لطالما كان مفهوم السفر عبر الزمن في قالب من الكوميديا والفانتازيا مصدر إلهام للكتاب وصناع الدراما، حيث تأسر هذه الفكرة خيال الجمهور وتأخذهم في رحلات خيالية عبر العصور من خلال سرداب أو دوامة أو آلة معينة, ورغم تكرار هذا المفهوم في العديد من الأعمال، إلا أنه لا يزال يحظى بشعبية كبيرة وسحر خاص، مما يطرح تساؤلات حول السر الكامن وراء جاذبيته المستمرة.. هل يعود الأمر إلى الهروب من الواقع؟، أم أن الفروق الزمنية تفتح آفاقا جديدة للتأمل والتفكير؟.. في هذا التحقيق، نستعرض أسباب إنجذاب الجمهور للأعمال التي تعتمد على السفر عبر الزمن، ونسلط الضوء على العناصر الفنية المهمة التي تجعل من هذه الفكرة مادة درامية خصبة ومتجددة. فكرة السفر عبر الزمن فى قالب من الفانتازيا والكوميديا تم تقديمها فى عدد من الأعمال الفنية، منها على سبيل المثال مسلسل "عمر أفندى" الذي عرض مؤخرا وحظى بإعجاب الجمهور, حيث يكتشف البطل سرداب خفي في منزل والده يقوده برحلة إلى زمن الأربعينيات من القرن الماضي, وتتوالى أحداث المسلسل الذي يشارك في بطولته أحمد حاتم, آية سماحة، رانيا يوسف، مصطفى أبو سريع، محمود حافظ، ومن تأليف مصطفى حمدي، وإخراج عبد الرحمن أبو غزالة. أيضا فيلم "سمير وشهير وبهير"، وهو من أشهر أفلام الفانتازيا التي قدمت فكرة السفر عبر الزمن بأسلوب كوميدي، حيث يعود أبطال العمل الثلاثة من الزمن الحاضر إلى السبعينيات من القرن الماضي بالصدفة بسبب آلة زمن ابتكرها أستاذهم بكلية الهندسة، والفيلم إخراج معتز التوني وتأليف وبطولة شيكو وأحمد فهمي وهشام ماجد، وشارك في البطولة رحمة حسن وإيمي سمير غانم وإنجي وجدان. وفي إطار كوميدي ممزوج بالرومانسية، حول درية وصالح، اللذان تقع لهما العديد من المشاكل، إلى أن تفتح بوابة بالصدفة تقودهما إلى العوالم الموازية, لتدور أحداث فيلم "فاصل من اللحظات اللذيذة"، الذي قام ببطولته هشام ماجد, هنا الزاهد ومحمد ثروت، وإخراج أحمد الجندي، وتأليف شريف نجيب، جورج عزمي. وقدم مسلسل "الصفارة" فكرة السفر عبر الزمن، وذلك من خلال صفارة توت عنخ آمون التى صنعها الكهنة لتغيير واقعهم والتي يستخدمها أحمد أمين البطل فى المسلسل لإعادة تغيير واقعه أكثر من مرة وبأكثر من طريقة ليكتشف في الأخير أن الواقع المكتوب له هو الأفضل، مسلسل "الصفارة" بطولة أحمد أمين، طه دسوقي وآية سماحة, وتأليف ورشة كتابة تضم سارة هجرس وشريف عبد الفتاح وإخراج علاء إسماعيل. "حنين للماضي" يعتبر السيناريست مجدي صابر أن اهتمام الجمهور بالأعمال الفنية التي تنقله إلى أزمنة وحقبات تاريخية معينة, يستند إلى الحنين للماضي، ويرتبط بفكرة النوستالجيا, ويقول موضحا: "رغم تكرار الفكرة في هذا النوع من الأعمال، يبقى الجمهور متعلقا بها، حيث يجد فيها ملاذا للهروب من ضغوطات الحاضر ويرى في الماضي زمنا بلا مشاكل، على الرغم من أن لكل عصر تحدياته الخاصة, فالأعمال الكوميدية التي تعود للماضي تجذب المشاهدين، خاصة إذا كانت التفاصيل مثل الديكور والملابس وأسلوب الكلام والحوار موظفة بشكل متقن ومنسق، حيث تساهم هذه التفاصيل في خلق نوع من الجاذبية, فما لم نعيشه دائما يكون أكثر سحرا, فهو نمط درامي قادر على تحقيق نجاح كبير بفضل عناصر الجذب البصرية والسردية سواء للأعمال التي فيها رجوع للماضي ضمن قالب من الفانتازيا، أو قالب تاريخي، ومن المهم دراسة الفترات الزمنية بتفاصيلها، ليس فقط من حيث الشكل، لكن أيضا من حيث القضايا الاجتماعية والسياسية, لتقديم الماضي بكل ما فيه