منذ لحظات التاريخ الأولى، كانت ولا زالت أرض مصر موطنًا للحضارة الإنسانية، حيث ضمت جدرانا نقش عليها بأحرف من نور ما قدمه الأجداد للعالم، وحتى يومنا هذا حمل الأحفاد هذه الرسالة التي تضيف صرح جديد يعبر عن عظمة هذه الحضارة، لتقدم مصر هديتها الخالدة، المتحف المصري الكبير الذي سيكون أكبر متاحف العالم، ويعد أضخم مشروع حضاري وثقافي عالمي تم تنفيذه في الوقت الراهن، فالفكرة كانت تصميم متحف ومركز ثقافي ليكون بمثابة بوابة عبر الزمن لتتلاقى حضارة 5000 عام مع الحضارة الحديثة، وتم بناء المتحف المصري الكبير في موقع متميز على الهضبة الواقعة بين الأهرامات والقاهرة الحديثة، مما يتيح الفرصة للزائرين التمتع بسحر أهرامات الجيزة الثلاث من خلال الواجهة الزجاجية المبهرة ببهو مدخل المتحف، كما سيضم المتحف نحو 100 ألف قطعة أثرية يعرض العديد منها للعالم لأول مرة.. ليتحول المتحف المصري الكبير لمجمع ثقافي وسياحي وترفيهي وعلمي، فأنظار الباحثين الأثريين من كل أنحاء الأرض باتت تتجه له، لأنه يضم مخازن ومركز لصيانة وترميم الآثار هي الأحدث من نوعها، بالإضافة إلى أنه سيضم مساحات واسعة تشمل عدد من الفرص الاستثمارية الواعدة والمتمثلة في مركز للمؤتمرات، وسينما حديثة، وعدد من المحال التجارية، والمطاعم والساحات المكشوفة التي تصلح لإقامة الفعاليات الثقافية والترفيهية على خلفية بانوراما الأهرامات، ومع انطلاق التشغيل التجريبي لجزء جديد من المتحف قبل الافتتاح النهائي، حضر العديد من السياح الذين يستمتعون حاليا بأجواء مصر، واعتبروا زيارة المتحف المصري الكبير في الافتتاح التجريبي فرصة من ذهب للتعرف على هذا الصرح الفريد.. فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير بدأت في تسعينيات القرن الماضي، وفي عام 2002 تم وضع حجر الأساس لمشروع المتحف ليتم تشييده في موقع متميز يطل على أهرامات الجيزة، حيث أعلنت الدولة المصرية، وتحت رعاية منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) والاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين، عن مسابقة معمارية دولية لأفضل تصميم للمتحف، وقد فاز التصميم الحالي الذي قدمته شركة هينغهانبنغ للمهندسين المعماريين بأيرلنداHeneghan Peng Architects، والذي اعتمد تصميمه على أن تُمثل أشعة الشمس الممتدة من قمم الأهرامات الثلاثة عند التقائها كتلة مخروطية هي المتحف المصري الكبير. وبدأ البناء في مشروع المتحف في مايو 2005، حيث تم تمهيد الموقع وتجهيزه، وفي عام 2006، أُنشئ أكبر مركز لترميم الآثار بالشرق الأوسط، والذي خصص لترميم وحفظ وصيانة وتأهيل القطع الأثرية المُقرر عرضها بقاعات المتحف، والذي تم افتتاحه خلال عام 2010. اقرأ أيضا: المتحف المصري الكبير.. مدير عام ترميم الآثار يكشف تفاصيل الافتتاح التجريبي| حوار لكن توقف المشروع طويلاً بسبب الأحداث التي طالت مصر منذ 2011 وحتى 2013، ليعود الأمل من جديد مع ثورة 30 يونيو، ويتولى قيادة مصر الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي كانت له رؤية واضحة، وهي التأكيد على الهوية المصرية، و وضع كافة جهود الدولة لاستثمارها في مشروعات قومية تخدم هذا الهدف الذي كانت هناك محاولة لتهديمه، ليأتي عام 2016 ويعود مشروع المتحف المصري الكبير للحياة من جديد، ويصدر قرار رئيس مجلس الوزراء بإنشاء وتنظيم هيئة المتحف، قبل أن يصدر القانون رقم 9 لسنة 2020 بإعادة تنظيم هيئة المتحف كهيئة عامة اقتصادية تتبع الوزير المختص بشئون الآثار، ليصدر رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي قراراً بتشكيل