كتبت: هويدا حمدي «إلى أرض مجهولة» حلقة جديدة فى سلسلة أوجاع إبداعات المخرج الفلسطينى الدانماركى مهدي فليفل، الذى تحمل أفلامه هموم وآلام اللاجئين والنازحين من فلسطين إلى أى أرض أو عنوان، لا يختلف الأمر، الجديد هنا فقط، أنه فيلمه الروائى الطويل الأول، بعد عدد من الأفلام التسجيلية والقصيرة التى نجحت فى رصد الواقع المر.. الفيلم الذي انطلق عرضه العالمي الأول فى مهرجان كان السابع والسبعين ضمن مسابقة نصف شهر مخرجين، تبدأ أحداثه بشابين هما شاتيلا ورضا، يراقبان سيدة وحيدة تجلس بجوارهما في أحد شوارع أثينا، بخدعة مشتركة يسرقان حقيبتها، ثم يكتشفان أنها سيدة فقيرة مثلهما، لا تملك إلا بضعة يوروهات، يأخذها شاتيلا ويضعها فى مخبأ خاص، نعرف بعد ذلك أنه يدخر المال للحصول على جوازات سفر مزورة له ولرضا، لينزحا مرة أخرى إلى أرض جديدة، ربما يجدان فيها حياة كالحياة..يجدهما صبى صغير مهاجر غير شرعي قادم من غزة، يخبرهما أن عمته بانتظاره فى إيطاليا ولديها المال اللازم لتهريبه إلى هناك، وهنا يظن شاتيلا أن الصبى ماهو إلا هدية من الله ستساعدهما على تحقيق حلم النزوح! يتابع المخرج حياة شاتيلا ورضا وثالثهما الصبى، يفعلون كل شىء وأى شىء كى يبقوا أحياء، سيستبيحون كل شىء، فلم يعد يربطهم بالحياة الآدمية سوى صوت ذويهم عبر التليفون. نجح المخرج فى تصوير الواقع اللاإنسانى الذى يعيشه اللاجئون فى رحلتهم المشروعة للبحث عن الحياة.. اختار فليفل مواقعه بذكاء، فلن ترى فى الفيلم أوروبا الجميلة فهى فى عيونهم ملجأ وسجن غريب، زوايا التصوير عكست رؤيته فى كل مشهد بما يناسبه، ما بين إحساس السجن ولو كان غرفة، أو بالغربة والضياع فى شوارع ليست لهم مهما اتسعت، حتى النهاية فى أوتوبيس ضخم لم نر فيه سواهم، فهم وحدهم إلى المجهول.. عيونهم الزائغة لا تحمل شرا حتى وهم يرتكبون جرائمهم، وإن كانت نظرات الصبى القادم من غزة ثابتة ثاقبة كلها أمل ولكن فى بلد مجهول أيضا، المونتاج وحركة الكاميرا السريعة بحساسية لافتة كانت السر فى الاحتفاظ بإيقاع رشيق ومثير رغم المواقف المتكررة.. لمهدى لغة سينمائية شديدة الواقعية وهنا لم نشعر باختلاف عن أفلامه التسجيلية، فهو ماهر فى رصد الواقع حتى ولو من نسج خياله، وفى السيناريو المكتوب بحرفية وحساسية بالغة لكل كلمة، اختار أن يعلق على الأحداث بقصيدة محمود درويش «لا مفرُّ» وقد حاصر أبطاله الجنون، ورغم المباشرة إلا أنها تناسب فيلما صنع للمقاومة فى ساحة المهرجانات. أدار مهدي ممثليه ببراعة شديدة، وكان جميعهم رائعا ومناسبا للشخصية التى يجسدها، محمد بكرى ومحمد غسان ومنذر رياحنة وانجيليكي بابوليا، أجاد الجميع لدرجة أننا بكينا معهم رغم أنهم ظاهريا مجرمون! قد تدينهم وتعرف لاجئين مثلهم اختاروا أو اختارت لهم حظوظهم أن يتكسبوا لقمة العيش من فرص عمل شاقة قد يرفضها سكان البلد الأصليون.. لكن فى كل الأحوال، مسئوليتهم أو جريمتهم ليست خيارهم الحر.