كل الظروف تقول إن اتفاقًا لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس أصبح ممكنا.. ولكن مع وجود نتنياهو تبقى كل الاحتمالات واردة!! الأربعاء الماضى تم الإعلان عن تسليم «حماس» ردا على صياغة جديدة لمشروع الاتفاق، مع إشارات إسرائيلية بأن الرد إيجابى. ورغم أن الوزير الإرهابى سوميتريتش كان قد استبق ذلك بأن أى رد سترسله حماس لن يكون مقبولا، فإن وزير الدفاع «جالانت» أكد أن «الاتفاق لم يكن قريبًا كما هو الآن».. وهو ما ردده زعماء المعارضة وقيادات المظاهرات التى أصبحت تهدد بالإضراب العام وتحمل نتنياهو مسئولية استمرار الحرب رغم تأكيد المؤسسات العسكرية إنها وصلت لطريق مسدود. فى اليوم التالى كان لافتًا سرعة تحرك نتنياهو وإعلانه إرسال وفد التفاوض واتصاله بالرئيس الأمريكى لإبلاغه بالقرار. وكان واضحًا أن الترتيبات معدة مسبقا لاستئناف التفاوض فورا مع تأكيد أمريكى بأن التقارب فى وجهات النظر تحقق بالنسبة للمبادئ العامة للاتفاق، وأن التفاوض سيكون على التفاصيل التنفيذية.. وهى مهمة ليست سهلة مع وجود نتنياهو الذى لا حدود لتلاعبه! الجديد فى الموقف هنا هو أن الصياغة الجديدة لمشروع الاتفاق قد تجنبت فيما يبدو نقاط الاختلاف، وأن «حماس» قد قبلت بضمانات تكفل الانتقال من المرحلة الأولى للاتفاق للمراحل التالية مقابل عدم التمسك بالنص على الإنهاء الدائم للحرب فى هذه المرحلة. وقد يكون الرهان هنا على أن هدنة الستة أسابيع الأولى والبدء فى تبادل الأسرى سيدفع العملية للأمام.. خاصة مع وضوح موقف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية الذى يرى فى استمرار القتال استنزافا قاتلا لقدراته ومع ارتباط الموقف على الجبهة اللبنانية بوقف النار فى غزة، ومع تصاعد مظاهرات الاحتجاج ضد نتنياهو! ومع ذلك تبقى المخاطر قائمة، وتبقى قدرة نتنياهو على المراوغة وكسب الوقت تهدد أى فرصة للاتفاق، ويبقى استمرار الحرب هو وسيلته الوحيدة للبقاء فى الحكم، وفى اتصاله الهاتفى الأخير مع الرئيس بايدن أول أمس حرص نتنياهو على التأكيد بأن إسرائيل ستوقف الحرب ولكن بعد أن تحقق كل أهدافها!! وهو ما يشير- من ناحية- لإدراكه أن واشنطون- فى ظل الظروف الحالية- لا تملك أوراقًا كثيرة للضغط عليه، ويشير- من ناحية أخري- إلى جدية المخاوف من استمراره فى المراوغة وتركيزه فقط على المرحلة الأولى من الاتفاق لتهدئة الموقف الداخلى مع استعادة جزء من الرهائن، ثم الهروب إلى الحرب مرة أخرى! الشكوك فى نوايا نتنياهو هى هاجس الإسرائيليين أنفسهم قبل غيرهم. الحرب الطويلة بدأت نتائجها الوخيمة تظهر. الجيش منهك، والاقتصاد لا يحتمل، والانقسامات الداخلية تضرب المجتمع، وجنون الحرب يدفع نحو فتح المزيد من الجبهات، والحرب مع حزب الله ستكون حربا فى عمق إسرائيل، والخروج من غزة ضرورة استراتيجية لا مهرب منها فى النهاية. لكنه نتنياهو الذى يعرف جيدًا أن يوم تنتهى فيه الحرب هو يوم تنتهى فيه حياته السياسية ويبدأ الحساب العسير.. ولهذا تبقى كل الاحتمالات واردة!