مازال الفضاء عالمًا مليئًا بالأسرار والألغاز، كثير من أدباء الغرب متخصصون فى مجال روايات الخيال العلمى، حاولوا أن يفكوا شفراته، يبحثون عن أجابات لأسئلتهم مثل: هل يوجد حياة طبيعية فى الفضاء، هل يوجد كائنات أخرى تعيش فى كواكب أم أنها تعيش داخل مركبات فضائية، تلك الأعمال تفتح أفق خيال جديد للقارئ مثل روايات: «كوكب القرود» و«فضاء أوديسا 2011»، بينما خاض عدد قليل من الأدباء المصريين تجربة كتابة رواية عن عالم الفضاء مثل «لست وحدك» للأديب الكبير الراحل يوسف السباعى، والمجموعة القصصية «أنا والكائنات الفضائية» للأديب الكبير الرحل نهاد شريف وسلسلة روايات ملف المستقبل التى كتبها الأديب الكبير الراحل د.نبيل فاروق، عادت تجربة الكتابة عن الفضاء مرة أخرى على الساحة الأدبية المصرية، تحدثنا مع عدد من المبدعين حول هذه التجربة. يرى الأديب أحمد الصادق -الحائز على جائزة الدولة التشجيعية فى فرع رواية الخيال العلمى- أن الكتابة هى التى تحدد انجذابك لأمر ما أو عنصر ما من عناصر الكتابة، فإن كنت تكتب رواية تدور أحداثها فى الفضاء، فهذا فى الأغلب لم يكن من اختيارك أنت ككاتب، ولكنه النص هو الذى ساقك إلى الولوج فى عالم الفضاء، ويقول: روايتى «هيدرا» لم يكن فى حسبانى أن أدخل فى عالم الفضاء أبدًا وإنما كنت أريد أن يتم التركيز على الإنسان فى الأرض، ولكننا بما أننا فى الرواية نتحدث عن الخلود، والخلود يتطلب المضى قدمًا، فى المستقبل، والمضى قدمًا فى المستقبل يتطلب بحثًا عن إجابات تخص السؤال الوجودى، وفهم العالم والكون من حولنا، وبالتالى فالسفر فى الفضاء كان أمرًا مهمًا جدًا فى رواية تتحدث عن الخلود وتحاول الإجابة عن السؤال الوجودى.لا أرى أى مشكلة تواجه هذا النوع من الكتابة فى مصر أو فى أى مكان فى العالم على الإطلاق؛ فالكتابة بوجه عام تتعلق بالخيال، وتضافره مع المعلومات التى يلم بها الكاتب، بالإضافة إلى موهبة الكتابة فى حد ذاتها جنبًا إلى جنب مع التدريب المستمر على الكتابة، والكتابة الجادة. لا أظن أن الكتابة عن الفضاء فى رواية ما أمر ساذج أو غير مهم فى ذاته، وإنما القارئ هو الذى يضفى أهمية ما على النص الذى يقرؤه، ويساعده فى ذلك الكتابة نفسها. يرى الأديب باسم الخشن أن روايته «الوعاء الخاوي» كانت عوالم الخيال العلمى هى المكان الأنسب لطرح بعض الأسئلة الفلسفية التى يصعب غزلها فى حبكة أى نوعية كتابة مختلفة، ويقول: فحين وضعت سفينة أجيال فى قلب الحبكة (وهى فكرة أستخدمت عدة مرات فى روايات خيال علمى قديمة وأول من بلورها كان المهندس الأمريكى روبرت جادارد عام 1918 فى مقال له؛هى عبارة عن سفينة فضاء مجهزة للسفر لعدة قرون والهدف منها الوصول لأماكن فى الكون لا يستطيع الإنسان بعمره المحدود وسرعة ترحاله الوصول إليها، فتعتمد على توالى الأجيال على متنها حتى يصل للوجهة المرغوبة الجيل العاشر وربما المائة)، فبتلك الفكرة الأساسية نسأل عن ماذا بعد، حين تصل سفينة كتلك لوجهتها هل من سيخطو خارج الباب يمكن نعتهم بشرًا؟، حيث إن توالى الأجيال بعيدًا عن حضارة الأرض بالتأكيد ستؤدى لتغييرات حضارية ولغوية بل وفسيولوجية أيضًا لاختلاف ظروف الجاذبية والمناخ والغذاء، فالكوكب الذى سينتهى بهم المطاف عليه ربما سيصلح لأولئك الرحالة بعد تطور وتغير لكنه لن يكون فى الأغلب صالحًا لحياة من تركوا على الأرض، لقد صار الرحالة على سفينة الأجيال غرباء غير بشريين ونسأل هنا عما يجعلنا بشرًا هل ارتباطنا بالأرض أم عوامل أخرى؟. يتابع باسم حديثه: بينما المشاكل التى تواجه تلك الروايات هى صناع الأعمال