من الصعب القول إنها حسمت أمر كل الأصوات الانتخابية المترددة فى ست ولايات أمريكية رغم أن الرئيس الأمريكى ترامب وصف مناظرته مع كاملا هاريس التى تعد السابعة له بأنها أنجح مناظرة خاضها، إلا أن منافسته الديمقراطية وضعته طوال التسعين دقيقة التى استغرقتها المناظرة فى موقف الدفاع عن نفسه، حينما بادارته بالهجوم الحاد، بدءًا من نعته بالكاذب، ومرورًا باتهامه بتهديد الأمن القومى الأمريكى وتخريب الديمقراطية الأمريكية، وحتى النيل من مكانة أمريكا فى العالم التى رأى قادة فيه أنه عار على أمريكا!. وقد بدا أن هاريس قد استجابت لنصيحة هيلارى كلينتون والتى تقضى باستفزاز ترامب خلال المناظرة بالهجوم عليه ليخرج عن تركيزه ويتفرغ لرد الهجوم الذى يتعرض له.. فمنذ بداية المناظرة لفتت هاريس انتباه من يتابعونها إلى أنهم سوف يسمعون مجموعة أكاذيب من ترامب. وطوال المناظرة حاصرت هاريس ترامب بالهجوم المستمر الذى لجأ إلى تكثيف هجومه على الرئيس الأمريكى الحالى بايدن للنيل منها باعتبارها نائبته، وهو ما جعلها تذكره أنه لا ينافس فى الانتخابات بايدن وإنما ينافسها الآن، ولعل هذا ما لم يكن يتمناه ترامب، وعبر عن ذلك فى تصريحات علنية بعد انسحاب بايدن من المنافسة الانتخابية!. وإذا كانت حملة ترامب الانتخابية قد روجت إلى أن مرشحها قد كسب المناظرة فإن ترامب ذاته قد اتهم المذيعين اللذين قاما بإدارتها بأنهما كانا منحازين ضده وهو أمر يشى بعدم رضائه عن مجريات المنظارة التى قدمت هاريس نفسها خلالها بأنها تمثل المستقبل الذى تزدهر فيه الطبقة المتوسطة اقتصاديا، وترامب يمثل الماضى المنحاز للأغنياء ورجال الأعمال الكبار، ولم يشغلها الهجوم الممنهج على ترامب عن تعريف الناخبين بنفسها بعد أن أوضحت استطلاعات الرأى قبل المناظرة أن كثيرًا من الناخبين، خاصة المترددين لا يعرفونها بما يكفى لمنحها أصواتهم فى الانتخابات التى دارت عجلتها بالفعل بإرسال بعد أيام بطاقات الانتخابات البريدية للناخبين فى بعض الولايات. ورغم ذلك فقد طلبت حملة هاريس تنظيم مناظرة ثانية لها مع ترامب الشهر المقبل أملا فى أن تتمكن من أن تجهز عليه انتخابيًا، لأن محللين يرون أن ذلك لم تظفر به فى المناظرة السابقة رغم أنها أدت بشكل إيجابى خلالها.. غير أن حملة ترامب لم تبد موافقتها وإن كانت قد قالت إنها سوف تدرس الأمر، وفى ذات الوقت أعلنت أن طلب حملة هاريس بتنظيم ندوة ثانية مع ترامب يشير إلى شعورها بأنها خسرت المناظرة الأولى، وهو ما يتناقض عما عبر عنه الرئيس الديمقراطى الأسبق أوباما الذى أشاد فى تصريح له بأداء هاريس فى تلك المناظرة وقال إنها نجحت فى تقديم نفسها للناخبين. وبغض النظر عن الجدل حول من كسب تلك المناظرة التى انتظرها كثيرون فى أمريكا وخارجها بشغف كبير وترقب زائد، فإنه من الصعب القول إنها حسمت أمر كل الأصوات الانتخابية المترددة فى ست ولايات أمريكية، وهى التى باتت تتحكم فى اختيار ساكن البيت الأبيض فى كل مرة تجرى فيها انتخابات رئاسية فى أمريكا.. فإن الكتلة الجمهورية تمنح أصواتها تلقائيا للمرشح الجمهورى، وذات الشىء يحدث مع المرشح الديمقراطى أيضًا، ويبقى الحسم فى نتيجة الانتخابات للأصوات المترددة دومًا، وهو ما يُبين أن الديمقراطية الأمريكية باتت تمثل ديمقراطية الأقلية، فمن يختار الرئيس الأمريكى هى الأقلية وليست الأغلبية كما هو مفترض أو مفهوم فى النظم الديمقراطية، رغم أن هذه الأقلية تنتمى إلى ولايات غير كبيرة وعددها ليس كبيرًا!.. وحتى الآن لم تحزم كل الأصوات المترددة أمرها وتقرر لمن تمنح أصواتها، خاصة وأن بينها قطاعات من الناخبين تتحفظ على كل من ترامب الذى خبرته وهو رئيس من قبل وهاريس التى شاركت بايدن الحكم نائبة له وبالتالى تشاركه إخفاقاته أيضا وأهمها بالنسبة للناخبين الأمريكيين اندلاع التضخم الذى يأكل الدخول الحقيقية ويخفض مستوى معيشة أبناء الطبقة المتوسطة.. ولعله ذات الموقف الذى يتبناه كثير من العرب. فهم إزاء مرشح قال إنه سيعمل على زيادة مساحة إسرائيل لأنها صغيرة من وجهة نظره، ومرشحة أعلنت التزامها بالدفاع عن إسرائيل وأكدت ذلك فى المناظرة مع ترامب. وإذا كانت تلك المناظرة التى ترقبها كثيرون لم تحسم الفائز بعد بأصوات المترددين، إلا أن الواضح فيها أن هاريس قد انتقمت لبايدن من ترامب الذى تسببت مناظرتهما فى انسحاب الأول من حلبة المنافسة الانتخابية مكرهًا وترشيح الديمقراطيين هاريس بدلًا منه!.