أسباب عديدة كانت وراء حرصي الشديد على السعى للقاء الوزير بدر عبد العاطي، حيث تصادف وجودنا معا في نيويورك لأسباب مختلفة. وزير الخارجية يترأس وفد مصر في أعمال الجمعية العامة للامم المتحدة في دورتها ال79، بينما أقضي إجازتي السنوية. أهم أسباب حرصي على لقاء الوزير كانت حالة النشاط والفاعلية التي صاحبت توليه منصبه فى الثالث من يوليو الماضي، وظهرت فى زياراته المدروسة وفقا لمصالح مصر القومية للعديد من دول العالم وعشرات اللقاءات التى عقدها مع نظرائه وكبار المسئولين بها. اقرأ أيضًا | محللون غربيون: إيران «لن تتدخل» فى الصراع لهذه الأسباب ومن خلال متابعتى لهذا التحرك، أكدت كل المؤشرات اننا أمام مرحلة ذهبية جديدة للدبلوماسية المصرية، فالوزير صاحب خبرة استمرت لنحو 35 عاما جمع خلالها بين الحسنيين: العمل الدبلوماسى والخبرة الإعلامية. فعلى الصعيد الدبلوماسى عمل في العديد من البلاد، لعل آخرها قدرته على تنشيط العلاقات المصرية الاوروبية وفى القلب منها المانيا وتوليه الكثير من الملفات. وفيما يتعلق بالإعلام، حقق نجاحا مبهرا عندما عمل متحدثا إعلاميا ونجح في خلق حالة تفاعل واسع مع وسائل الإعلام في مصر كافة. هكذا وعلى الفور بعد وصولى الى نيويورك مباشرة بدأت فى التواصل مع السفير النشط تميم خلاف المتحدث الرسمى باسم الخارجية، والذى لم يتأخر فى الرد ناقلا لى ترحيب الوزير بالحوار، رغم ازدحام جدول أعماله سواء بالاجتماعات العامة أو النوعية للامم المتحدة أو اللقاءات الثنائية مع العديد من كبار المسئولين فى دول العالم المختلفة وكان الموعد مساء السبت الماضى بعد يوم حافل وشاق ومزدحم انتهى بإلقاء الوزير كلمة مصر أمام الجمعية العامة. فى البداية سألت الوزير عما لو كانت الزيارات الثلاثة التى قام بها للصومال وجيبوتى واريتريا بعد ايام قليلة من توليه المنصب لها علاقة بأزمة السد الاثيوبي؟ قال: دعنا نؤكد حرصنا الشديد على أمن البحر الأحمر وتوفير الظروف المناسبة لسهولة الملاحة الدولية خاصة فى ظل تنامى ظاهرة الارهاب والتطرف فكانت زيارة للصومال واريتريا فرصة لتبادل الرؤى حول الاوضاع السياسية والامنية مع كبار مسئولى ووزيرى خارجية البلدين احمد معلم فقى والجيبوتى محمود على يوسف واتفقنا على تكثيف آليات التشاور السياسى والبناء على ما تم تحقيقه خلال السنوات الماضية، ولم يعد سرا اهتمامنا بالوضع فى الصومال. وقد اكدت فى كلمتى أمام مجلس الأمن على ضرورة تضافر الجهود الدولية لتفعيل بعثة السلام الأفريقية الجديدة فى الصومال اتساقا مع رؤية الشعب والحكومة لحفظ أمنه واستقراره وأننا ندين الإجراءات الاحادية التي تمس وحدة الصومال وسيادته على كامل أراضيه. وعن الزيارة المهمة الثالثة التى ضمت الوزير عباس كامل بوجودكم إلى ارتيريا، واللقاء الذى جمع بينكما وبين الرئيس اسياس افورقي، قال بدر عبد العاطى إنه تم خلالها بحث تطورات الوضع فى البحر الاحمر والقرن الافريقى ونقل رسالة من الرئيس عبدالفتاح