أطماع إسرائيل فى العودة والسيطرة على محور فيلادلفيا ليست وليدة اليوم، ولا نتاج عملية طوفان الأقصى عاد محور «صلاح الدين» فيلادلفيا، ليتصدر الأحداث المهمة ويشكل هو ومحور نتساريم، ومعبر رفح؛ لب العقبة الحالية التى تتعثر أمامها مفاوضات صفقة وقف القتال فى غزة وتبادل الرهائن والأسرى، بجوار بعض التفاصيل الخلافية الأخرى. ليعلن نتانياهو بكل صلف أن: «محور فيلادلفيا يجب أن يكون فى أيدينا ويجب إغلاقه. ومن الواضح أن أى ترتيب آخر لن يضمن نزع السلاح الذى نريده». مفهوم بالطبع إن السيطرة الإسرائيلية على محور فيلادلفيا ستؤدى فى الواقع إلى قطع قطاع غزة عن اتصاله البرى مع مصر والعالم العربى بأكمله، وستسمح باستكمال تطويق القطاع وعزله. كما أن التوسعة التى أجرتها قوات الاحتلال لمحور نتساريم الذى يشطر قطاع غزة إلى شطرين من شأنها عزل شمال القطاع عن وسطه وجنوبه والحيلولة دون عودة مواطنى الشمال إلى بيوتهم. من الضرورى الإشارة إلى أن أطماع إسرائيل فى العودة والسيطرة على محور فيلادلفيا ليست وليدة اليوم، ولا نتاج عملية طوفان الأقصى. وقد اعتادت مصر على التعامل مع هذه الأطماع منذ أن انسحب منه الجيش الإسرائيلى قبل أكثر من 18 عاما كجزء من خطة فك الارتباط. من ذلك الوقت، وهناك محاولات إسرائيلية متكررة للانسحاب من الاتفاق الموقع مع مصر عام 2005 بشأن ترتيبات المحور وكأن تل أبيب تبدى ندمها على ترك قطاع غزة. تم إنشاء محور فيلادلفيا فى أوائل عام 1982، وهو محور يبلغ طوله 15 كيلومترًا ويعمل بمثابة منطقة عازلة بين قطاع غزة ومصر، تزامنًا مع نقل شبه جزيرة سيناء إلى السيطرة المصرية. وحكمت إسرائيل على طول المحور حتى سبتمبر 2005. بعد وقت قصير من فك الارتباط عن المستوطنات المحيطة بغزة اتفقت مصر وإسرائيل على ترتيبات إدارة المحور التى سمحت لمصر بنشر 750 ضابطاً من نخبة حرس الحدود المصري، معززة بطائرات هليكوبتر وسفن، على طول محور فيلادلفيا بحيث يخضع الجزء الواقع بين ساحل غزة وكرم أبو سالم تحت السيطرة المصرية، ومنطقة رفح تحت سيطرة السلطة الفلسطينية. لكن فى 2007 ما لبثت تل أبيب أن أفصحت عن أطماعها المغلفة بادعاءات الخوف من حفر الأنفاق وكان رئيس الشاباك آنذاك، يوفال ديسكين هو من أطلق وصف «جحر أرانب كبير» على المحور، فيما يتعلق بالأنفاق التى يتم حفرها فى المنطقة»، وأضاف ديسكين أن المنظمات الفلسطينية تحفر باستمرار أنفاقًا من قطاع غزة باتجاه إسرائيل، والتى يمكن استخدامها لشن هجمات ضد قوات الجيش الإسرائيلى فى المستوطنات القريبة من السياج. من جانبها لم تأل مصر جهدًا فى دحض الذرائع الإسرائيلية من أجل العودة إلى المحور، وفى ديسمبر 2009 أقامت جدارًا فولاذيًا عميقًا فى الأرض يمنع حفر الأنفاق من رفح إلى قطاع غزة، إضافة إلى السور الحديدى الذى أقامته إسرائيل بارتفاع عشرة أمتار لمنع حفر الأنفاق، لكن خلال عملية «عامود السحاب» التى بدأت فى نوفمبر 2012، قصف الجيش الإسرائيلى محور فيلادلفيا والأنفاق الموجودة فيه، بحجة أنها تستخدم لتهريب الأسلحة. فى المفاوضات الجارية بدت ألاعيب نتانياهو واضحة كالشمس فهو لا يريد التوصل إلى اتفاق ويستخدم المفاوضات والاقتراحات المتبادلة ذهابا وإيابا لتمضية الوقت وحسب. وهو يناور كلاعب السيرك فى محاولة لتجاوز الخطوط الحمراء وقد أرسل عبر فريقه المفاوض اقتراحًا بحفر خنادق عبر المحاور التى تعبر نتساريم من الشمال إلى الجنوب بشكل لا يسمح بمرور المركبات، وتحويل المركبات التى تطلب العبور إلى الشرق، لكى تمرعلى الفحص ثم تدخل شمالاً. وهو يعلم سلفًا أن اقتراحه مرفوض، بل وتم رفضه قبل شهور.