تتواصل تطورات الحرب السيبرانية بشكل متسارع، وتتجاوز في تأثيراتها حدود الحروب التقليدية لتصبح أداةً محورية في النزاعات المعاصرة. فمنذ أن تم تناول هذا الموضوع في مقال "الحرب السيبرانية" الذي نُشر في بوابة أخبار اليوم في 24 أكتوبر 2023، بات من الواضح أن هذه الحروب قد تحولت إلى عنصر رئيسي في المعارك الحديثة. في الأيام الأخيرة، شهدنا تصعيدًا جديدًا في هذا النوع من الحروب، حيث شنت إسرائيل ضربة سيبرانية موجهة ضد حزب الله اللبناني، استهدفت تدمير أجهزة اتصال إلكترونية صغيرة يستخدمها مقاتلو الحزب. هذه الأجهزة، التي تنقل نصوصًا صوتية ومحادثات، تم تفجيرها باستخدام تقنيات متطورة، مما أدى إلى خسائر في صفوف مقاتلي الحزب والمدنيين اللبنانيين الذين تصادف وجودهم بالقرب من مواقع التفجير. تأتي هذه الضربة في إطار الحرب السيبرانية المستعرة بين المقاومة العربية وإسرائيل، وهي ليست سوى جزء من المعركة الأكبر التي تشمل جبهات أخرى في العالم. وقد تكررت مؤخرًا ضربات مماثلة، مثل الهجوم السيبراني الذي هز المطارات والبنوك في الغرب وأوروبا وأمريكا، مما أدى إلى شلل كامل للحركة الجوية والاقتصادية لمدة 13 ساعة، وكل هذا نتيجة شلل الأنظمة الإلكترونية. ما حدث مع حزب الله يعكس تحولًا جديدًا في ساحة المعارك الإلكترونية. إسرائيل، التي تُعد من الدول الرائدة في تكنولوجيا الاتصالات والهجمات السيبرانية، باتت تستخدم هذه التقنيات بشكل متزايد في نزاعاتها مع المقاومة. وفي نفس السياق، جاءت ضربة الصاروخ البالستي "فرط صوتي" اليمني، الذي أذهل العالم بقدرته على اختراق الأنظمة الدفاعية الإسرائيلية وتحقيق هدفه بدقة متناهية. هذا الصاروخ، الذي قطع مسافة 2040 كم في 11 دقيقة ونصف بسرعة تفوق سرعة الصوت ب 11 ضعفًا، عجزت أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية عن اعتراضه بعدما لم تستطع فك شفرات تحديد هوية الجسم الطائر وعما إذا كان'صديق" أم "عدو". التقنية السيبرانية لم تعد تقتصر على تعطيل الأنظمة الإلكترونية فقط، بل تمتد الآن إلى تغيير جذري في استراتيجيات الحرب. بعد ضربة الصاروخ اليمني والتفجير الإسرائيلي لأجهزة الاتصال، أصبح من الواضح أن الحرب السيبرانية قد تتفوق على الحرب التقليدية في المستقبل القريب، حيث تواصل القوى المتصارعة الاستثمار في تطوير أسلحة تكنولوجية حديثة. تظهر هذه التطورات المتلاحقة أن الحرب السيبرانية أصبحت سمة مميزة لحروب القرن الحادي والعشرين. فالتحديات الجديدة التي تطرحها هذه الأسلحة السيبرانية تدفع العالم إلى حالة طوارئ مستمرة، حيث يبحث الخبراء عن وسائل دفاعية جديدة لمواجهة التهديدات المتزايدة. وفي النهاية، يمكن القول أن الحرب السيبرانية لم تعد مجرد خيال علمي أو حروب مستقبلية، بل أصبحت واقعًا يوميًا يشكل تهديدًا لأمن الدول والأفراد، مما يدفعنا إلى مراقبة الأحداث بدقة وحذر، وتحليلها لفهم مآلات الصراعات القادمة. [email protected]