أشاد الباحث والمؤرخ الأمريكى، كايل أندرسون، بكتاب الدكتور محمد أبو الغار «الفيلق المصرى.. جريمة اختطاف نص مليون مصرى» والصادر عن دار الشروق أوائل هذا العام، والذى لاقى ترحيبا كبيرا من كبار الكتّاب والباحثين، إذ شهد هذا الكتاب منذ صدوره صدى واسعًا جدًا فى أوساط القراء والكتّاب والنقاد، واحتل الأفضل مبيعا. وللباحث الأمريكى أندرسون الذى يشيد بكتاب أبو الغار كتابا يحمل عنوان «فيلق العمل المصرى» أو «The Egyptian Labor Corps» صدر عن «دار نشر جامعة تكساس» فى الرابع عشر من ديسمبر عام 2021 والذى يتناول من خلاله واقعة مهمة فى التاريخ المصرى الحديث؛ ألا وهى واقعة تجنيد الإمبراطورية البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى لنصف مليون شاب مصرى معظمهم من ريف مصر للعمل بالسخرة فى أوروبا والشرق الأوسط فيما عرف باسم «الفيلق المصرى». وتعد الواقعة التاريخية دليلًا دامغًا على تراجع السلطات البريطانية عن وعدها بعدم جر المصريين إلى الحرب، وكما أوضح «أندرسون» فإن الكثيرين فى مصر كانوا ينظرون إلى فيلق العمل المصرى على أنه شكل من أشكال العبودية، وقد سعى من خلال كتابه تسليط الضوء على تفاصيل قصة هؤلاء الشباب المصريين التى غفلت عنها معظم كتب التاريخ، وأيضًا على تبعات ذلك الأمر على تفاعلهم مع المجتمع المصرى، والدور الأساسى الذى لعبوه فى ثورة 1919 المصرية. ولجأ «أندرسون» إلى الجمع بين مصادر أرشيفية فى أربع دول من أجل كتابة الكتاب الذى استكشف عبر صفحاته دور بريطانيا العظمى فى مصر خلال تلك الفترة، ونشأة فيلق العمل المصرى، بالإضافة إلى التجارب والمصاعب التى تحملها هؤلاء الرجال فى تلك الحقبة المشحونة بالصراعات من التاريخ الإنسانى. وكشف «أندرسون» عن الكيفية التى بدأ بها القوميون المصريون التعبير عن حالة الغضب تلك التى انتابتهم لرؤيتهم أبناء بلدهم يُساقون إلى أغلال العبودية وذلك من خلال الفن والموسيقى والمسرح واللجوء للدين وأحيانًا من خلال المخدرات أو الإضرابات أو حركات التمرد، وقد أدرك المصريون حينها أنهم يواجهون شبحًا جديدًا من أشباح الاستعمار؛ ألا وهو شبح العنصرية والتمييز الطبقى ضدهم بسبب لون بشرتهم الداكن المختلف عن العِرق الأبيض. وأعرب «أندرسون» مؤخرًا عبر صفحته على «الفيسبوك» عن سعادته بتأثير كتابه الجديد على التدوين التاريخى لوقائع الحرب العالمية الأولى وثورة 1919 المصرية، كما توجّه بالشكر للكاتب المصرى «أبو الغار» لتسليطه الضوء على القصة الحقيقية لفيلق العمل المصرى، ونشر الوعى للمهتمين بالقراءة فى هذا الموضوع ومعرفة المزيد عنه. جدير بالذكر أن «أندرسون» يعمل كأستاذ مساعد فى جامعة ولاية نيويورك فى «أولد ويستبرى» حيث يقوم بتدريس البكالوريوس والدراسات العليا حول الشرق الأوسط الحديث والتاريخ الإسلامى وتاريخ العالم، وهو متحدث جيد للغة العربية، ويقوم كل من مجلس أبحاث العلوم الاجتماعية (SSRC) ومركز الأبحاث الأمريكى فى مصر (ARCE) بتمويل أبحاثه. وفى كتاب «الفيلق المصرى» للدكتور محمد أبو الغار نتعرف على أن بريطانيا طلبت من الحكومة المصرية خلال الحرب العالمية الأولى إصدار أوامرها إلى مأمورى المراكز بالقبض على