من المرجح أن يتقلص أعداد الصحفيين والإعلاميين لصالح الصحافة الآلية المعتمدة على الذكاء الاصطناعى. تواصل معى أصدقاء صحفيون وقراء كثيرون ، وطرحوا اسئلة مهمة حول ما أثاره مقالى الأسبوع الماضى من اشكاليات وتحديات تتعلق باحتمال هيمنة الذكاء الاصطناعى على كل خطوات العمل الصحفى والإعلامى ، وتأثير ذلك على أنسنة المحتوى وتفرده ، وعلى الصحافة المصرية ، وعلى مستقبل الصحفيين وطلبة كلية الإعلام ، وهل لن يجد شباب الصحفيين فرص عمل؟ وهل من بدائل أو حلول لمواجهة هذه التحديات التى ستفرض نفسها علينا بعد سنوات قليلة . وقبل محاولة الاجابة لابد من الإقرار بحقيقة أن طوفان تطبيقات الذكاء الاصطناعى لن يضرب الصحافة والإعلام فقط ، وانما سيشمل كل القطاعات عبر العالم. وسيؤدى إلى تحولات كبيرة فى كل الوظائف والمهن وعلى سبيل المثال: أولا: تغيير المعارف والمهارات المطلوبة لكثير من المهن، فالطبيب والصحفى والمهندس والمحامى والمحاسب والمدرس، كل منهم يجب أن يكون قادرا على التكيف لكى يتعلم ويطور قدراته ليصبح قادرا على استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى القيام بمهام عمله. ثانيا: القضاء على ملايين الوظائف والتخصصات أو تقليصها للحد الأدنى ، مثل المدرسين والمترجمين والصحفيين والمصممين وكتاب السيناريو ومنتجى المحتوى ومدخلى البيانات وموظفى الأرشيف والمراجعين والسائقين والمحللين الماليين والمسوقين عبر الهاتف وغيرهم . ثالثا: خلق وظائف جديدة وفرص عمل من نوعية جديدة لم تعرفها البشرية من قبل ، مثل مهندسى التعلم الآلى الذين يصممون ويطورون أنظمة الذكاء الاصطناعى والخوارزميات، والقيادة الذاتية ، ومدربى الذكاء الاصطناعى الذين يدربون أنظمة الذكاء الاصطناعى من خلال تزويدها بالبيانات وتحسين خوارزمياتها، والتأكد من أنها تؤدى مهام محددة بدقة ، والمهندسين والفنيين الذين يعملون على صيانة الروبوتات البرمجية . ووظائف مراقبة مستوى الاداء . فى المقابل سيظهر خبراء مراقبة أخلاقيات الذكاء الاصطناعى وضمان عدم تحيز تطبيقات الذكاء الاصطناعى والشفافية وعدم انتهاك خصوصية الأفراد . فى ضوء ما سبق ، ماهو مستقبل الصحفيين ؟ من المرجح أن يتقلص أعداد الصحفيين والإعلاميين لصالح الصحافة الآلية المعتمدة على الذكاء الاصطناعى ، ومن المؤكد ان الصحفيين عليهم ان يتعلموا كيف يمكن لهم العمل مع تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى الصحافة والإعلام ، وبالتالى عليهم أن يطوروا من قدراتهم بحيث يعملون ضمن فريق من مهندسى التعلم الآلى الذين يصممون ويشغلون انظمة الذكاء الاصطناعى والروبوتات ويعملون على صيانتها وتطويرها . والاشكالية هنا كيف يمكن للصحفيين فى ممارسة حريتهم فى العمل الصحفى الحر بعيدا عن قولبة الأفكار والاساليب التى ستلتزم بها الصحافة الآلية ، إن ضمان هذه الحقوق من شأنه ان يضمن التنوع والابتكار المستمر فى العمل الصحفى ، كما انه يضمن الشفافية والرقابة البشرية الواعية والقادرة دائما على التمرد على قيود الشركات العملاقة وأصحاب المال والسلطة فى المجتمع ، وأعتقد أن التجربة الناجحة لكتاب السيناريو فى هوليود عام 2023 فى التفاوض مع شركات الانتاج السينمائى يمكن ان تلهم الصحفيين عبر العالم ، كما قد تلهم العاملين فى مهن اخرى يهددها الذكاء الاصطناعى ، فقد نجح كتاب السيناريو بعد اضراب دام خمسة شهور فى الحفاظ على حقوقهم فى العمل الإبداعى وزيادة أجورهم ، وتحديد أدوار الذكاء الاصطناعى فى عملية الإبداع السينمائى . وعلى الأجيال الجديدة من المبدعين والصحفيين أن يتدربوا على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعى لإنشاء المحتوى، مثل الكتابة والموسيقى والفنون البصرية. وعلى كليات الإعلام أن تدمج تقنيات استخدام الذكاء الاصطناعى فى صناعة المحتوى ضمن مقرراتها ، لكى يتعلم الطلبة ويتدربوا على مهارات جديدة مثل انشاء محتوى يعتمد على المزج بين الواقع الفعلى والواقع الافتراضى (VR) وانشاء عوالم متعددة وتجارب غامرة Immersive Experiences باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى والعوالم الافتراضية. إن هذه المهارات ستضمن لهؤلاء الطلبة العمل فى قطاعات إعلامية جديدة واعدة ، فضلا عن تمكينهم من العمل فى مجال أخلاقيات إعلام الذكاء الاصطناعى ، وضمان شفافية وعدم تحيز خوارزميات الذكاء الاصطناعى وتنظيم استخدامها فى مجالات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى ، إذ ستحتاج الحكومات إلى تنظيم هذا المجال من أجل حماية المصلحة العامة. كما سيحتاج الجمهور لخدمات خريجى الإعلام للكشف عن المخاطر والفوائد المحتملة للمحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعى أو ما يعرف حاليا بالتعليم والتربية الإعلامية ، والتى تهدف الى تطوير مهارات الافراد على التلقى النقدى للمحتوى الإعلامى ، والتمييز بين الأخبار المزيفة والأخبار الصحيحة ، وبين المحتوى الذى ينتجه البشر، والمحتوى الذى تنتجه الروبوتات ، وبين الواقع الافتراضى والواقع الحقيقى.