دينا توفيق توترات سياسية ومعارك دائرة بلا هوادة من أجل الهيمنة والسيطرة على العالم.. مساعى التهدئة واهية مع إصرار الولاياتالمتحدة وحلفائها وإعلامهما على تأجيج الصراع، بنشر الأكاذيب وإخفاء الحقائق.. حرب بدأت باردة منذ سنوات بين الولاياتالمتحدةوروسيا لكسر هيمنة الأخيرة على سوق الغاز في أوروبا.. أزمات صنيعة أمريكية من أجل إنهاك الدب الروسى عسكريًا وحصاره اقتصاديًا وعزله؛ بداية من إشعال الحرب الأوكرانية ثم تفجير خطوط الغاز الروسى «نورد ستريم«، لخلق تباعد وفصل أوروبا عن روسيا وإلحاق الضرر بالقارة العجوز وجعلها أكثر اعتمادًا على واشنطن. هذا ما كشف عنه كبير الصحفيين الاستقصائيين «سيمور هيرش» مؤخرًا في تحقيق له، ما زاد من علامات الاستفهام ودعوة موسكو إلى جلسة خاصة لمجلس الأمن الدولى هذا الأسبوع لمناقشة التخريب. وسائل الإعلام الأمريكية السائدة، فى أسوأ أداء لها منذ غزو العراق، كانت بمثابة غرفة صدى لكل ما يختار البيت الأبيض تسريبه. لذا كان من المتوقع أن يتجاهل الإعلام التابع للحكومة الأمريكية تحقيق هيرش الصادر فى الثامن من فبراير الماضي. كان تحقيق الصحفى الأمريكى بعنوان «كيف استطاعت الولاياتالمتحدة تخريب خط أنابيب نورد ستريم» الذى وصفته صحيفة «نيويورك تايمز» بأنه لغز، لكن واشنطن نفذت عملية بحرية ظلت سرية حتى الآن. سرد هيرش فى تحقيقه الذى نشره على مدونته، بالتفاصيل كيفية الاستعدادات والتنفيذ من قبل مركز الغوص والإنقاذ بالبحرية الأمريكية ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA) بتنسيق وتحت إشراف البيت الأبيض، لتدمير خطوط أنابيب الغاز الروسية الأربعة فى بحر البلطيق نورد ستريم. ووفقًا لهيرش فإن ما حدث هو جريمة حرب وعمل إرهابى يجعل الولاياتالمتحدة أقرب بكثير إلى الصراع المسلح المباشر مع روسيا. ونظرًا لردود الفعل السياسية المحتملة، قد تكون قصة هيرش أهم فضيحة تظهر منذ بدء الحرب الأوكرانية العام الماضي، لكن البيت الأبيض يتجاهلها، والذى ينفى التقرير مع تعليق المتحدث باسم وكالة الاستخبارات المركزية «تامى ثورب» بأن «هذا خيال كاذب.» ويتضمن التحقيق قدرًا كبيرًا من المعلومات حول كل من التخطيط واتخاذ القرار السياسى الذى أدى إلى تدمير خط الأنابيب. لم يكن سرًا أن الكثيرين فى الإدارة الأمريكية اعتبروا منذ فترة طويلة خطوط نورد ستريم تهديدًا أمنيًا لأن إمداد ألمانيا بالغاز الطبيعى الرخيص نسبيًا كبوابة إلى أوروبا من قبل روسيا سيمكن الألمان من الاعتماد على موسكو للحصول على الطاقة، ومن ثم استغلالها لإنتاج ميزة سياسية واستراتيجية وقوة بالترابط بينهما. مع تعمق الأزمة بشأن أوكرانيا عام 2021، شكل الرئيس الأمريكى «جو بايدن» فريقا سريًا للعمل على سيناريوهات محتملة ركزت على استخدام الموارد العسكرية والاستخباراتية لتدمير خطوط الأنابيب مع إنكار أن يكون لواشنطن اليد فيها من أجل تجنب انتكاسة سياسية من حلفائها الأوروبيين أو تصعيد الصراع. كانت السرية ضرورية لحماية بايدن من تهم النفاق، لأنه تعهد مرارًا وتكرارًا بأن الولاياتالمتحدة لن تشارك بشكل مباشر فى أى نزاع مسلح مع روسيا بشأن أوكرانيا. وترأس مستشار الأمن القومى «جيك سوليفان» فريق العمل المشترك بين الوكالات والذى اجتمع نهاية عام 2021. تم التعامل مع العملية كإجراء سرى يتطلب إشرافًا من الكونجرس، ولكن تم التخلى عن هذه الفكرة وأصبحت «عملية استخباراتية سرية» عندما صرح بايدن وآخرون فى الإدارة بنواياهم علنًا وبوضوح لإيقاف خط الأنابيب، وجعل ما حدث سياسة معلن عنها، ربما كانت تهدف إلى إرسال تحذير إلى الروس، وتمت مناقشة عدة خيارات لتدمير خطوط الأنابيب. ووفقًا لهيرش، فإن المشاركين فى الاجتماع، وكثير منهم كانوا من الصقور فى إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق «باراك أوباما«. كان هناك الكثير من التحذيرات لما قد يأتي؛ فى أوائل فبراير 2022، قبل فترة وجيزة من الحرب الروسية الأوكرانية، تعهد الرئيس بايدن علنًا خلال مؤتمر صحفى مشترك رافقه المستشار الألمانى «أولاف شولتز«، بأنه «إذا غزت روسيا، أوكرانيا فلن يكون هناك خط نورد 2«، وحين تم