من يتحمل المسئولية القانونية عن محتوى الذكاء الاصطناعى ،الذى قد يرتكب جرائم السب والقذف والتزوير والانتحال ؟ من أين تأتى شركات الذكاء الاصطناعى التوليدى بالمعلومات والصور التى تبهرنا ، وتقدم من خلالها اجابات على كل الاسئلة التى نطرحها ؟ انها باختصار تحصل على البيانات من ملايين المصادر والمراجع ، والتى تشمل الكتب والأبحاث والمقالات المنشورة والأعمال الموسيقية والصور والرسوم والأفلام ، وأى بيانات أخرى متاحة على الانترنت، وتكون هذه المصادر محمية بموجب حقوق الطبع والنشر وبراءة الاختراع. كما تحتوى على طلبات صريحة بعدم استخدامها من دون الحصول على موافقة أو تصريح من المؤلف أو الناشر. والمفارقة أن نماذج وتطبيقات الذكاء الاصطناعى تحتاج الى كميات هائلة من البيانات ، فالمزيد من البيانات يعنى نماذج ذات أداء أفضل، لكن شركات الذكاء الاصطناعى لاتحترم غالبا هذه الحقوق ولاتدفع للمؤلفين أو المبدعين أو الصحفيين مقابل مالى . وعلى سبيل المثال استخدام OpenAI لأكثر من 290 ألف عنوان من «مكتبات الويب الظلية» التى تستضيف نسخًا غير قانونية ( مقرصنة ) من الكتب المحمية بحقوق الطبع والنشر، وهو سلوك مخالف للقوانين وغير أخلاقى ، خاصة إذا ما قورن باطلاق جوجال لمكتبة ضخمة دفعت فيها 400 مليون دولار لتحويل 25 مليون كتاب إلى صيغة رقمية أو ما يقرب من 16 دولارًا لكل كتاب. من هنا تتهم نماذج وتطبيقات الذكاء الاصطناعى بانتهاك حقوق الملكية الفكرية ، وقد رفع مئات المبدعين والمؤلفين قضايا تطالب بالتعويض المالى ، وتنظر المحاكم الأمريكية والاوروبية فى هذه القضايا ، وتدفع شركات الذكاء الاصطناعى عن نفسها بالقول إنها استخدمت البيانات فى إطار ما يعرف بالاستخدام العادل ، ويقصد به السماح باستخدام المواد المحمية بحقوق الطبع والنشر دون إذن أو تصريح، بغرض استخدامها فى النقد والتعليق والتقارير الإخبارية والتدريس والبحث ، وفى هذا السياق ترى الشركات انها تستخدم المواد المحمية بحقوق الطبع والنشر لتدريب برامج الذكاء الاصطناعى ، ولا تضر بسوق الأعمال الأصلية ، وهى اشكالية معقدة تطرح لأول مرة ، حيث لا يمكن تحديد الفروق بين الاستخدام العادل وبين انتهاك حقوق الملكية . لذلك صدرت أحكام قضائية ايدت حقوق المؤلفين وألزمت شركات الذكاء الاصطناعى بدفع تعويضات وغرامات واتهمتها بالانتحال والتزوير والتلاعب بالبيانات ، وأحكام اخرى أكدت ان الذكاء الاصطناعى لم يتجاوز حدود الاستخدام العادل . وتطرح هذه الاشكالية الكبرى تحديات قانونية ومعرفية كثيرة ، لعل أهمها : 1- ان عدم حصول المؤلفين والمبدعين على حقوقهم المالية يعرقل عملية التأليف والإبداع الإنسانى ، وقد يفتح الطريق لسيادة التأليف الآلى عبر تطبيقات ونماذج الذكاء الاصطناعى ، والتى لم تثبت حتى اليوم قدرتها على الابداع ، وترجمة المشاعر الإنسانية إلى نصوص ورسوم وصور . 2- يحتاج تطوير نماذج الذكاء الاصطناعى إلى البيانات الضخمة ، وبالتالى فإن عدم اتاحة البيانات المشمولة بالحماية الفكرية سيعرقل من تطور الذكاء الاصطناعى ، والسؤال : هل سيكون الحل فى الاعتماد على مصادر البيانات غير المشمولة بالحماية القانونية والتى نشرت قبل عشرات السنين ، وهل تكفى هذه البيانات التى صار أغلبها قديما . 3- مع تزايد قدرة الذكاء الاصطناعي، وخاصة التوليدي، على إنتاج مخرجات ومؤلفات تبدو كما لو كانت من صنع الإنسان، أثار البعض فكرة ان المخرجات التى يولدها الذكاء الاصطناعى يجب أن تحظى بحماية حقوق الطبع والنشر وبراءات الاختراع!! على نفس الأساس الذى يتمتع به المؤلفون والمخترعون البشر ، خاصة إذا حققت عنصر الإبداع أو الابتكار . لكن المشكلة هنا أن قوانين حقوق الطبع والنشر وبراءات الاختراع ، التى صدرت قبل ظهور الذكاء الاصطناعى ، تحدد هوية المؤلف أو المخترع، وتفترض دائما أن يكون المؤلف أو المخترع إنسانًا. 4- نظرا لعدم وجود شخصية اعتبارية للذكاء الاصطناعى ، فإن هناك اشكالية تتعلق بالمسؤلية القانونية عن المحتوى الذى ينتجه ، والذى قد يسيء للبعض أو يرتكب جرائم السب والقذف والتزوير والانتحال أو ينشر معلومات مضللة .. والسؤال :من يتحمل مسؤلية هذه المخالفات والجرائم ، هل الشركات التى تمتلك وتدير تطبيقات الذكاء الاصطناعى أم المبرمجين ، أم المنصات ومزودى الخدمات . فى الأخير ، أعتقد ان هذه التحديات تحتاج إلى تطوير القوانين حول العالم لتنظيم مجالات عمل الذكاء الاصطناعى وحماية الملكية الفكرية ، كما تحتاج شركات الذكاء الاصطناعى إلى فهم الحدود الأخلاقية والقانونية لما تقوم به ، وأن تلتزم بالشفافية وبمواثيق أخلاقية ، مع ضرورة أن تدفع للصحفيين والمؤلفين والمبدعين حقوقهم ، لاسيما وانها تبيع خدماتها الآن للجمهور وتربح أموالا طائلة ، من المتوقع أن تتضاعف فى السنوات القليلة القادمة .