تنسج الأديبة والكاتبة الصحفية نوال مصطفى فى روايتها الجديدة «وكأنه الحب» عالما شائكا بين مدن عديدة شخصيات يربطها الحب وأخرى هزمها الحب، وهى روايتها الثالثة بين ثمانى مجموعات قصصية، وسبعة كتب بين الصحافة والسيرة، وجوائز عديدة أهمها جائزة الدولة للتفوق فى الأدب. تقدم نوال عنوانا خادعا، يحيل إلى قصة حب بطلتها المصرية «مليكة» وبطلها الإسباني «أنطونيو»، لكن الرواية بها خطوط أخرى لا تقل أهمية عن قصة الحب، وهو ما تعلق عليه «نوال» فى بداية حوارنا معها قائلة: لأن الحب يولد الآن في ظروف عصيبة، فى زمن تسيطر عليه الكراهية، والتعصب، ويسوده التطرف، والعنف، والإرهاب. الحب يولد هذه الأيام كالطفل المبتسر. نسألها: لماذا يبدو السؤال حول انهيار الحضارة العربية فى الأندلس حاضرا فى طول النص ومتوازيا مع صعود الإسلام السياسى فى مصر؟ تدور الرواية فى زمننا الحاضر، لكنها تتكئ على خلفية حكم العرب فى الأندلس الذى استمر على مدى سبعة قرون متواصلة، شهدت ازدهارا للفنون والعلم والمعرفة، نقلت إسبانيا من عصر الظلام، الضعف والتدهور، إلى عصر النهضة فى الأدب و العمارة، والفنون بمختلف أنواعها. فلماذا ذهب هذا المجد حينما سيطر التعصب، واشتدت الصراعات الدموية على السلطة؟، لماذا انهارت دولة العرب فى الأندلس، وتبددت معها أحلام العرب فى الاحتفاظ بتلك الحضارة الفريدة التى تأسست هناك؟. إنها رواية الأسئلة الصعبة التي تضع كلاً منا فى مواجهة مع نفسه، بحثا عن الإجابات الحقيقية بلا مواربة أو تجميل، هل نحن متسامحون حقا مع المختلفين عنا؟ هل نطبق فى الحياة والواقع ما ندعى نظريا أننا نؤمن به؟ لذلك لا يعجبني أن يتوقع البعض أنها رواية رومانسية، لأنها تحتمل أكثر من مستوى للقراءة والتلقي، فهي تتقاطع مع أحداث ومراحل عاشها المواطن العربي ولا يزال يكابد سواد العنف، وجنون التعصب. هل يمكن اعتبار «وكأنه الحب» رواية مكان تتعقب حضور الزمن، قديما وحديثا، داخل المدن، من مدريد وقرطبة وأشبيلية إلى القاهرة وأسوان كما عنونت الفصول؟ هذه الرواية مرت بظروف غريبة في كتابتها، ربما عاشت معى أحداثا مرت بحياتى الشخصية أدت إلى التوقف لفترات طويلة عن الكتابة، ثم العودة من جديد. كتبتها في عدة مسودات، وكلما توقفت، بدأت من جديد وكأننى أحمل حجر سيزيف، ما إن أقطع عدة خطوات صوب النهاية حتى ينزل الحجر إلى القاع. وأعاود الكرة! من أجلها سافرت إلى بلاد الأندلس، قرطبة، غرناطة، أشبيلية، طليطلة. تنفست رائحة الأجداد وأنا أتجول منبهرة بين جدران وأروقة قصور الحمراء، تحتضن عينى بحب حروف الكتابة الكوفية العربية بألوانها الأورجوانية الزاهية في الماسكيتا بقرطبة والكاثار فى أشبيلية. رأيت كيف يسوق الأسبان تلك المدن الأندلسية لتصبح الدجاجة التى تبيض ذهبا فى برامجهم السياحية، فلا تزال تلك الفترة بوهجها الثقافى والفكرى مصدر سحر وجاذبية للسائحين فى مختلف بلاد العالم، ورغم ذلك يمارس البعض أساليب المحو لتراثنا، بحذف أجزاء من قصص العرب المسلمين من كتالوجات المتاحف والمقاصد السياحية واستبدالها بقصص مختلقة، مزورة، تنسب كل هذه العظمة إلى الإسبان لا إلى العرب. فى النهاية هل تشعرين أن رؤيتك أو رسالتك التى تتجاوز المكان والزمان وأيضا الجنس والعقيدة قد وصلت لقارئك؟ «وكأنه الحب» رواية أردت من خلالها أن أوقظ مشاعر الإنسان أيا كانت جنسيته، دينه، أو معتقداته كى تنهض، وتستفيق من مستنقع الكراهية، وأن تمنح الحب أرضا جديدة، رحبة، تنمو فيها بذور الأمل فى الحياة، بعيدا عن الانغماس فى تقديس الموت. و أعتقد أن رسالتى قد وصلت عندما تصلنى آراء وتعليقات القراء على الرواية وهذا بالطبع يسعدنى جدا.