الضغط عليه حول كيفية تنفيذ ذلك، أجاب، «أعدك، سنكون قادرين على القيام بذلك«. وأجاب شولتز، الذى كان يقف بجانب بايدن، على نفس السؤال، قائلاً «نحن فى هذا معًا«. فيما صرح وزير الخارجية الأمريكى «أنتونى بلينكين» أن التخريب قدم «فرصة هائلة لعدم الاعتماد على الطاقة الروسية بشكل نهائي؛ وهذا أمر مهم للغاية ويوفر فرصة استراتيجية هائلة للسنوات القادمة». وفى 22 فبراير 2022، قبل يومين من الحرب الروسية الأوكرانية، ألغى المستشار شولتز استكمال خط نورد ستريم 2 الذى كان من المقرر أن يكون جاهزًا لتسليم الغاز الروسى فى غضون ثلاثة أشهر تقريبًا. يعلم شولتز أن جدول أعمال عام 2030 للمنتدى الاقتصادى العالمى يتضمن عدم اعتماد الصناعة الألمانية على الغاز الروسى المنخفض التكاليف كمقدمة لإبادة الاقتصاد الأوروبي. لقد اعترفت إدارة بايدن بغطرستها بأنها كانت وراء التخريب، على الرغم من حظرها وتجنبها ترك أى دليل حقيقى وراء قيامها بتنفيذ العملية التخريبية. كان النرويجيون أساسيين فى هذه العملية بسبب وجودهم العسكرى بالقرب من الجزء المستهدف من بحر البلطيق بالإضافة إلى خبرتهم الكبيرة فى عمليات أعماق البحار. من المفترض أن طائرة هليكوبتر تابعة للبحرية النرويجية فى المنطقة لن تثير أى قلق حتى من الروس الذين يراقبون باستمرار. وبذلت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها فى وسائل الإعلام قصارى جهدهم لإلقاء اللوم على الروس وأنهم الجناة الحقيقيون. يبدو أن برلين لم تكن موثوقة بما يكفى ليكون لها صوت فى تخطيط وتنفيذ التفجير على الرغم من تضررها بشكل كبير من جراء ذلك. ويتزامن مع تقرير هيرش تصريحات وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية الأمريكية «فيكتوريا نولاند»، عن قيام الولاياتالمتحدة بدعم الهجمات الأوكرانية على شبه جزيرة القرم مع وصفها للمنشآت العسكرية الروسية فى شبه الجزيرة بأنها «أهداف مشروعة«. أدلت نولاند بهذه التصريحات عندما سئلت عن تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» فى يناير الماضى وقالت إن إدارة بايدن كانت مؤيدة لفكرة مساعدة أوكرانيا على مهاجمة روسيا على الرغم من خطر التصعيد. كما أعربت نولاند عن دعمها «لنزع السلاح» فى شبه جزيرة القرم. فيما انتقدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية «ماريا زاخاروفا» تصريحات نولاند قائلة إنها تحرض على تصعيد الحرب. وجاءت تعليقات نولاند بعد يوم من اعتراف وزير الخارجية الأمريكى بأن محاولة أوكرانيا لاستعادة شبه جزيرة القرم ستكون «خطًا أحمر» للرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» ما يدفع موسكو بالقيام برد كبير. إن دعم الولاياتالمتحدة لمثل هذه العمليات من شأنها أن تزيد من مخاطر استفزاز موسكو والصدام المباشر بين الناتو وروسيا. فى حين أن أوكرانيا لم تكن فى وضع يمكنها من شن هجوم ضد شبه جزيرة القرم، أوضحت إدارة بايدن خلال الصراع أنها لن تثنى كييف عن مهاجمة شبه الجزيرة. فيما تجدد روسيا دعواتها إلى السويد للكشف عن نتائج تحقيقات تفجير «نورد ستريم» التي توصلت إليها، التفجيرات التي أدت إلى توقف خط أنابيب نورد ستريم 1 وألحق أضرارًا بخط نورد ستريم 2 الجديد تمامًا. وأجرت السويد والدنمارك تحقيقًا مشتركًا في التفجيرات وخلصتا إلى أنها كانت متعمدة لكنها لم تصل إلى حد تسمية الجاني، وفقًا لموقع «oilprice».. إلى جانب هذه المعلومات، لا يزال هناك الكثير من الأسئلة حول تدمير نورد ستريم، الذى كان بلا لبس عملاً من أعمال الحرب أو حتى الإرهاب، والذى لا يزال بلا إجابة. ولكن يبقى السؤال الأخير والأكبر: كيف سترد روسيا؟ هل ستكون خطوة أقرب إلى حرب نووية محتملة بدأها بايدن أم إن الكرملين سيستمر في طلبه بأن يقوم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالتحقيق في الحادث؟ ستحرص موسكو بالتأكيد على اختيار الزمان والمكان والشكل المناسب للرد، وهو ما يجعل المشهد الأخير في هذه المسرحية لم يُكتب بعد. نقلا من عدد أخر ساعة بتاريخ 1/3/2023 أقرأ أيضأ : سياسي: الغرب يريد إطالة أمد الحرب الروسية الأوكرانية لإنهاك موسكو