نفسهم، فنجد أن برغم دعم الدولة لهذا النوع من الأدب فمنذ 3 أعوام فازت رواية (هيدرا) بجائزة الدولة التشجيعية، لكن بعض الكتاب يجدون أن مسخ بعض التيمات الأمريكية ووضعها فى كتابات مكررة هو المدخل لهذا العالم بالطبع تاريخ الخيال العلمى يمتد منذ كتابة مارى شيلى لرواية فرانكنشتاين، ويحمل فى طياته الكثير والكثير، فربما لو حاول بعض الكتاب التعمق أكثر فى المحتوى المقروء أكثر من المرئى سيجدون أن هناك نبعًا من الأفكار بداخلهم يمكن طرحها بشكل روايات خيال علمى وربما نظريات جامحة تتحول لنظريات علمية فى المستقبل يعكف الأديب أحمد سمير سعد حاليًا بالفعل على كتابة رواية تدور أحداثها فى الفضاء، ويقول: كثيرة هى الروايات الأجنبية التى انتهجت ذلك النهج، بعضها يلتزم بالحقائق العلمية، فنجد أحداثه تدور على سطح القمر أو المريخ أو كواكب قريبة، تستطيع التقنيات الحالية الوصول لها، بما لا يتعارض مع قوانين الفيزياء. إلا أن بعضها الآخر يشطح بخياله أكثر، فيتخيل فيزياء جديدة، يمكن فيها السفر بسرعة الضوء أو الانتقال آنيًا أو السباحة عبر ثقوب دودية، تحتاج من أجل بنائها إلى كتل سالبة، تعرفها النماذج الرياضية لكن احتمالات العثور عليها فى الواقع صغيرة بشكل لا يمكن تخيله. تتخيل تلك الروايات حضارة بشرية فى المستقبل امتلكت القدرة على احتلال أغلب المجرة، كما فى رائعة أزيموف القاعدة. أشار ميتشيو كاكو الفيزيائى وعالِم المستقبليات فى أحد كتبه إلى أن احتلال المجرة أمر ممكن من دون كسر لقوانين الفيزياء القائمة وحد سرعة الضوء الذى لا نستطيع تجاوزه والذى يجعلنا بالرغم من كل شىء غير قادرين على الابتعاد كثيرًا فى الكون الفسيح، أشار إلى أن ذلك قد يكون ممكنًا عن طريق القفز من كوكب إلى الآخر، بمعنى أن يستعمر البشر كوكبًا ثم الذى يليه وهكذا لا يحتاجون إلى الانطلاق من النقطة التى بدأوا منها بل ينطلقون فى كل مرة من النقطة التى انتهوا إليها. فى الحقيقة، تشغل علماء المستقبليات حاليًا أفكار تتعلق بجعل القمر مركزًا لانطلاق رحلات الفضاء، فهو يحمل مميزات خاصة على رأسها انخفاض جاذبيته وبالتالى عدم الحاجة إلى الكثير من الوقود من أجل الهروب من سطحه. يفكر كل مشغول برواية عن الفضاء بهذه الأمور إلا أن الأهم العثور على حبكة مختلفة وأسلوب ونكهة خاصة. أصيب الكتاب ببعض الإحباط بعد مرور خمسين عامًا على الوصول إلى القمر من دون أن يصل البشر إلى أقرب جرم تال، المريخ. وصلت المركبات الآلية إلى حدود المجموعة الشمسية إلا أن البشر أنفسهم لم يبتعدوا كثيرًا. غير أن الصعوبات التى تواجه الكتاب العرب أكبر من هذا الإحباط، فعليهم أن يتغلبوا على إحباط مجتمع لا يُقَدِّر العلوم بما يكفى، كما يرى قراؤه أن روايات الخيال العلمى روايات للتسلية، لا تحمل مقومات الأدب الجاد وحِرَفيته. يرى الناقد الكبير د. حسين حمودة، أن الروايات التى ترتبط بعالم الفضاء يمكن أن تكون جزءًا من ظاهرة روايات الخيال العلمى، ويقول: صارت هذه النوعية من الأعمال فى تزايد على الساحة الأدبية المصرية، بالرغم من انتشارها إلا إنها لا تزال ظاهرة محدودة بالقياس بحضورها الكبير وميراثها الممتد فى الأدب الغربى، ربما يرتبط ذلك بمدى اهتمام الغرب بالعلم منذ زمن بعيد. كما تحتاج هذه الروايات إلى نوعية خاصة من المتلقين، أصبح العلم جزءًا أساسيًا من تكوينهم. على كل حال فهذه الظاهرة الآن فى تزايد فى الساحة الأدبية المصرية، وأتصور أنه سوف يستمر فى التزايد لأسباب كثيرة تتعلق بتزايد الاهتمام بالعلم والوسائط الحديثة التى تتيح الحصول على المعرفة العلمية بوجه عام.