من تحديات وقضايا, ومن الأعمال التي تناولت حقبة تاريخية معينة وحققت النجاح المطلوب, مسلسل (سره الباتع) للمخرج خالد يوسف". ويتابع قائلا: "عندما قدمت مسلسل (قلبي دليلي) عن ليلى مراد، بدأت الأحداث مع ثورة 1919، مرورا بأحداث الأربعينيات والخمسينيات, واستعنت بمراجع دقيقة لتلك الفترة، لأن العمل يتناول سيرة فنانة في ظل زخم سياسي كبير، مثل ثورة عرابي والكفاح ضد الإنجليز وحرب 48 وقيام الثورة, أيضا تسليط الضوء على الشخصيات البارزة في تلك الحقبة، مثل ليلى مراد، أنور وجدي، محمد عبد الوهاب، ونجيب الريحاني، كذلك روز اليوسف وإحسان عبد القدوس، كلها شخصيات كانت جزءا مهما من المسلسل، لأنني كنت أتعامل مع فترة غنية سياسيا وفنيا وصحفيا. ويضيف: "هناك أنواعا من الأعمال الفنية التي يكون هدفها الأساسي الإمتاع والتسلية، دون الحاجة إلى تقديم دروس أو قيم معينة, هذا اللون الدرامي الذي يعتمد على الفانتازيا والكوميديا، له جمهوره ومكانته بين الأعمال الفنية، حيث يسهم في خلق تجربة ممتعة للمشاهد دون إلتزام بقيود أو توقعات من حيث الرسائل أو المعانى العميقة.. لكن عندما يتم استخدام عناصر من الماضي، مثل الزمن أو الأحداث التاريخية، تصبح هناك ضرورة لعرض التفاصيل بدقة، وهنا يأتي التحدي في تقديم عمل يجمع بين الفانتازيا والواقعية، حيث يطالب المشاهد بتفاصيل دقيقة تعكس تلك الفترة التاريخية.. فالأعمال التي تسافر عبر الزمن لها قواعدها الخاصة في السرد والإخراج، ويجب أن تحترم هذه القواعد لضمان تقديم تجربة متكاملة". وأشار صابر إلى أنه بالرغم من النجاح الذي حققه مسلسل "عمر أفندي"، إلا أن التركيز المبالغ فيه على بيوت الدعارة والكباريهات قد يأتي على حساب الزخم الوطني والثقافي والسياسي لتلك الفترات، وهو ما يضعف من مصداقية العمل الدرامي. واختتم قائلا: "عند تناول فترة زمنية معينة، لا يجب اهمال تفاصيلها, والفانتازيا لا تعني إغفال الحقائق التاريخية, وحتى إذا كان الهدف من العمل هو الترفيه فقط، يظل الإلتزام بالتفاصيل مطلبا أساسيا لإبراز الحقبة الزمنية بشكل واقعي وممتع في الوقت نفسه". "سر النجاح" الناقد طارق الشناوي يرى أنه لا ينبغي اعتبار عنصر الزمن عاملا حاسما في تحديد نجاح أو فشل أي عمل فني, ويقول: "هناك العديد من الأعمال التي لجأت إلى تناول الماضي، إلا أنها لم تنجح في جذب الجمهور أو إقناعه, لكن قد تثير المسلسلات التي تسافر بالزمن فضول المشاهدين بسبب ما تحمله من غموض وإثارة, والعودة إلى الماضي أو الانتقال إلى المستقبل يتيح للمشاهدين استكشاف كيف كانت الحياة في فترات زمنية مختلفة، أو كيف يمكن أن تكون في المستقبل، وهذا الفضول يدفعهم لمتابعة الأحداث بشغف، مما يجعل المسلسل أكثر جذبا". ويضيف: "مع ذلك لا أعتبر أن العودة إلى الماضي سر النجاح، بل جودة العمل الفني نفسه، سواء تناول الحاضر أو الماضي, وقوة مسلسل (عمر أفندي) تكمن في نسيجه الفني، وقدرة المخرج عبد الرحمن أبو غزالة والكاتب مصطفى حمدي على تقديم تجربة إبداعية ممتعة وخفيفة الظل من خلال بناء الشخصيات وتتابع الأحداث". وأشار الشناوي إلى أن الشخصية التي جسدها أحمد حاتم في مسلسل "عمر أفندي" تميزت بربطها بين اللحظة الراهنة وزمن يعود إلى 60 عاما، مما أعطى للمشاهد إطلالة على الحاضر والماضي معا, وربما ينجذب الجمهور نفسيا إلى هذه النوعية من الأعمال عندما يكون الحاضر صعبا فتصبح مثل المسكنات للهروب من ضغوط الحياة. ويتابع قائلا: "فيما يتعلق بجاذبية الأعمال الدرامية، فإن العبرة ليست