زار مصر مؤخرا المؤرخ الأمريكي كايل جون أندرسون أستاذ التاريخ المشارك بجامعة ولاية نيويورك بالولايات المتحدةالأمريكية، الحاصل على الدكتوراة عام 2017 عن موضوع «فرقة العمال المصرية» ويتناول التجنيد الإجبارى للعمال المصريين فى الجيش البريطانى خلال الحرب العالمية الأولى، وقد صدرت الرسالة فى كتاب قام المجلس القومى للترجمة فى مصر بنقله إلى العربية تحت عنوان «فرقة العمال المصرية.. العرق والفضاء والمكان فى الحرب العالمية الأولى» م ترجمة د. شكرى مجاهد ومحمد صلاح علي، وقد أقيمت عدة ندوات فى مصر لمناقشة الكتاب بحضور كايل وقامت «الأخبار» بمحاورته أثناء وجوده فى القاهرة. ◄ المصالح الدولية سبب تناقض ردود الفعل تجاه ما يحدث فى أوكرانياوفلسطين ◄ دراساتي تهتم بالفلاحين والعمال المصريين ◄ الأحداث فى غزة نموذج صارخ لاختلال المعايير ◄ ما منبع اهتمامك المبكر بتاريخ مصر وتاريخ الشرق الأوسط؟ - اردت دراسة اللغة العربية بعد أحداث 11 سبتمبر وكنت فى الرابعة عشرة من عمرى ولاحظت أن هناك جهلا كبيرا فى أمريكا والنظرة العنصرية وتعميم للعداء للمسلمين جميعا، وكانت الحرب فى العراق وأفغانستان فى ظل مناخ الكراهية للإسلام، رغم أنهم ليست لهم علاقة بأحداث سبتمبر، فشعرت باحتياج الأمريكان لدراسة وتعليم اللغة العربية. وقد قرأت عدة كتب تاريخية فى عمر مبكر منها «تاريخ الأممالمتحدة للشعوب» لهورث زيم، الذى لا يركز على النخبة، لكن يركز على الناس المهمشين، قرأت هذا الكتاب وأنا فى المدرسة الثانوية وتفتحت مداركى على اتجاه مختلف، ورأيت أن المسلمين مهمشون فى النظام العالمى فى الغرب، ثم جئت مصر عام 2008 كنت طالبا جامعيا وكان هناك برنامج للدراسة بالخارج ووقتها كنت أدرس اللغة العربية وبرنامج مصر الوحيد الموجود فى العالم العربى وجئت مصر وأحببتها ثم سافرت إلى لبنان وسوريا، وحين تخرجت عام 2009 وبعد يناير كان العالم أنظاره متجهة إلى مصر، وكنت واحدا من الناس الذين يتابعون الأحداث على الشاشات وقررت أن أكمل دراستى فى الدكتوراة متخصصا فى تاريخ الشرق الأوسط الحديث والمعاصر. ◄ هناك دراسة لك عن الإصلاح الزراعي في عهد عبد الناصر سبقت دراستك لموضوع العمال المصريين.. ما منبع اهتمامك بالفلاحين المصريين تحديدا؟ - كنت أريد التركيز على تاريخ مصر فى العصر الحديث وكنت مهتما بالفلاحين بالطبع، بدأ الأمر حين كنت فى زيارتى الأولى لمصر مسافرا فى القطار من القاهرة إلى أسوان أقرأ كتابا تاريخيا وشعرت بأن الناس فى طريقى، خارج القطار، فى القرى على الطريق، لم يكونوا ممثلين فى الكتاب، بل فى أغلب الكتب التاريخية. هناك فارق بين هؤلاء الفلاحين وبين النخبة فى الكتب التاريخية وهذا سبب اختيار الاصلاح الزراعى موضوع البحث الخاص للحصول على درجة البكالوريوس ثم العمال فى الدكتوراة. ◄ أشرت إلى أثر ثورتى 2011 و2013 على رؤيتك.. كيف كان ذلك وكيف يمكن الربط بينهما وبين ثورة 1919 مركز دراستك؟ - رجعت مصر فى صيف 2012 و2013 وكنت موجودا فى أحداث يونيو وتعلمت الكثير من أهمها أن الثورة أمر معقد، حين نتحدث عن ثورة 1919 كانت هناك تيارات متعددة أيضا فلم تكن هناك نخبة فقط، بل إن الأمر بدأ بتمرد العمال المصريين. ◄ من وجهة نظرك، لماذا تمرد العمال المصريون الذين تم تجنيدهم في الجيش البريطاني في الحرب العالمية الأولى؟ ما المختلف بينهم وبين العمال من الجنسيات الأخرى؟ - المظاهرات التى حدثت من العمال المصريين عددها أكبر من أى تمرد آخر. كانت هناك فرقة العمال الصينية والهندية ومن جنوب إفريقيا لكن لم تشهد مظاهرات كثيرة ربما عمال جامايكا قاموا بتمرد ما، أغلب التمرد كان فى أوروبا تحديدا فرنسا وليس فى فلسطين، وسبب من الأسباب الأساسية الفصل بين المصريين والأهالى. الرجل الأبيض شعر بأنه فى مستوى أعلى من المصريين وفى فرنسا كانوا مستعبدين أيضا. ◄ ما الذي جعلك تعتقد أن تمرد الفلاحين ضد التجنيد الإجبارى للعمال فى القرى كان من إرهاصات ثورة 1919؟ - المظاهرات فى الأرياف بداية موجة ثورية، كان فى المدن أحزاب وحركة مدنية ومظاهرات للطلاب، سعد زغلول ورجال الوفد لم يكونوا فى تلك المظاهرات، الحزب الوطنى القديم كان راديكاليا، الفلاحون فى الأرياف لا يعرفون معلومات عما يحدث فى القاهرة والإسكندرية، وبداية المظاهرات فى الأرياف كانت ضد تجنيد العمال المصريين، فى الأرشيف البريطانى 35 تقريرا عن مظاهرات عنيفة، خصوصا فى أسيوط حيث كان مركز الأحداث العنيفة التى حدثت فى ثورة 1919. هناك ضابط إنجليزى كان مسئولا عن التجنيد فى الصعيد وقتل على يد المتظاهرين فى ثورة 1919. هذه الأحداث عملية تاريخية بدأت من المظاهرات ضد التجنيد واستمرت حتى 1919 فهى موجة ثورية مختلفة عن المدن وتشكيل الوفد. ◄ تحدثت كثيرا عن عنصرية الغرب تجاه المسلمين وعنصرية الرجل الأبيض بشكل عام فى القرن التاسع عشر، ألا تجد أن الأمر ما زال قائما ويمكنه أن يوصف ما يحدث فى الشرق الأوسط؟ - العنصرية مازالت موجودة والأحداث فى غزة وفى فلسطين تمثي نموذجا صارخا لها ولاختلال المعايير وهو ما بدي أكثر وضوحا وعنصرية بعد 11 سبتمبر رغم أن معظم المسلمين ليست لهم علاقة بالموضوع لكن الغرب يعتقد أن الحرب على كل المسلمين، نتعامل معهم كعنصر وليس كأفراد، يعتبر أن لديهم جذورا موروثة من أجدادهم. ◄ هل يمكن أن تكون العنصرية سببا لتناقض ردود الفعل بين ما يحدث في أوكرانيا وما يحدث في غزة؟ - إلى جانب التحالفات السياسية والمصالح الدولية أعتقد أن جزءا من سبب تناقض ردود الفعل بين ما حدث فى أوكرانياوفلسطين هو العنصرية، لكن أيضا التحالف السياسى بين أمريكا وإسرائيل من جهة والحرب الباردة مع روسيا من جهة أخرى، هناك سبب سياسى وسبب عنصري. ◄ اقرأ أيضًا | توقع جميع رؤساء أمريكا منذ 40 عامًا| مؤرخ يتنبأ بنتائج الانتخابات الأمريكة 2024 ◄ هل هناك في المستقبل أفق لتغيير تلك المعادلات؟ - أنا أحيانا متشائم وأحيانا متفائل، ومنبع تفاؤلى لأننا مازلنا نرى المظاهرات الطلابية فى الجامعات الأمريكية التى تدل على أن الشباب أفضل منا، والعنصرية هناك حركات سياسية ضدها، لكن من جهة أخرى أرى ما يحدث الآن فى الانتخابات الأمريكية وكيف أنه ليس هناك بديل ثالث، نظام قديم ومحافظ فى أمريكا غير مناسب للتغيرات فى الرأى العام الأمريكي. عندنا فقط حزبان متنافسان ولا مفر منهما. كأستاذ وككاتب أحاول تعليم الناس عن العنصرية وعندى طلاب فى الجامعة لو حاسس أنى متفائل فهو بفضلهم لأنهم مَن يملكون المستقبل وإيجاد الحلول لإيجاد نظام جديد.