السيسى الى الرئيس افورقى واتفقنا على مواصلة التشاور لتحقيق الاستقرار فى السودان ومؤسساته الوطنية،وكذلك وحدة الصومال والتطورات فى القرن الافريقى والتحديات التى تشهدها المنطقة وسبل تعزير الامن والاستقرار بها وتوفير الظروف المواتية لاستعادة الحركة الطبيعية للملاحة والتجارة الدولية عبر مضيق باب المندب، خاصة ان مصر اكبر طرف متضرر من حالة عدم الاستقرار حيث تشهد انخفاضاً فى عائدات قناة السويس تصل ل6 مليارات وخسارة شهرية 600 مليون دولار. ازمة السد الاثيوبى وبالنسبة لسيناريوهات التعامل مع ملف سد النهضة الإثيوبى الذى شهد ايضا تكثيفا للتحرك المصرى والتحرك على اكثر من صعيد، قال الوزير إنه ليس سدا للنهضة بل سد للخراب، ودعنا نشير الى واقع يدركه الجميع رغم المساعى المصرية صادقة النوايا، أصرت إثيوبيا على تبنى سياسة التسويف والتعنت ولى الحقائق ومحاولة فرض أمر واقع بإنشاء وتشغيل السد الإثيوبى بالمخالفة لقواعد القانون الدولى وبلا اكتراث لأثر هذا السد على حياة الملايين فى دولتى المصب السودان ومصر. واضاف أنها قضية مطروحة للبحث على كل لقاءاتنا الاقليمية والدولية وآخرها مع وزير الخارجية الصيني الذي التقيته مع آخرين على هامش اجتماعات الجمعية العامة فى ظل مجموعة من الحقائق اولاها أن مصر هي الدولة الوحيدة التى تعتمد كلية على مياه النيل باعتباره نهرا دوليا عابرا للحدود ينطبق عليه القانون الدولي وهى ليست هبة من احد ولكنها منحة من الله سبحانه وتعالى، ونحن قادرون على حماية مصالحنا ونتمسك بحقوقنا المائية دون تفريط ولا تهاون باعتبارها قضية وجود وحياة لمصر فالامر هنا يخص مصالح وامن واستقرار اكثر من 110 ملايين نسمة ولن نتركه رهينة لأهواء أية جهة. وأكد أن مصر ستستمر فى مراقبة تطورات عملية ملء وتشغيل السد الإثيوبى عن كثب، محتفظة بكل حقوقها المكفولة بموجب ميثاق الاممالمتحدة لاتخاذ التدابير اللازمة دفاعا عن مصالح وبقاء الشعب المصرى العظيم. ومخطئ من يتوهم أن مصر تغض الطرف أو تتسامح مع تهديد وجودى لبقائها». وقال إن المفاوضات انتهت فى ديسمبر الماضى وتتمثل مطالبنا التى نعمل عليها فى استئناف المفاوضات والتى توقفت عام 2023 نتيجة المماطلة والمراوغة طوال الأعوام الاخيرة فى محاولة لفرض أمر واقع والتوصل لاتفاق ملزم حول تشغيل السد وهذا لن تتنازل عنه مصر أبدا مع مبادئ قانونية ملزمة وأهمها مبدأ عدم الحاق الضرر والإخطار المسبق لأية مشروعات على النهر. العلاقة مع واشنطن عن علاقة مصر وواشنطن خاصة فى ظل زخم غير مسبوق على صعيد العلاقات والنشاط المكثف مع دوائر صنع القرار فى العاصمة واشنطن قال الوزير: العلاقات بين البلدين تاريخية ومر عليها عقود ترسخت خلال وتشعبت ولم تعد مقصورة على بعدها السياسى او الاقتصادى بل امتدت الى مجالات جديدة مثل الثقافة والتعليم فى ظل اسس ثابتة تحكمها خاصة مع المصالح المشتركة والملفات المتعددة والتى تستدعى مثل هذا التنشيط. وفي هذا الإطار يمكن فهم ما جرى