خبراء نفس:أنانية وجريمة .. والداعون لها يعانون من التفكك الأسرى والضغوط عماد: لن أتحمل مسئولية الأطفال .. ومريم: لا أجد بداخلى مشاعر الأمومة «إن المصير الفاجع الذى كُتِب على البشر يعذبنى تعذيبًا شديدًا، لأننى أنا نفسى واحدٌ من هؤلاء الأشقياء البؤساء» مقولة للفيلسوف الروسى فيودور دوستويفسكي، يبدو أنها باتت أشد قناعات البعض فى وقتنا الحالي، الذين اجتمعوا على قرار واحد حتى وإن اختلفت الأسباب، لديهم قناعة أن الحياة هى المعاناة والألم، ويرون فى الإنجاب تكرار للمتاعب التى مروا بها، وأن الطفل بالنسبة إليهم، هو ضيف غير مرغوب فيه وليس فى مقدورهم تحمل مسئوليته وتربيته بشكل سوى أو حمايته من المخاطر المحيطة به، يرحبون بفكرة تبنى الأطفال المشردين أو الأيتام وذلك بدلأ من إنجاب أطفال جدد حتى مع عدم وجود أسباب تمنع الحمل، إنها فلسفة «اللاإنجابية» التى أصبح البعض يؤمن بها ويؤيد هذه الفكرة. لذا حرصت «الأخبار» على الاستماع إلى بعض اللاإنجابيون لمعرفة أسبابهم وأهدافهم وكذلك التعرف على موقف المجتمع والمتخصصين من هذا التوجه الذى اعتنقه البعض. فى البداية يقول أحمد جمال، 28 سنة، أنه اتجه على اللاإنجابية منذ أن كان فى المرحلة الثانوية، حيث شعر بعدم رغبته فى تحمل مسؤولية طفل يعانى من جديد مثل معاناته فى هذه الحياة وظروفها الصعبة بكل ما بها من آلام وتحديات ورغبة فى وقف المعاناة، ولا يفصح لأحد عن هذه الفكرة بل يحتفظ بها داخله حتى لا يتعرض للهجوم والانتقاد ممن حوله سواء عائلته أو أصدقائه وكذلك المجتمع الذى لن يرحم رغبته فى عدم الإنجاب، فاختار أن يكون هذا الأمر سرًا تجنبًا أيضًا لخوض المزيد من النقاشات التى يرى أنها لن تغير رأيه. التبنى أفضل كنت بفكر ليه أخلف وأكرر دورة من الحياة أنا نفسى آسف مش حابب انى اكررها تاني» هكذا يقول يوسف توفيق، البالغ من العمر 25 عامًا، وأنه لم يكن يعرف أن هناك ما يدعى «لا إنجابية» وذلك حتى عام 2016، حين عرف ما هى فلسفة اللاإنجابية لكنه قرر عدم إعلان ذلك على الملأ أمام المجتمع واكتفى بإخبار أسرته أنه لن يأتى لهم بأحفاد وأنه يعلم أن هذا الأمر غريب بالنسبة إليهم وأثر ذلك على ثقتهم فى قراراته وإن كان سوى نفسيًا أم لا. وأضاف يوسف أنه يتمنى أن يكون لديه المقدرة النفسية والمادية التى تمكنه من تبنى أو كفالة طفل يساعده على مقاومة صعوبات الحياة ومن أجل ألا يصبح وحيدًا فى هذه الدنيا وهذا أفضل. اقرأ أيضًا| مأذون شرعي يوضح حيلة زواج القاصرات بنظام «عقود الصغار» منذ المرحلة الإعدادية تحديدًا فى عامها الأول، شعرت مريم كريم، 35 عامًا وغير متزوجة، أنها ليس لديها رغبة فى الحلم بالأمومة وتكوين أسرة أو تحمل مسئولية تربية إنسان آخر، تمسك مريم بهذا القرار جاء أيضًا رغم إبلاغها أسرتها التى أصابها الصدمة بعدما علموا أن ابنتهم لا تريد الإنجاب وأنها لا تشعر بأى غريزة أمومة داخلها. تقول مريم أن قرار عدم الإنجاب قرار شخصى بحت، وأن عائلتها مثلهم مثل جميع الأسر قابلوا هذا القرار بالنقد الشديد والاعتراض مستشهدين بكل الثوابت الدينية والاجتماعية ولكنهم استسلموا لهذه الرغبة مع مرور الوقت بعدما تأكدوا أنى لن اتراجع فى قرار عدم الإنجاب، وقررت مريم عدم إخبار أحد إلا للأشخاص المتفهمين فقط لأسبابها الشخصية. الحياة ظالمة أما عماد ابراهيم، 35 عامًا، غير متزوج، فيقول أنه منذ صغره شعر أنه لا يريد تلك الحياة بكل ما فيها من ظلم وشرور وقبح وأمراض وأوبئة وجرائم وكوارث طبيعية وفقر وتلوث، يشعر أن تلك الحياة هى عقاب، وأن الدنيا هى حرب لا يريد خوضها، بل يحاول البحث جاهدًا عن سبل للترفيه والتخفيف عن صعوبة الأيام، الهوايات والأنشطة والأهداف ماهى إلا وسائل لهو مؤقتة عن الكثير من الصعاب. وأضاف عماد أنه يرى الأنانية فى إنجاب أطفال يعانون المزيد من