ربما تكون قرارات التأميم التى تبنتها ثورة الضباط الأحرار فيما بعد قيامها عام 1952 من أكثر الإجراءات التى أثارت جدلاً مستمراً حتى اليوم، فبينما يعتبرها المحدثون ممن اعتادوا أخذ الأمور بخفة اعتماداً على كلام متواتر أطلقه المتضررون من هذه القرارات، استلاباً لأموال الناس من الماليين الكبار، ويرجعون إليها أسباب انهيار الزراعة وفشل الصناعة فى مصر، يرى فيها رجال الزمن نفسه من أبناء الشعب عوام المصريين وحتى من خبراء الاقتصاد المحايدين العالميين، قرارات مصيرية وجوبية لم يكن أمام ثورة يوليو التى شرعت فى بناء البلاد قدرتها الذاتية «الاقتصادية» الضامنة لتحول اجتماعى حقيقى ينتشل أغلبية الشعب من الفقر والعوز ويضمن لهم مصادر الكسب و«العسكرية» الكافلة لاستقلال القرار الوطنى سوى اتخاذها.. امتثالاً لآراء الخبراء المدنيين الذين استعان بهم الأحرار لإدارة البلاد سعت الثورة ومنذ البداية لتشجيع رؤوس الأموال محلية وأجنبية على الاستثمار فى قطاع الصناعة الذى كانت تعول عليه للنهوض باقتصاد البلاد وفتح آفاق فرص العمل، لكن كل هذه المساعى بما فيها القوانين التحفيزية لجذب الاستثمار الأجنبى لم تسفر حتى عام 1961 عن إضافة أكثر من 8 ملايين جنيه من الأموال الأجنبية فى مشروعات استهلاكية كان شرط إقامتها تحويل كامل أرباحها إلى خارج البلاد وهو ما كان يعنى نزح أموال مصر لصالح المستثمر الأجنبى أما رجال المال المصريون فأحجموا عن الاستثمار فى الصناعات الحيوية التى تبنتها الثورة سواء عن طريق الاستثمار الفردى أو الدخول فى شراكات مع الدولة.. كان موقف الاقتصاد سنوات ما بعد الثورة هشاً جداً لا يسمح بإحداث أى تحولات اجتماعية و بالتأكيد لا يكفل لرجال الثورة مهمتهم الأولى وهى بناء جيش قوى قادر على حماية أراضى البلاد وضمان استقلالها السياسى، و لهذا جرى الاتجاه للتأميم الذى انطلق بتأميم الشركات الأجنبية فى كل القطاعات من البترول وحتى الحلويات، وتأميم كل الأراضى المملوكة للأجانب وفى مرحلة لاحقة جرى تأميم الشركات و الأراضى الزراعية المملوكة لمصريين.