مجلس أمناء هيئة المتحف المصري الكبير برئاسته، وعضوية عدد من الشخصيات البارزة والخبراء الدوليين والمصريين، ويختص المجلس بإقرار السياسة العامة والخطط اللازمة لهيئة المتحف، ودعم ومتابعة نشاطه. وقد اكتمل تشييد مبنى المتحف، والذي تبلغ مساحته أكثر من 300 ألف متر مربع، خلال عام 2021، ليتضمن عدد من قاعات العرض، والتي تعتبر الواحدة منها أكبر من العديد من المتاحف الحالية في مصر والعالم، ويُعد المتحف أحد أهم وأعظم إنجازات الجمهورية الجديدة، وليكون الوِجهة الأولى لكل من يهتم بالتراث المصري القديم، كأكبر متحف في العالم يروي قصة تاريخ الحضارة المصرية القديمة، حيث يحتوي على عدد كبير من القطع الأثرية المميزة والفريدة من بينها كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون والتي تُعرض لأول مرة كاملة منذ اكتشاف مقبرته في نوفمبر 1922، بالإضافة إلى مجموعة الملكة حتب حرس أم الملك خوفو مشيد الهرم الأكبر، وكذلك متحف مراكب الملك خوفو، فضلاً عن المقتنيات الأثرية المختلفة منذ عصر ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليوناني والروماني. وفي جولة بالمتحف تستقبلك الأهرامات العظيمة بمشهد مهيب، لتجد أمامك جدران المتحف المصري الكبير التي كتب عليها بالرموز الهيروغليفية المحفورة، وكأنها أتت من آلاف السنين، ومع الدخول لبهو المتحف الرئيسي يستقبل تمثال الملك رمسيس الثاني بكل عظمته إذ يتوسط بحيرة اصطناعية صغيرة، وستجد من حوله عشرات الزائرين الذي يلتقطون الصور التذكارية معه للحديث فيما بعد عن روعة هذا الأثر. مع السير بخطوات قليلة تجد خريطة حضارية لتطور العصور على أرض مصر، وبها كلمات تؤكد على عظمة من عاشوا من قبل، وإنجازات تلك الحضارة التي وقف العالم عاجز أمام ما قدمته، وعلى بعد خطوات على يسار البهو تجد الدرج العظيم، وهو الأكبر من نوعه في العالم، إذ أن كل درج فيه يضم تمثالاً لأحد ملوك مصر العظام، وهو أول الأماكن التي تم فتحها للزيارة داخل المتحف، وهو نفسه الدرج الذي يقود لقاعات العرض الرئيسية، والتي يبلغ عددها 12 قاعة، والتي تم فتحها للعرض التجريبي في 15 أكتوبر، أما درة تاج المتحف فهي قاعة العرض الخاصة بمحتويات مقبرة الملك توت عنخ أمون، والتي تضم أغلى قطعة أثرية في التاريخ وهي قناع الملك توت الشهير، إذ أنه سيتم نقل المحتويات في احتفالية خاصة سيتابعها الملايين حول العالم كما حدث من قبل مع موكب نقل المومياوات الملكية، وافتتاح طريق الكباش الجديد في الأقصر. زيارة المتحف المصري الكبير لا تتوقف عند التعرف على الآثار المصرية عبر العصور فحسب، بل ستجد منطقة ترفيهية واسعة تضم مطاعم، ومحال لبيع المنتجات اليدوية التي تتميز بها مصر، بالإضافة لقاعات سينما ومسرح خاصة بالفعاليات الثقافية المهمة.. لكن المميز أكثر هو المراكز العلمية التي تم تخصيصها للأطفال، والتي يتعلمون فيها أكثر عن الحضارة المصرية وعلم الآثار.. ما يميز المتحف أيضاً هي قاعة العرض التفاعلي، إذ يقوم الزائر برحلة تفاعلية تستمر لما يقارب 30 دقيقة ليعيش قصة بناء الحضارة المصرية، وصولاً لحياة الملك الأسطوري توت عنخ أمون، لتبدأ رحلة سمعية وبصرية تمتد لأكثر من 3400 عام من التاريخ، وذلك بزاوية 360 درجة، مقرونا بالموسيقى التصويرية التي تحول المشاهد المعروضة لواقع. كل هذه العناصر المبهرة التي اجتمعت في مكان واحد، وهو المتحف المصري الكبير، يعبر عن عظمة تلك الحضارة التي تم تخصيص علم باسمها، وهو علم المصريات، ويؤكد على أن الدولة المصرية الحديثة تحمل رسالة عمرها آلاف السنين، وهي الحفاظ على التاريخ، والإرث والحضارة.