شباب الفلاحين من الجوامع والبيوت وربطهم بالحبال وترحيلهم قسرًا مع الجيش البريطانى إلى عدة مناطق ودول متنوعة كسيناءوفلسطين وسوريا ولبنان والعراق وتركيا وجزر اليونان وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا من أجل القيام بأعمال خدمية شاقة ذات طابع لوجيستى لصالح الإمبراطورية البريطانية؛ مثل بناء خطوط السكك الحديدية وتحميل وتفريغ السفن وغيرها. وكان عدد الفلاحين وقتها ممن تم أخذهم إلى السفر حوالى 530 ألف فلاح من أصل تعداد مصر وقتها البالغ 12 مليون مصرى فقط، وكشف «أبو الغار» أن الفلاحين كان يتم إجبارهم على الاستحمام والتطهير أولًا وتناول تطعيمات ضد الفيروسات والبكتيريا ثم أخذهم لنقاط تجمع للسفر خارج مصر، وقد تم إرسال معظم العمال إلى ألمانيا وفرنسا وبريطانياوألمانيا وبلجيكا ويونان وسوريا والعراق، بينما ذهب حوالى 179 ألف فلاح فقط إلى فلسطينوسيناء. وكان الفلاحون يرفضون السفر فى البداية، فلجأت الحكومة البريطانية إلى الضغط على المندوب السامى البريطانى فى مصر من أجل إشراك رئيس الوزراء وقتها «رشدى باشا» فى إقناع الفلاحين بالسفر، وبدأت أبواق الدعاية فى الترويج للسفر بين العمال المصريين عن طريق تزييف الحقائق وإغراء الفلاحين بمكاسب وهمية، وقد قدرت يومية العامل وقتها بقيمة تتراوح بين 5 إلى 6 قروش، وقامت الحكومة البريطانية بوضع خطط فى كل المديريات لجلب الفلاحين بالإكراه وإجبارهم على السفر، مما أثار مشاعر الحقد والكراهية من الفلاحين تجاه العديد من العمد ومديرى المراكز بالأقاليم المصرية. وكان لذلك الأمر تبعات كارثية على الاقتصاد المصرى؛ حيث لقى حوالى 50 ألف فلاح مصرعهم فى الغربة أى ما يعادل 10% من فلاحى مصر وقتها، وبسبب غياب الفلاحين عن الأرض نقص المحصول وارتفع ثمن السلع الغذائية فحدثت المجاعات فى بعض المناطق فى مصر. وقد أوضح «أبو الغار» من خلال كتابه أن سوء معاملة الإنجليز للفلاحين وضربهم وإهانتهم وإجبارهم على الالتحاق بفيلق العمل أدى إلى حالة غضب عارمة ظهرت من خلال بعض الانتفاضات فى مناطق متعددة عام 1918 ثم سريعًا ما تحولت تلك الجذوة إلى نيران ثورة حقيقية انضمت مع ثورة المدن المصرية تحت قيادة الزعيم الثورى سعد زغلول عام 1919، وهى الثورة التى أثمرت عن إلغاء الحماية البريطانية على مصر وإقرار العمل بالدستور المصرى وإقامة البرلمان المصرى وطرد المستشارين البريطانيين من البلاد. وقد أشار «أبو الغار» فى السابق إلى أنه قرأ مذكرات أحد الظباط الإنجليز ذوى الشأن وجذب انتباهه الخطابات التى أرسلها للوزارات وأصدقائه وأسرته فى إنجلترا مبينًا أن الخطابات يعود عمرها إلى أكثر من 100 عام، وقال إنه لجأ إلى الاستعانة بأدوات تكبير وإضاءة معينة لفك شفرات الخطابات بسبب حالة الحبر المتردية بفعل الزمن، كما استعان بقواميس متخصصة لاختلاف اللغة الإنجليزية فى ذلك العصر عن الدارجة اليوم. كما أشار «أبو الغار» لوجود فيلق آخر يسمى «فيلق الجمال» حيث كانت قوات الاحتلال تقوم باتباع نفس النهج من التوظيف القسرى مع الجمال وأصحابها مستعملة إياها كوسائل نقل للفلاحين والمعدات إلى سيناءوفلسطين مقابل يومية زهيدة لا تتعدى ال 8 قروش يوميًا.