديات الكبيرة، إذ لم تجد حلًا حتى الآن لهذه الإشكالية، لكنها ترى أن إدارة الموقع يجب أن تتم من خلال السكان المحليين والمستثمرين معاً: «هم وحدهم مَن يعرفون الطريقة الصحيحة لإدارة الحى فهناك تفكير لإنشاء كيانٍ ما لإدارة الموقع، وهذا الكيان لا بد أن يديره مجموعة من الناس على معرفة بعنصر الأصالة التى يمتلكها الموقع، وهذا الكيان سيكون أشبه باتحاد الملاك ومن ضمن مهامه أيضًا النظر فى متطلبات الحى ككيان مجتمعى واحد، هذه الأمور سيتم طرحها عندما يعود السكان مرة أخرى».
أزمة مبنى درب اللبانة
مؤخرًا جرى نقاش حاد بين المتخصصين على وسائل التواصل الاجتماعى عندما تفاجأوا بمبنى جديد مُستحدث فى درب اللبانة بالقرب من بيت على لبيب (بيت المعمار حاليًا) وبرَّر البعض ذلك بأن المبنى المستحدث (تصميم المهندس وليد عرفة) سوف يطمس ببروزه المشهد الأجمل للدرب. الواقعة الأخيرة سرعان ما هدأت بعد يومين من اشتعالها أى عندما كتب المهندس الاستشارى طارق المرى على صفحته على الفيسبوك منشورًا قال من خلاله: إنه لم يشارك فى مشروع درب اللبانة مع ناييرى لكنه قرر تفقد الموقع لمعرفة حقيقة ما يحدث.
وبرأ من خلاله وليد وناييرى من احتمالية ارتكاب أى تعدٍ على المنطقة التاريخية. على الجانب الآخر استقبلت ناييرى هذه الردود واكتفت بالصمت طوال هذه المدة.
تقول: «تعلمت الدرس هو أننى لا بد أن أبتعد عن الفيسبوك لأنه أصبح ساحة لخسارة الأصدقاء القدامى خصوصًا أصحاب الكار الذين كنت أظن أنهم يعرفوننى جيدًا».
أرادت ناييرى - على حد وصفها - فى مشروع درب اللبانة الالتزام بالحدود التاريخية الموجودة على الخرائط القديمة: «عندما تعاملت مع الفراغ الموجود ناحية بيت المعمار، والذى صممه وليد عرفة أردنا الالتزام بالحد الأصلى للمنزل وفقًا لخريطة هيئة المساحة المصرية والتى صدرت فى أربعينيات القرن الماضى. فعرض الدرب من ناحية بيت على لبيب كان 4.7 متر، وحين بدأ وليد تصميم المبنى تعامل بنفس القياسات.
لكن فى النهاية اضطررنا لأن نوسع الشارع ولم نضيقه كما قيل، وسعناه وصار عرضه 6.1 متر وبالمناسبة دخلت فى نقاشاتٍ طويلة مع وليد لأنه كان يريد الالتزام بالحد القديم. لكننا تراجعنا عن هذه الفكرة لأننا وقت التنفيذ الفعلى وجدنا معضلات كبيرة منها: أن موظفى المرافق العامة استخدموا هذا المكان -الذى أصبح بمرور الوقت فراغًا بعد أن هُدم المنزل القديم- لذلك بدأوا استغلال هذا الجزء وساووه بالأسفلت؛ أى تعاملوا معه وكأنه أصبح جزءًا من الشارع.
وفى النهاية تم مد شبكات للكهرباء داخل حدود الموقع؛ لذلك كان الحل الأمثل هو الرجوع قليلًا عن عرض الشارع الأصلى نظرًا للتكلفة المالية الكبيرة التى سنتكبدها إذا ما أردنا تعديل الوضع الحالى.
لذلك من هاجمونى على تضييق الشارع كانوا يجهلون أصلًا أننا بذلك لم نلتزم بالحد الأصلى فقد كان من المُفترض أن يضيق الشارع أكثر، وبالمناسبة عندما طلبت من المعمارى وليد عرفة تصميم مبنى درب اللبانة لم أكن أعرفه شخصيًا.
كل ما كنت أعرفه عنه هو تصميمه العبقرى لمسجد باصونة بسوهاج. لكننى فى النهاية كسبت صديقاً حقيقياً، والمبنى الذى صممه راضية عنه تمامًا. ووليد شخص ذكى له فلسفته الخاصة وهى مبنية على إيمانه العميق بمبادئ تاريخ العمارة المصرية عبر التاريخ.
فصل جديد من حياة ناييرى
تعتبر ناييرى أن مشروع درب اللبانة هو الأخير فى مسيرتها العملية. تقول: «تعبت يا ابنى، عندى 67 عامًا، صحيح أننى أملك طاقة كبيرة، لكننى أريد توظيفها بشكل آخر.
سأتفرغ للكتابة بشكل كامل. أريد أن أكتب عن رحلتى وعن المشاريع التى نفذتها، لأننى أريد مساعدة الأجيال القادمة العاملة فى القاهرة التاريخية. أريدهم أن يكملوا من حيث انتهينا نحن، ثم إن هذا التفرغ سيمنحنى المزيد من الوقت لزيارة أرمينيا واستكمال البحث عن الروابط التاريخية التى تجمع بين مصر وأرمينيا».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.