لم أندهش يوما من أي فعل همجي لإسرائيل، ولم أستغرب لحظة أي تصرف حيواني يصدر عن تل أبيب، ولم أنظر يوما لها باعتبارها «الدولة العبرية»، فمنذ وعيت اسمها، ارتبط ذلك في طفولتي بمجزرة بحر البقر، وأنها هي العدو الغاشم الذي يفتقد أدنى إحساس بالإنسانية، والعدو الذي هو أقرب للوحشية منه إلى الآدمية، وأنها دولة توسع وعدوان واحتلال، وأدركت ماهو مكتوب في جيناتي أنها دولة قابلة للكسر، عندما واجهنا العدوان الثلاثي عام 1956، وكانت الآية الكبرى عندما كسرناها في البر والبحر والجو في حرب أكتوبر 1973 المجيدة، تلك الحرب الأسطورية التي نحتفل خلال أيام بذكراها الخالدة، والتي حققنا فيها ما اعتبره العالم من المستحيلات، ليواصل الشعب المصري السير على الصراط، ويتواصل مدد جينات فداء الوطن ودحر الاحتلال، مع أحمس ومرورا بصد التتار، وتأديب الصليبيين في حطين، ونهاية بحرب أكتوبر، الجينات التي تجري في ظهور المصريين وكل خلاياهم تؤكد أنهم ملاذ المظلومين، والحضن الآمن لمن فقدوا وطنهم، والسيف البتار لكل عادٍ وظالم ومحتل، عقيدة تناقلتها الأصلاب وعهد ووصية تسلمتها الأجيال جيلا بعد جيل. لن تكون إسرائيل أفضل مصيرا من الهكسوس، ولا أطول مقاما من الصليبيين، ربما تكون أكثر وحشية، ربما تكون الدولة التي اختار الشيطان أن يرعاها، فيكون أكثر ما يميزها أن يعتبرها العالم عاصمة الشواذ في كل شيء حتي، في جيشها السادي الذي لا يتردد في قتل الأطفال والنساء والشيوخ، وانتهاك كل ميثاق إنساني وأخلاقي، فلا يجد جنوده حرجا من رفع علم الشواذ على أنقاض بيوت المدنيين وأشلائهم ! لم يكتف الشيطان الصغير بما ارتكبه أقرانه من مذابح غير مسبوقة في غزة، ولم يجد في حكاية شمشون أفضل من ذلك الفصل الذي وضع المشاعل في ذيول الثعالب ثم أطلقها لتعدو مذعورة في حقول الفلسطينيين، ولكن نتنياهو فعل ماهو أقبح، حيث أشعل النار في الفلسطينيين أنفسهم بلا تمييز بين صغير وكبير، مدني وغير مدني، ثم استدار إلى كل منطقة من حوله لينفث فيها سمه وناره، دونما أن يحسب حسابا لأي شيء، إلا رضاء وتنفيذ توجيهات الشيطان الأكبر «لوسيفر»، ليواصل حرق المنطقة بمن فيها، فمخ الشيطان في واشنطن ويده في تل أبيب، وتارة يتبادلان الأدوار، عندما يكون الرأس المدبر في تل أبيب . ووسط كل تلك التداعيات الخطيرة المقلقة، كانت مصر كعادتها على الميعاد، تدير دفة المنطقة، توجهها في طريق السلامة لكل الشعوب، وتثبت الأيام صحة رؤيتها وتوقعاتها للخطر المحدق بجميع دولها، بداية من مؤتمر القاهرة بعد وقت قصير من تلك الحرب الملعونة، حيث وضعت مصر المجتمع الدولي، أمام مسئولياته، عبر ما يمكن أن نسميه، جمعية عمومية مصغرة للأمم المتحدة، كما أكدت رفضها لمخطط تهجير الفلسطينيين وتضييع القضية الفلسطينية، ولا يملك المراقبون سوى تثمين إدارة مصر لتلك الأزمة الكبيرة بكفاءة واقتدار، من أجل حماية الأمن القومي المصري العربي وأمن المنطقة كلها وعدم توسيع نطاق الصراع، وذلك من خلال سياسات متوازنة ودقيقة، وفقا للتوصيف الدقيق الذي صاغه الرئيس عبد الفتاح السيسي، للمعطيات الراهنة والخطيرة في المنطقة، ومن هنا كانت الإشارة المهمة التي جاءت على لسان وزير الخارجية بدر عبد العاطي، بخصوص مشاعر الإحباط والغضب في الشارع العربي، إزاء ازدواجية المعايير، وتحذيره باسم مصر، من أن وجود دولة فوق القانون، وعدم التعامل مع التهديد الإسرائيلي الحالي للأمن والسلم الدوليين، مسألة خطيرة ولا يجب التسامح معها. المؤكد أن المعركة طويلة ومن الصعب التكهن بتداعياتها، خاصة في ضوء الصمت الأمريكي المؤيد للجرائم الإسرائيلية، والمؤكد أيضا أن القاهرة لم ولن تتوقف عن السعي لوقف حمام الدم وحقن دماء الفلسطينيين واللبنانيين الأبرياء، وعدم توسيع الصراع في المنطقة، وتتطلب هذه المرحلة، استمرار التلاحم بين الشعب وقيادته وكافة مؤسسات الدولة، وأن يتحمل كل واحد منا في موقعة مسئوليته نحو الوطن، ولعل أكبر المهام الوطنية المطلوبة، هي الانتباه للشائعات والأخبار المغلوطة التي يتم نثرها في فضاء الإنترنت لتحقيق الأهداف الخبيثة، وأن نظل يدا واحدة في مواجهة التحديات الضخمة التي تواجه الدولة المصرية. ودائما ودوما وأبدا.. تحيا مصر ◄ بوكس 6 أكتوبر 1973 .. لو كنت ناسي أفكرك.