في ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في أوروبا، يسلط تقرير حديث الضوء على الوضع المقلق للقوات المسلحة الألمانية (البوندسفير)، إذ كشفت دراسة أجراها معهد كيل للاقتصاد العالمي، وهو أحد أبرز مراكز الفكر الاقتصادية في ألمانيا، عن فجوة كبيرة في قدرات الجيش الألماني العسكرية بين نظيره الروسي، مما يثير تساؤلات جدية حول جاهزية برلين لمواجهة أي تهديدات محتملة في المستقبل القريب. تراجع حاد في القدرات العسكرية الألمانية يشير التقرير إلى انخفاض ملحوظ في عدد المعدات العسكرية الرئيسية للجيش الألماني مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عقدين، إذ انخفض عدد الطائرات القتالية إلى النصف، بينما تراجع عدد الدبابات القتالية من حوالي 2,400 إلى 339 دبابة فقط، والأكثر إثارة للقلق هو أن ألمانيا لم تعد تمتلك سوى 12 نظامًا للدفاع الجوي. هذا التراجع في القدرات العسكرية يأتي على الرغم من إعلان المستشار الألماني أولاف شولتز عن ما أسماه ب "نقطة تحول تاريخية" (Zeitenwende) في عام 2022، حيث تم الكشف عن خطة بقيمة 100 مليار يورو لتحديث القوات المسلحة. بطء عملية التحديث وقصور في الإنفاق الدفاعي يؤكد رئيس معهد كيل للاقتصاد العالمي، موريتز شولاريك، أن "نقطة التحول التاريخية" التي أعلن عنها شولتز "أثبتت حتى الآن أنها مجرد خطاب فارغ، وينتقد التقرير نظام المشتريات الدفاعية في ألمانيا، واصفًا إياه بأنه "بطيء للغاية ومكلف". وفقًا للتقديرات الواردة في الدراسة، سيستغرق الأمر أكثر من عقد في المتوسط لكي تعود ألمانيا حتى إلى مستوياتها العسكرية لعام 2004، أما فيما يتعلق بالمدفعية، فقد يتطلب الأمر ما يقرب من قرن كامل. تأثير المساعدات العسكرية لأوكرانيا يشير التقرير إلى أن ألمانيا "بالكاد تتمكن من استبدال الأسلحة" التي تتبرع بها لأوكرانيا في ظل الصراع الدائر مع روسيا، وقد أدى هذا الدعم العسكري المستمر إلى انخفاض حاد في مخزونات البوندسفير من أنظمة الدفاع الجوي والمدافع الهاوتزر. في هذا السياق، أفادت وكالة رويترز في وقت سابق من هذا العام أن برلين تخطط لخفض هذه المساعدات إلى النصف بحلول عام 2025 لمعالجة العجز في الميزانية الفيدرالية. مقارنة مقلقة مع القدرات العسكرية الروسية يحذر معهد كيل للاقتصاد العالمي من أن الوضع الحالي يجعل ألمانيا غير قادرة على مجاراة روسيا في حالة نشوب صراع محتمل. وتشير تقديرات المعهد إلى أن روسيا قد تكون قادرة على "إنتاج ما يعادل الترسانة الكاملة للبوندسفير في غضون ما يزيد قليلاً عن نصف عام". كما يلفت التقرير الانتباه إلى قدرة القوات الروسية على إطلاق حوالي 10,000 قذيفة مدفعية وصاروخ يوميًا دون القلق من نفاد الذخيرة. في المقابل، إذا حاولت ألمانيا الحفاظ على معدل إطلاق نار مماثل، فإنها ستستنفد "إنتاج الذخيرة لعام كامل في غضون 70 يومًا فقط". دعوات لتعزيز القدرات العسكرية الألمانية في ضوء هذه النتائج المقلقة، دعا كبار المسؤولين الألمان مرارًا إلى ضرورة الاستعداد لاحتمال نشوب صراع مباشر بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو). وفي يونيو الماضي، صرح وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس بأن البلاد "يجب أن تكون مستعدة للحرب بحلول عام 2029". الموقف الروسي من التصريحات الألمانية من جانبها، نفت موسكو مرارًا هذه المزاعم. وفي يونيو الماضي، وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التقارير عن خطط روسية مزعومة لمهاجمة الناتو بأنها "هراء" و"غير منطقية"، متسائلاً: "هل فقدوا عقولهم تمامًا؟"