ويلات الحياة التى يقابلها رغبة فى العزوة والونس ورغبة فى وريث لقب العائلة أو من يحمله فى العجز، لذلك قرر عدم الإنجاب والحفاظ على «ابنه الذى لن يسمح له بالحضور لهذه الدنيا» على حد تعبيره لحمايته من شرور هذه الدنيا بما فيها من سلبيات، وأن هذه النتيجة جاءت بعدما فضل عدم الصدام مع المجتمع الذى لن يتقبل فكرة رفض الإنجاب التى تعد أحد أهم ثوابته وفضّل عدم الإفصاح عن رأيه فى مسألة الإنجاب بل ويرحب بفكرة التبنى للأطفال لتخفيف معاناتهم من الوحدة واليتم والفقر وعلى الرغم من تشجيعه هذه الفكرة إلا أن عماد يظن أنه لن يتبنى أى أطفال لأنه غير مؤهل لتحمل المسئولية. يقول د. وليد هندي، استشارى الصحة النفسية، اللاإنجابية تعنى رفض إحضار مواليد جدد إلى الحياة بإرادة الإنسان وهى مختلفة تمامًا عن العقم، وهى فكرة فلسفية قديمة من تعاليم «بوذا» الذى تناول اللإنجابية وهناك الكثير من الفلاسفة تناولوا الفكرة مثل عمر الخيام وأبو علاء المعرى وبيت الشعر الشهير المكتوب على قبره «هذا ما جناه عليّ أبي.. وما جنيت على أحد، وهى تقوم على أن الإنجاب هى جريمة عظمى تتمثل فى إحضار شخص للحياة رغمًا عن إرادته، وأن من وجهة نظر الشخص اللا إنجابى فكوكب الأرض مكان غير صالح للحياة لما فيه من أوبئة وحروب وأمراض ومعاناة وغيرها. وأضاف هندى أن أصحاب هذه الفكرة يرون أنه لا ضمانة للمولود بسلامته الصحية والجسدية والنفسية فمن الممكن أن يأتى للحياة حاملا للمرض أو لإعاقة يظل يعانى منها طوال الحياة، فالرغبات والغرائز منفصلة عن إحضار مولود جديد للحياة لا ذنب له فى هذه الحياة العبثية من وجهة نظره-، فغالبا يأتى حامل هذه الفكرة من بيئة مفككة ويعانى من الإنفصال ونتاج أب وأم نرجسيين الشخصية ولديهم أنانية وكل أولوياتهم لرغباتهم وإهمال هذا الطفل فى الطفولة أو نتاج قسوة زائدة فبالتالى يكره وجود جيل جديد يعانون مثله فى الطفولة. وأوضح استشارى الصحة النفسية أن اللاإنجابيون يعانون من اضطراب الهوية لأنهم مفتقدين للهوية العربية الشرقية والهوية الدينية فهم خارجون عن المنظومة ولديهم تشوش فكرى وصراع فى الأفكار فيسعى لإثبات ذاته من خلال فكرة جديدة ينضم إليها آخرون، وأحيانًا يتسم بالوهن وعدم القدرة على مواجهة الضغوط وضعف الصلابة النفسية، فهو إنسان انسحابى لديه شعور بالكآبة النفسية فهم الأكثر عرضة للانتحار مقارنة من أقرانهم ولديهم خبرات فشل اجتماعى وعاطفى وأسرى ودراسى وأحيانًا يكون بعضهم يحمل كره للوالدين فيرغب فى قطع نسلهم وعدم استمتاعهم بالذرية. سلسلة الألم أما د. جمال فرويز، استشارى الطب النفسي، يوضح أن فكرة عدم الإنجاب عن عمد كانت منتشرة فى أوروبا الشرقية فهى فى الأساس فكر غربى وبدأ انتشاره فى الدول العربية ومن بينها مصر، ويتجهون إلى تبنى أطفال ليسوا فى عمر الرضاعة بل فى عمر 5 سنوات أو أكبر، فهم يخشون تحمل المسئولية بسبب معاناة وظروف أسرية مروا بها جعلتهم يعتقدون أنهم يوقفون سلسلة الألم التى تعرضوا لها.. وأضاف فرويز أن هذه الشخصية تصنف عصابية وسواسية لأنها دائما تشعر بالخوف من المستقبل ومن المواجهة بسبب تعرضهم لضغوط على مدار حياتهم، وكل منهم تختلف ظروفه وأسبابه وقناعاته عن الآخر ولكنهم يحتاجون إلى من يتحدث معهم ويستمع إليهم. مناقض للدين يقول د. أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، أن هذا الفكر مخالف للشريعة الإسلامية فهناك سنن لله كونية منها التناسل المشروع بين بنى آدم لأنه خليفة الله فى أرضه وعليه إعمارها، وتكوين أسرة هو الأساس فهى كيان لكل فرد فيها حقوق وواجبات والإنجاب حق من حقوق الزوجة على زوجها والعكس.. وأضاف أستاذ الفقه أن قطع النسل مناقض للشريعة وهو مبدأ فاسد ودفع المفاسد مقدم على جلب المصالح، فهذا الاتجاه مناقض للدين فما أدى إلى الحرام فهو حرام.