في اختيار فترة تاريخية معينة أو الاعتماد على الفانتازيا، بل في كيفية توظيف هذه الأدوات, على سبيل المثال فيلم (أهل الكهف)، رغم عودته إلى قرون ماضية، لم يحقق النجاح المطلوب، مما يؤكد أن طريقة التناول العامل الأهم, أيضا الذكاء فى توظيف عناصر الإبهار مثل الديكور، والأزياء، والمكياج والموسيقى التصويرية عند تقديم عمل يتناول الماضي، فدقة التفاصيل تضمن بقاء الجمهور مندمجا في العمل دون أن يهرب منه". "خيال خصب" وأوضحت الناقدة خيرية البشلاوي أن تعلق الجمهور بأي عمل فني سواء كان يعتمد على الفانتازيا أو ينتقل به إلى حقبات زمنية مختلفة في قالب الدراما التاريخية، يرتبط بشروط، أهمها مصداقية العمل، وتقول: "الأداء الصادق يدفع الجمهور لمتابعة العمل، إلى جانب الإثارة والتشويق والتسلية ووجود شخصيات يمكن للجمهور التوحد معها ومع مشكلاتها، وتقديم مادة موضوعية تجذب المتلقي, كلها عوامل حاسمة لنجاح هذا النمط الفني". وتستكمل حديثها بالقول: "الأعمال التي تعود بالمشاهد إلى أزمنة ماضية تتطلب ميزانية ضخمة لإعادة إحياء تلك الفترات بدقة، خاصة عندما يكون المتلقي على دراية بتفاصيل تلك الفترات سواء اجتماعيا أو سياسيا أو اقتصاديا، مما يجعل المهمة أكثر تعقيدا وتتطلب الدقة لضمان تحقيق الأثر المطلوب, فوعي المشاهد وثقافته حول الفترة الزمنية التي تدور فيها الأحداث يزيد من استمتاعه بالتفاصيل الدقيقة، مع أهمية أن تكون القصة نفسها مثيرة ومشوقة، وأن تكون الشخصيات متقنة بشكل يجعل الجمهور منسجما معها, ورغم أن بعض المشاهدين قد لا يلتفتون للتفاصيل الدقيقة، إلا أن النقاد سيلتقطون أي أخطاء تتعلق بتلك الفترة". وتتابع قائلة: "الخيال عنصر أساسي في جميع الأعمال الفنية، بما فيها الواقعية، لكن الفانتازيا تتطلب خيالا خصبا قادرا على إثارة الدهشة وجذب المشاهد, على سبيل المثال فيلم (سمير وشهير وبهير) الذي ينتقل بالزمن في قالب من الفانتازيا، وبالرغم من أنه يعتمد على تقديم أحداث غير منطقية، إلا أنه نجح في توظيفها بطريقة تجعلها تبدو منطقية وبشكل يقنع المشاهد بمصداقيتها الفنية". وتضيف: "قد يكون من أسباب تعلق المشاهد بتلك النوعية من الأعمال الرغبة في الهروب من الواقع إلى عالم آخر، حيث تتيح هذه الأعمال للجمهور فرصة العيش في عوالم مختلفة وأزمنة لم يعاصرها، فيمكنهم استكشاف فترات زمنية لم يعاصروها أو خيالات لم يختبروها, هذا الهروب يقدم شعورا بالانتعاش والفرار من مشكلات الحياة اليومية، مما يجعل هذه الأعمال ملاذا ممتعا وملهما, وكلما كانت تلك الفترة مليئة بالأحداث - حتى وإن كانت بعض تلك الأحداث مختلقة - تزداد جاذبيتها, لكن الأهم إتقان العمل الفني, فالمصداقية التي تجذب المشاهد وتثير شهيته للمتابعة دون ملل، وتحفز فضوله لاكتشاف المزيد من المفاجأت المدهشة". وتختتم خيرية كلامها بالقول: "عملية إنتاج عناصر الإبهار والإثارة لها شروط, فالعمل يحتاج إلى خيال خصب ودراسة عميقة لتوظيف عناصر فنية هامة مثل الموسيقى التصويرية، الأزياء، والديكور, هذه العناصر ليست فقط أدوات ترفيهية، بل عوامل أساسية تساهم في غمر المشاهد في أجواء الفترة الزمنية, حتى يتحقق نوع من (المغناطيسية الكيميائية) التي تصنع تفاعلا قويا بين الجمهور والشخصيات, من هنا، يمكن أن يكون العمل سببا مفاجئا في شهرة الممثل ونجاحه، ليصبح علامة بارزة في مسيرته الفنية من خلال تجسيد شخصية متكاملة، مقنعة ومثيرة". اقرأ أيضا: «للأسف بطل العمل»| رسالة تامر عبد المنعم ل أحمد حاتم بعد نجاح «عمر افندي»