وُلدت الفنانة نجوى فؤاد في عام 1939، وحين أتمت عامها ال22، كانت فى قمة مجدها كفنانة استعراضية وممثلة ناجحة تجوب دول العالم شرقًا وغربًا لتقديم حفلاتها. وفى ذلك الوقت وتحديدًا فى عام 1963، أجرت معها «آخرساعة» حوارًا، قدمت فيه نصيحة للراقصات بضرورة الاعتزال فى سن الثلاثين، وهى النصيحة التى لم تطبقها على نفسها، فقد أعلنت اعتزالها الرقص فى عام 1997، أى أن عمرها وقتذاك كان 58 سنة!.. أبرز ما صرحت به فى ذلك الحوار نعيد نشره بتصرفٍ محدود فى السطور التالية: «اسمحوا لى أن أنصح كل راقصة باعتزال الرقص بعد الثلاثين.. اسمحوا لى أن أوجه هذه النصيحة بمنتهى الصدق والإخلاص، وتأكدوا أننى أقولها من صميم قلبي، وقد قررت أن أطبقها على نفسى حينما أصل إلى سن الثلاثين مباشرة، ووقتها لن أرقص ولن أعرّض نفسى لامتحان قاسٍ». صاحبة هذه الكلمات هى نجوى فؤاد التى أكملت 22 سنة أخيرًا، وتجلس على عرش الرقص الشرقي، وطبيعة نجوى أنها لا تعرف اللف والدوران ويتهمونها بأنها صريحة أكثر من اللازم، لذلك يصدقها الجميع حينما تقول رأيها فى أى شيء، وقد ورثت نجوى فؤاد من تحية كاريوكا طبيعتين مميزتين: الصدق والتبذير، والنتيجة أن رصيدها فى البنك أصبح صفرًا، رغم أنها تأخذ كل ليلة 50 جنيها من هيلتون و50 من عرابي، بخلاف إيراداتها من السينما والتلفزيون والحفلات العامة. وقد قالت لى نجوى فؤاد أو «جمرة النار» كما يسميها الجمهور فى بيروت، وعلى وجهها ابتسامتها الطيبة: صدقوني.. إن الراقصة تذبل فى سن الخامسة والثلاثين، ومهما حاولت المحافظة على جسدها ورشاقتها فإن حيوية الشباب الدافقة تتلاشى منها ولا تعود قادرة على الحركة السريعة التى يستلزمها الرقص الشرقي، بالتالى تتعرّض لسخرية الجمهور وتحكم على نفسها بالموت البطيء، وأنا أفضِّل أن أعيش خمس سنوات فى القمة على أن أنحدر باقى العمر إلى السفح. ◄ اقرأ أيضًا | نجوى فؤاد تثير الجدل بتصريحات جديدة ◄ حارة العوالم والتقطت نجوى فؤاد كتابًا من مجموعات الكتب التى ملأت بها الأرفف والأدراج والمناضد فى شقتها فى برج الزمالك، وأخذت تمرق بعيونها على سطوره فى اهتمام كأنها تلتهم الصفحات فى لذة.. وسألتها: ما هذا؟ قالت نجوى: كتاب توفيق الحكيم «حارة العوالم». وسكتت الراقصة ذات الشعر الأحمر، ثم عادت تقول: الغريب أن توفيق الحكيم استطاع أن يصوِّر حياة العوالم فى هذا الكتاب بصراحة وأمانة وعمق، واستطاع أن ينفذ إلى أغوارهن البعيدة ويترجم أسرارهن إلى أحداث واقعية أسمع عنها كل يوم، وبودى أن أسأله لو التقيته هل ذهب إلى شارع محمد على وعاش فيه لكى يخرج بهذه القصة؟ والشيء الذى لا يعرفه أحد أن نجوى فؤاد هى الراقصة الوحيدة من جيل الراقصات الجديدات التى أخذت تعلِّم نفسها، وتواظب على شراء الكتب والقصص العربية، وبدأت أخيرًا تذاكر اللغة الإنجليزية وتأخذ دروسًا خاصة فى الجغرافيا والتاريخ وعلم النفس. ◄ 3 حصص إنجليزي سألت نجوى: كم حصة تأخذ فى الأسبوع؟ قالت لي: ثلاث حصص، يوم بعد يوم، والحقيقة أن المدرس الخاص الذى يعطينى الدروس يراعى ظروف عملى التى تحتم عليّ السهر كل ليلة والنوم حتى الظهر، لذا فإننى آخذ الدروس بعد الظهر، وأعتبر مواعيدها شيئًا مقدسًا أكثر من مواعيد الكوافير والاستديو وبروفات الرقص. والمهم أن نجوى فؤاد تضع فى حسابها أيضًا أن تتحوّل إلى ممثلة فقط خلال السنوات المقبلة، بحيث إذا وصلت إلى سن الاعتزال تكون قد وصلت بالفعل إلى المكانة التى تتمناها فى التمثيل، لذا بدأت تتمرن على الإلقاء وتأخذ دروسًا أخرى فى نطق اللغة العربية وفى التعبير عن المشاعر المختلفة الصامتة، أو الكلام بتعبيرات الوجه والعيون فقط، ومع أن المساج جزء هام من حياة الراقصة للمحافظة على رشاقتها، فإن نجوى فؤاد قلّلت من الوقت المخصّص له لكى تتفرغ ساعات أخرى من النهار للتدريب على التمثيل، ولم يعد فى حياتها دقيقة فراغ واحدة. ◄ («آخرساعة» 27 فبراير 1963)