وصل الإفراط فى العبث قمة مداه عندما استطاع المهووسون بتقنيات الثورة الصناعية الرابعة ( المتأسسة على الرقمنة فائقة التطور وعلى الذكاء الاصطناعي) رسم ملامح ما سيؤول إليه كوكبنا البائس يوم قيام»الساعة»، مما يفتح الخيال»المصطنع» ليرصد قضايا «ما بعد البعث» ( الحساب- الثواب- العقاب- الجنة- النار) حتى يكون هؤلاء على بينة من أمرهم ولو افتراضياً!!. وتستمر الاختراقات المذهلة لثوابت ظلت محفوظة بحرمتها وقدسيتها منذ نشأة الخليقة. تتسع تلك الدائرة الجهنمية» الاصطناعية» لتغطى دلالة إيمان الفرد ذاته وعقيدته الدينية وقيمه المطلقة، إيذاناً» بالتشيؤ الإنساني»وغروب شمس رجال الدين والوصول إلى»مرحلة ما بعد الإنسانية». وبرغم تغلغل وجهه « المضيء»فى مجالات كثيرة، إلا أن الأب الروحى للذكاء الاصطناعي»جيفرى هينتون»الذى استقال قائلاً:» كلما تطورت التكنولوجيا، أصبح تدمير البشرية أقرب»متفقاً مع «مات كلينود»(مستشار رئيس الوزراء البريطانى للذكاء الاصطناعي) فى تعاظم قوة نظم ذلك»الذكاء»التى ستحصد الأرواح جراء هجمات الأسلحة الإلكترونية والبيولوجية.. فهل اخترعه الإنسان لينسف به نفسه؟..ربما، فالشواهد تؤكد وجهه «المظلم»: فناء البشرية عن بعد-إنتاج إجرامى للأسلحة الكيميائية- تجنيد الإرهابيين- نشر الكراهية والاستقطاب- أعمال الجريمة المنظمة-تقويض السلطة والإطاحة بالحكومات- التزييف العميق والتضليل الممنهج وصناعة وعى كاذب- تهديد فرص العمل-انتهاك حقوق الإنسان- إفساد التراث الحضارى والثقافي.إنها تحديات التطبيقات الخبيثة للذكاء الاصطناعى من«القرصنة» و«التشويش» و «فك التشفير» و«الاختراق» و«الاختلاق». بلغة الحرب التى تصعد بأمم وتهبط بأخرى، بات التسلح بالذكاء الاصطناعى تسابقاً مشهوداً قد يطورها نوعاً وزمناً وأداةً، خاصة وأن التفكير العالمى يتجه نحو تجنب مايترتب عليها من»إراقة الدماء»و»تلويث البيئة». فهل يجد المخططون الاستراتيجيون ضالتهم في» الحرب السيبرانية»باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي؟ ليشكل هذا» المزج»القنبلة الآمنة للحرب القادمة وما بعد القادمة!!. يزخر» الفضاء السيبراني»- الذى يطلق عليه»الذراع الرابعة للجيوش الحديثة»- بمكونات رقمية وشبكات وبرمجيات ومشغلين ومستخدمين، مما يستدعى القيام بإجراءات أمنية مشددة حفاظاً على»السرية»و»السلامة»و»الجاهزية»ضد الخروقات ( الفيروسات الرقمية- التلاعب- التخريب). ويتحقق»الردع السيبراني»من خلال طبقات حمائية ووقائية عديدة تثبت فى الأجهزة أو الشبكات أو البرامج والبيانات. الأمر معقد للغاية ويشمل: الشبكات- التطبيقات- المعلومات-التشغيل- التخزين السحابي- البنى التحتية.إنها استراتيجيات أمان سيبرانية هائلة، وإذا مادمجت بالتكنولوجيا سريعة الحركة للذكاء الاصطناعى ستطبق بصرامة فى المراقبة واكتشاف أنماط غير مألوفة تشير إلى هجمات محتملة، مما ينذر مبكراً بالانتهاكات وتحديد الثغرات ونقاط الضعف واتخاذ الاحتياطات اللازمة لمواجهتها بواسطة متدربين أكفاء.هكذا، فالحاجة ماسة إلى نماذج تنبؤية للهجوم السيبرانى المحتمل، وابتكار أساليب أمان مستحدثة بفضل قدرات الذكاء الاصطناعي. إن أخطر التهديدات على الأمن الجماعى الدولى والاستقرار العالمى هو تسريب البيانات الحساسة وتعطيل الأنظمة الإلكترونية»بالقنابل السيبرانية « الأشد فتكاً من تلك» النووية»لأنها تقوم بنفس المهام دون إنفجارات أوتداعيات بعيدة المدى أوعواقب وخيمة من دماء وقتل وتدميربيئي. إنها تضرب الخصم وتجمد مساراته الحياتية وقنواته الحكومية وتجعل الكيانات الحيوية (الإنترنت- شبكات الاتصالات- وسائل الإعلام- البنية الاقتصادية والإنتاجية- المستشفيات-محطات توليد الطاقة وخطوطا إمدادها) فى مرمى الاضطرابات الاجتماعية والفوضى العارمة والخسائر المليارية. فهل يتحول»الذكاء الاصطناعي»إلى»حارس أمين»على»الخزائن السيبرانية»أم إلى»حارس خائن»لقدرته على التحكم الذاتى وتفاعل خوارزمياته ويصبح العدو الأول لها؟؟. أستاذ بعلوم القاهرة المستشار الثقافى الأسبق بالمغرب