هناك أقلية محدودة جدًا من الأمريكيين هى التى تتحكم فى اختيار الرئيس الأمريكى، وليس أغلبية الناخبين الأمريكيين. لأن آخر وأحدث استطلاعات للرأى فى أمريكا كشفت تعادل هاريس وترامب فى الولايات التى تعرف بالمتأرجحة، ركز كلاهما جل الجهد الانتخابى على هذه الولايات التى يبلغ عددها سبع ولايات من بين 50 ولاية ومقاطعة، هى ولايات أريزونا، ووجورجيا، وميتشجان، ونيفادا، وبنسلفانيا، وويسكىنس وكارولينا الشمالية.. فهذه الولايات السبع هى التى ستحدد من هو ساكن البيت الأبيض الجديد فى بداية العام المقبل ولأربع سنوات مقبلة، وهو حال الانتخابات الأمريكية السابقة.. حيث هناك نحو 36 ولاية يتقاسمها كل من الحزبين الجمهورى والديمقراطى، سبع ولايات يتبادلان الفوز بها منذ بداية القرن الحالى، بينما تتبقى سبع ولايات تعرف بالولايات المتأرجحة، أى التى لا يحسم الناخبون فيها أمرهم ولمن يصوتون إلا فى الأيام وربما الساعات الأخيرة قبل الإدلاء بأصواتهم !.. وعادة المرشح الذى يفوز فى هذه الولايات يكون بتفوقه على منافسه ببضعة آلاف فقط من أصوات الناخبين الأمريكيين مثلما أهدى هؤلاء الفوز لبايدن فى الانتخابات الأمريكية السابقة، ولعل ذلك كان سببا لما اعترى ترامب من غضب جعله يرفض الاعتراف بهذا الفوز ويطعن فيه بالتزوير!. والمتأمل لهذا الوضع مليًا وبعمق يتبين أن من يتحكم فى اختيار رئيس أكبر دولة فى العالم هم بضعة آلاف من الناخبين ينتمون لسبع ولايات أمريكية فقط من بين خمسين ولاية تضمها الولاياتالمتحدة، وذلك من بين 240 مليون ناخب لهم حق التصويت فى الانتخابات المقبلة. أى أن هناك أقلية محدودة جدًا من الأمريكيين هى التى تتحكم فى اختيار الرئيس الأمريكى، وليس أغلبية الناخبين الأمريكيين الذين تتوزع أصواتهم بشكل معتاد وتلقائى بين مرشح الحزب الديمقراطى ومرشح الحزب الجمهورى.. ولذلك يمكننا أن نقول إن هذا هو جوهر الديمقراطية الأمريكية.. أنها ديمقراطية الأقلية وليست الأغلبية التى قامت عليها أقدم ديمقراطية سياسية فى العالم وهى ديمقراطية آثينا، وإن كان يعيبها أنها حرمت النساء والعبيد من حقوق المواطنة!.. فليست الأغلبية فعلًا هى التى تقرر من يصير رئيسًا للولايات المتحدة، وإنما أقلية ضئيلة جدًا تعيش فى عدد محدود من الولايات غير الكبيرة.. وحتى هذه الأقلية لا تمثل غالبية سكان تلك الولايات المتأرجحة وإنما عدة آلاف فقط من هؤلاء السكان الذين يظلون ربما حتى وصولهم إلى مقر التصويت لم يحددوا من يقع عليه اختيارهم ليتولى رئاسة الولاياتالمتحدة!. ومن أجل استمالة هؤلاء الذين يمثلون أقلية يتبارى مرشحا الحزبين المتنافسين، الديمقراطى والجمهورى، لكسب أصواتهم ليدلفوا إلى داخل البيت الأبيض.. فها هو ترامب يحاول اجتذابهم بوعود لتحسين أوضاع الاقتصاد الأمريكى، وبالتالى تحسين مستوى معيشتهم، وحمايتهم من المهاجرين الذين يتقاسمون معهم ثروات بلادهم.. وها هى هاريس تركز على اجتذاب أصوات النساء منهم وإخافتهم من أن ترامب يرفض الإجهاض، وأصوات العرب والمسلمين الذين تؤرقهم حرب الإبادةَ التى يشنها الإسرائيليون ضد أهل غزة وأهل لبنان، وذلك بإعلان أن الوقت قد حان لوقف تلك الحرب والشروع فى تنفيذ حل الدولتين. وحتى الآن كما تشير استطلاعات الرأى الأخيرة لم ترجح كفة أى من المرشحين.. فإن التعادل هو الغالب بينهما فى الولايات المتأرجحة، أما بعض التقدم الذى أحرزته هاريس فى استطلاع أخير فهو تقدم مازال محصورًا فى حدود هامش الخطأ فى هذه الاستطلاعات، وذات الأمر حدث فى استطلاع للرأى بين الأمريكيين من أصول عربية أحرز فيه ترامب بعض التقدم... وهذا يجعل هاريس وترامب يبذلان كل الجهد انتخابيًا فى تلك الولايات المتأرجحة والمترددة من أجل استمالة تلك الأقلية أو بالأصح النسبة الغالبة منها وكسب أصواتها حتى تنفتح أبواب البيت الأبيض أمامهما. أما سيطرة الأقلية على اختيار رئيس أمريكا فهى ما برحت قائمة بلا تغيير لتمكين الأغلبية من ذلك كما تقضى الديمقراطية الحقة.. والمثير أن ذلك يحدث فى وقت انتفض فيه أمريكيون لتحذير روسيا وإيران من التدخل فى الانتخابات الأمريكية.. وكان الأولى إصلاح نظام الانتخابات فى أمريكا وإنهاء سيطرة أقلية فى عدد محدود من الولايات عليه كما هو الحال حاليًا.