خلال الايام الماضية حيث تم بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين والتشاور حول أبرز القضايا الاقليمية فى المنطقة سواء الحرص المشترك لوقف التصعيد وعدم الوصول بالامور لحرب اقليمية وكذلك الوضع فى ليبيا والسودان لذا حرصت على لقاء مبعوثى الولاياتالمتحدة المعنيين بقضايا وازمات الشرق الاوسط وافريقيا مع عقد لقاءات مع عدد من اعضاء الكونجرس. واضاف الوزير بدر عبدالعاطي: لقد حققنا نجاحات على صعيد العلاقات بين البلدين بعد جلسة الحوار الاستراتيجى والتى تترجم الارادة السياسية لقيادتى البلدين فى تطوير العلاقات وتحويلها الى واقع ملموس ، فنحن مهتمون بتنمية العلاقات التجارية والاقتصادية باعتبارها احد الروافد والمحاور الاساسية للشراكة الاستراتيجية ونسعى الى مزيد من جذب الاستثمارات الامريكية وزيادتها باعتبار ذلك اولوية رئيسية فى ظل الخطوات والاجراءات الطموحة التى قامت بها الحكومة لتحسين مناخ الاستثمار وتذليل العقبات التى تواجه المستثمرين وتطوير بيئة الاعمال والبرنامج طموح للاصلاح الاقتصادى واعطاء القطاع الخاص الدور الرئيسى فى عملية التنمية وفى هذا الاطار كان حرصى على المشاركة فى فاعلية لغرفة التجارة الامريكية بحضور عدد كبير من الشركات الامريكية. قمة البريكس وعن رؤية مصر لتطوير العمل فى تجمع دول البريكس التى يتم الاعداد لعقد قمتها فى روسيا الاسبوع الاخير من شهر اكتوبر الحالى، قال الوزير: اشارك خلال الأيام القادمة فى الاجتماع الوزارى للتجمع فى اطار الاعداد للقمة وقد تقدمنا بالفعل برؤية متكاملة حول ذلك فى الاجتماع الوزارى الذى تم عقده على هامش اعمال الاممالمتحدة حيث نسعى. ونطالب بان يكون للتجمع دور فى الاصلاح المالى الدولى من خلال ضمان عدالة المؤسسات المالية الدولية واستجابتها لاحتياجات الدول النامية وتحسين بنية الديون العالمية وتوفير السبل اللازمة لتحقيق اهداف التنمية المستدامة من خلال المنح والتمويل ونقل التكنولوجيا. وقال: نسعى ايضا لتعظيم الاستفادة من عضوية مصر فى هذا التجمع على اكثر من صعيد ومنها التعامل بالعملات المحلية فى التجارة البينية بين الدول الاعضاء. وعن بعض الملفات الساخنة ومنها المخاوف من التصعيد فى المنطقة أكد الوزير أن الأولوية القصوى حالياً هى وقف حمام الدم بشكل فورى ودائم وغير مشروط، والوقوف بمنتهى الحسم أمام أي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية عبر التهجير أو سياسات الإحلال السكاني، فضلا عن الأهمية البالغة للوصول الكامل وغير المشروط للمساعدات الإنسانية والطبية إلى سكان القطاع المدنيين العزل. وهكذا كانت نهاية لقاء غير تقليدى مع وزير الخارجية بدر عبد العاطي. لقاء وإن جرى على مسافة بعيدة من مصر ولكنه تم فى قلبها فى مقر مندوبية مصر فى الاممالمتحدة التى تقع فى موقع متميز لا يبعد سوى أمتار قليلة عن مقر المنظمة الأممية، وبحضور المندوب الدائم السفير اسامة عبدالخالق احد ابرز الدبلوماسيين النشطين.