جرائم القتل من أبشع الجرائم التي يهتز لها عرش الرحمن لانها تتعلق بإزهاق النفس التي حرم الله إزهاقها إلا بالحق، وتعامل معها المشرع بما تستحق من عقاب رادع يصل إلى الإعدام في جرائم القتل العمد. وتزداد جريمة القتل بشاعة فوق بشاعتها عندما يكون القاتل هو الابن والضحية احد الوالدين. وهذه الجريمة تحديدًا تخالف الطبيعة الانسانية والفطرة السوية التي تفترض الرفق بالوالدين وحسن رعايتهما وليس قتلهما على ايدي الشخص الذي كانا سببًا في وجوده في الدنيا. الطب النفسي واساتذة الاجتماع لهم رأي خاص في مرتكب هذه الجريمة النكراء نتعرف عليه في السطور التالية. واقعة مأساوية شهدتها منطقة المقطم بمحافظة القاهرة، وكانت البداية عندما تلقى رئيس مباحث المقطم بلاغًا يفيد بنشوب مشاجرة بين أب ونجله، ترتب عليها مقتل الأب. انتقل رجال المباحث إلى محل الواقعة، ليجدوا جثة لشخص في العقد الخامس من العمر، مصاب بطعنتين نافذتين بالصدر، بسبب خلافات نشبت بينهما، وبإجراء التحريات وسؤال شهود العيان تبين؛ أن المتهم طالب يبلغ من العمر 16 سنة، فجأة حدثت بينه ووالده المجني عليه ويعمل ميكانيكي سيارات، خلافات مالية بسبب استيلاء الأخير على الأموال التي يتقاضاها نجله من عمله في إحدى الورش، ووصل الأمر بينهما وتطور إلى مشاجرة وسط الشارع، حاول فيها المجني عليه التعدي على نجله، لكن الأخير باغته بعدة طعنات بسلاح أبيض سكين، أردته قتيلًا في الحال. طلب رئيس المباحث إعداد عدة كمائن ثابتة ومتحركة لضبط المتهم، وفي أقل من 24 ساعة نجح رجال المباحث في ضبط المتهم، وبمواجهته اعترف بارتكاب الواقعة، وتحرر محضر بالواقعة وأخطر مدير مباحث القاهرة ومدير أمن القاهرة الذي أمر بإحالة المتهم إلى النيابة العامة لتولى التحقيقات. في واقعة أخرى لا تختلف كثيرًا أقدم شاب على إضرام النيران في والدته وشخصين آخرين تدخلا للدفاع عن المجني عليها. تلقى مأمور مركز شرطة طوخ بمديرية أمن القليوبية بلاغًا يفيد إصابة ثلاثة أشخاص بحروق في مشاجرة بدائرة المركز ونقلوا إلى المستشفى للعلاج واتخاذ اللازم، وبالانتقال والفحص، تبين قيام شاب بسكب كمية من البنزين على والدته وتدعى «نبيهة.م»64 عاما، فأصيبت بمناطق متفرقة من جسدها بنسبة حروق 60٪ وعندما حاولت شقيقة المجني عليها ونجلتها الاستغاثة بالجيران استشاط المتهم، وسكب البنزين على ابنة خالته وأشعل بها النيران أيضا فأصيبت بحروق، كما أشعل النيران بأحد الجيران الذي أسرع للدفاع عنهما ويدعى «عمرو.م» 17 عاما طالب وأصيب بحروق ونقل المصابون إلى المستشفى لتلقى العلاج اللازم. أعدت عدة كمائن ثابتة ومتحركة وفي خلال 48 ساعة، تمكن رجال المباحث من ضبط المتهم، وبمواجهته اعترف بارتكاب الواقعة، وأخطر مدير أمن القليوبية والذي أمر بإحالة المتهم إلى النيابة العامة لتتولى التحقيقات. انحدار ثقافي يحلل الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي مثل هذه الجرائم قائلا: إن السبب الرئيسي في تكرار هذه الجرائم هو الانحدار الثقافي، فهناك بعض المحفزات التي تؤدي إلى انتشار هذه الثقافة المجتمعية المنحرفة وتدفع الأبناء لقتل ذويهم سواء آباء أو أمهات، ومن بينها الإعلام والدراما والسينما، فهم خلف كل ما يحدث، ايضا غياب الثقافة الدينية التي تحرم قتل الإنسان وتجرمه، في ظل وجود وسائل إعلام تنقل أشكالا لا تناسب المجتمع العربي، وتصور البطل أنه الشخص الذي يقتل وينتهك المحرمات، ويجعل من الجريمة أسهل واسرع طريق لحصد المال واكتساب الهيبة، فانتشار العنف المجتمعي بشكل مبالغ فيه في المسلسلات والأفلام يجعل من بعض الأشخاص يتقبلون هذا العنف على أنه شيء عادي ويمكن أن يحدث وبالتالي يحفز مشاعر العنف لديهم وقد يدفعهم لتنفيذ مثل تلك الجرائم. اقرأ أيضا: يقتل زوجته ويحاول الهرب خارج البلاد.. و«الأمن العام» يكشف لغز الجريمة وأضاف الدكتور جمال فرويز؛ أن العمل على غياب الثقافة المصرية السبب الرئيسي في هذه الجريمة، على سبيل المثال مصر مرت بأزمات مالية في فترة الأربعينيات وتلتها هزيمة 67 ومع ذلك لم نسمع على انحدار الثقافة المصرية في المجتمع، بل حافظ المصري على عاداته وتقاليده ولم يشهد تفشيًا لظاهرة القتل كما هو الآن، وعلاج هذه المشكلة هو تبنى الدولة خطة واضحة تكافح من خلالها الانحدار الثقافي، وتواجه الأفلام التي تصور أن النجاح من خلال القتل، كما تعقد دور العبادة سواء المساجد والكنائس دورات تبث روح حب الحياة وضرورة الحفاظ على الأسرة، وحماية الأبناء والتحرك من خلال خطوط عشوائية لحل المشكلة، كما لابد من الأهل ضرورة العمل على تخصيص وقت كاف للتربية والتقرب من الأطفال من أجل تنشئتهم التنشئة الصحيحة، لأن غياب أساليب التربية والعقاب لها دور مهم في انتشار هذه الحالات. واستكملت الدكتورة أمل شمس أستاذ علم الاجتماع قائلة؛ إن السبب الحقيقي وراء انتشار جرائم قتل الآباء والأقارب وجود خلل نفسي أو عقلي لديه يتسبب في ارتكابه للجريمة، كما أنه لا يوجد شخص عاقل يقدم على قتل أبيه أو أمه أو أي صديق أو مقرب منه، فمثل تلك الجرائم تعد حالات شاذة على المجتمع، فبعض الضغوط النفسية قد تقود الأشخاص للانحراف وتنفيذ هذه الجرائم أيضًا، كما هناك ظروف مجتمعية حال توفرها قد تؤدي إلى تنشئة خاطئة وتحفز على انتشار هذه الجرائم، وخاصة عدم الإلمام بالأمور الدينية من قبل الجاني، وفهمها الفهم الصحيح، والشك والتوتر الزائد، والتربية والتنشئة الاجتماعية غير الصحيحة.