فى إحدى مراحل العمر المشغولة بالجمال والبساطة ستجد نفسك تسكب لغة عذبة صادقة لها مذاق العسل لكنها مشبعةٌ بالحزنِ العميق، الذى يملأ الشرايين يوقظ فى نفسك كلَّ المواجع شبحاً من الفراق، والوداع والاحباب يقفون فى طابور طويل، لنودِّعَهم أو نودِّع بعضَهم، أو يودِّعونا، أو يودِّعنا بعضُهم. اقف على قمة السنوات الثلاث والستين التي تكسو سفوحَها الذكريات السعيدة، والحزينة، اطل على عمرٍ مليء بالأحزان، التى تعتَّقت فى الذاكرة، وترسَّبت فى الأعماق .. فى لحظة نضجٌ وقلق آن أوان القلق، لنواري الحزن الدفين خلف أقنعة الطموح، والتجلد والشباب، والمسئولية والتجربة المديدة، التى أنجبت قناعاً من الشعور بانه لا فائدة من الشكوى لتمضى سنواتك وانت ترقب مواسم للحزن تكفلت بها الحياة. تمضى السنوات إلى عالم ساكن، متوجِّس تظن أنها غاية .. وانتهاء فلا يفجعك شيء .. وحين تحل عليك رياحين السنوات الستون بقلبك الرهيف، وتوجُّسِك القديم، وقلقك الذى لا ينتهى فتزجر نفسُك عن صبوات الشباب، وتذكِّرُها بأنها ولجَت مرحلةً جديدةً. لتحدث نفسك قائلا: اغمض جفنك من وقت لآخر .. هربت أيامُ الصِبا فهل كنتَ ستحبسها .. ابصر بعينيك اخفاقات السنين فلا تحلمْ بفاتنةٍ تمنحك الحياة كصحراء تحلم بحقل من الرياحين والورود. حين تتراكم المرارات عبر السنين، حتى تبلغ أرذل العمر .. مفصلٌ فى العمر، يَئنُّ له قلبُك الرهيف كن شجاعًا ولا تخف من الموت فهو آتٍ لا محالة فبهذا الرضا عليك أن تعيش وبهذا الرضا عليك أن تموت حين تموت .. فحياتك المكتظة بالحياة، المليئة بالذكريات المزدحمة بالناس .. العاصفة بالتجارب والأفكار لابد أن لها نهاية. كانك فى أجفانِ إعصارِ لا تمل من الأسفار .. ألم تتعب من مواجهة الخصوم والاعداء الذين يحاورونك بالحديد والنار .. ِفأينَ رفاقُ العمرِ؟ الذين لم يتبق منهم سوى ثمالةِ أيامٍ وليال وتذكارِ وعبرات؟ بينما تبقى منفرداً معلقاً غريباً..ستجد هذا الشعور المؤلم ينتابك وأنت ترى نجوم سمائك تتساقط من حولك.