أثار موقف الرئيس فلاديمير بوتين خلال زيارته لأذربيجان حول حق الأخيرة فى امتلاك ممرّ برى يربط بين العاصمة وإقليم نخجوان، وحديث وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف عن عدم التزام أرمينيا تنفيذ اتفاق المعابر والممرات الذى تم الاتفاق عليه بعد حرب 2020 بين باكو ويريفان، غضب إيران التى رأت فى هذا الموقف «طعنة» روسية فى خاصرتها الشمالية لأن هذا الموقف يأتى فى مرحلة من أكثر المراحل تعقيداً. وقد وجهت إيران الثلاثاء الماضى تحذيرا لروسيا، حليفتها الجيوسياسية الرئيسية، ضد أى محاولات لتغيير الخريطة الجيوسياسية فى منطقة القوقاز، ووفقا لتقرير على موقعها الرسمي، نقلت وزارة الخارجية الإيرانية الرسالة للسفير الروسى فى طهران، أليكسى ديدوف، وذلك بحسب موقع المونيتور. ولكن التقرير لم يصف التفاعل بأنه استدعاء بل «اجتماع» ترأسه مجتبى داميرجيلو، مدير الشئون الأوراسية بالوزارة. وأكد داميرجيلو معارضة طهران القوية للتغييرات فى الحدود المعترف بها دوليا فى القوقاز. وجاءت الرسائل الدبلوماسية فى طهران بعد أسبوعين من زيارة الرئيس بوتن إلى باكو، حيث جلس مع نظيره الأذربيجانى إلهام علييف، للتأكيد على مشاركة موسكو فى المشهد الجيوسياسى المتغير فى المنطقة، بما فى ذلك ممر زانجيزور المثير للجدل. وتعارض طهران هذا الممر لأنه سيحدث تغييرات جيوسياسية على الحدود والمنطقة وأعلنت أنه لا ينبغى لموسكو أن تتوقع أبدا اللجوء لفكرة ممر زانجيزور من أجل تسوية النزاعات مع أرمينيا.. وأن إنشاء هذا الممر سوف يعنى إغلاق إحدى بوابات إيران لأوروبا، وسيؤدى لتقليص عدد جيران إيران من 15 إلى 14 دولة. وبحسب مفهوم «العلاقات الاستراتيجية» الذى تسعى إليه إيرانوروسيا، فإن مثل هذه التحركات التكتيكية تتناقض مع أسس الشراكات الاستراتيجية. حيث نصحت روسيا بتجنب اتخاذ إجراءات من شأنها الإضرار بالعلاقات الاستراتيجية بين موسكووطهران، لأن فكرة ممر زانجيزور من شأنها أن تخلق بؤرة اشتعال جديدة بالقرب من الحدود الدقيقة للغاية لشمال غرب إيران. ممر زانجيزور هو شريط برى يبلغ طوله 40 كيلومترا، يمر عبر منطقة «زانجيزور» الأرمنية، ويربط أذربيجان بإقليم نخجوان المتمتع بالحكم الذاتي، التابع لأذربيجان إداريا، والمنفصل عنها جغرافيا. وتحوَّل ممر زانجيزور إلى واحد من أكثر القضايا الخلافية بين أرمينياوأذربيجان منذ حربهما عام 2020، إذ تتهم أذربيجانأرمينيا بالتنصُّل من التزاماتها وفق الاتفاق المبرم بينهما، وتهدد بفتح الممر بالقوة، وامتد الصراع ليشمل دولا إقليمية أخرى مثل تركياوإيرانوروسيا. ويربط الممر الاستراتيجى المقترح أذربيجان بجيبها نخجوان، ثم بتركيا. ولكن إيران، التى تشعر بقلق عميق إزاء هذا المشروع، ترى أن ممر زانجيزور قد يقطع روابطها البرية المباشرة مع أرمينيا، الأمر الذى يفرض مخاطر جيوسياسية واقتصادية هائلة على مصالح طهران. لفت ممر زانجيزور انتباه العديد من أصحاب المصالح المتضاربة. فبالنسبة لأذربيجان وحليفتها تركيا، يمثل الممر نعمة اقتصادية فريدة من نوعها، حيث يعزز الاتصال والتجارة. وهو أكثر أهمية بالنسبة لروسيا، حيث تحتفظ بقوات حفظ السلام فى ناجورنو قرة باغ كما تجد روسيا فى جنوب القوقاز منطقة رئيسية لنفوذها الطموح. ورغم الحديث العلنى عن المشروع، فقد كانت طهران تدير علاقاتها مع جميع الجهات الفاعلة بعناية، فى محاولة لموازنة علاقاتها التاريخية مع أرمينيا فى مقابل شراكاتها المعقدة مع كل من روسياوأذربيجان. كانت روسيا حليفاً وثيقاً لإيران فى العقود الأخيرة، حيث نمت الشراكة بسرعة فى سياق الحرب الدائرة فى أوكرانيا. كما وقفت الدولتان على جبهة مشتركة لمواجهة النفوذ الغربى فى الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن التطورات الدقيقة فى القوقاز وضعت علاقاتهما على المحك. فقد أثارت العلاقات الوثيقة بين موسكو وباكو واستعدادها الواضح للترويج للممر مؤخراً تساؤلات من جانب المتشككين فى روسيا فى طهران حول النوايا الحقيقية للكرملين فى علاقاته مع الجمهورية الإسلامية. مع تصاعد الاحتكاكات حول ممر زانجيزور، تسلط التفاعلات الدبلوماسية بين إيرانوروسيا الضوء على الشبكة المعقدة من التحالفات والمنافسات فى القوقاز. بالنسبة لإيران، فإن الحفاظ على وصولها إلى أرمينيا ومقاومة أى إعادة رسم خرائط أحادية الجانب يشكلان مسألة ذات أهمية استراتيجية. ومع انخراط قوى إقليمية مثل روسياوتركيا بشكل مكثف، تظل القوقاز مرتعًا للمناورات الجيوسياسية، حيث تتقاطع مصالح اللاعبين الرئيسيين وتتعارض فى كثير من الأحيان. تحذير إيرانلروسيا، حليفتها فى العديد من السياقات الجيوسياسية، يشير للتوترات الخفية فى علاقتهما. ويعكس تصميم طهران الواضح على دفع وحماية مصالحها فى رقعة الشطرنج الإقليمية المتزايدة التعقيد حيث كانت تسعى فى السنوات الأخيرة لترسيخ موطئ قدم لها وهو الطموح الذى قد لا تكون موسكو مستعدة للتسامح معه.