فى أوج انتصاره فى حرب أكتوبر المجيدة قبل الرئيس السادات وقف إطلاق النار، وقال جملته الشهيرة : « مقدرش أحارب أمريكا «، وأوقف نذر حرب عالمية لا يستطيعها .. وأطلق تعبير «سلام الشرفاء» على معركته لاستعادة سيناء حرباً وسلماً. « سلام الشرفاء « لأنه حارب وقاتل وانتصر، وأرغم عدوه على الإذعان للسلام، والتسليم بأن مصر لن تترك شبراً واحداً محتلاً من سيناء، وستتحول إلى سجادة نيران لا تهدأ تحت أقدام جيش الاحتلال. وعندما قرر الكونجرس الأمريكى منح السادات ميداليته الذهبية، كان ذلك اعترافاً بدوره فى تحقيق سلام كان مستحيلاً. وكان حريصاً على سلامة كل جندى وضابط ، ولم يغامر بالزج بجيشه فى حرب عالمية بالوكالة ، لا يعرف أحد تداعياتها ومتى تنتهى ، وإذا كان فى استطاعته أن يستكمل تحرير سيناء سلماً ، فلماذا يستمر فى الحرب بعد انتصار عظيم يجب اقتطاف ثماره ؟ كان يعلم جيداً أن الولاياتالمتحدة لن تسمح بهزيمة إسرائيل، ولا أن تترك تفوقاً للسلاح الروسى فى مواجهة أسلحتها، ففتحت ترسانتها العسكرية، وأرسلت أسلحة ومعدات لم يسبق للجيش الأمريكى نفسه استخدامها. كانت الدبابات الأمريكية تأتى من مطار العريش المحتل إلى الجبهة مباشرة، وساد الذعر واشنطن وتل أبيب بعد الاجتياح الهائل للجيش المصرى وبخاصة الدبلوماسية المصرية فى المباغتة، وإخفاء ساعة الصفر. اتصلت رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير بوزير الخارجية الأمريكى الأسبق هنرى كيسنجر، قائلة «أخشى أن سيناء قد تضيع»، فقال لها «بل أخشى أن إسرائيل قد تضيع»، وقررت واشنطن استخدام كل أدواتها حفاظاً على إسرائيل. لم يغتر السادات بنشوة الانتصار ولم يركبه غرور القوة وكان سابقاً لعصره ، ولو استفاد بعض الزعماء من حكمته وحنكته فى إدارة الأزمة، لوفروا على دولهم وشعوبهم خسائر كبيرة . وهكذا مصر .. يمنحها الله فى الشدة زعماء وطنيين بقدر مخاطر المرحلة ، فيتخذون قرارات مصيرية تحمى بلدهم وشعبهم من أهوال كثيرة ، وتكرر المشهد العظيم فى ثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو عندما خرج الملايين فى الشوارع، يخلصون بلدهم من بين أنياب وأظافر الجماعة الإرهابية. الدعاء سر النجاة ، وكانت صيحة «الله أكبر» هى السلاح الأقوى للجنود الذين يجتاحون خط بارليف، ومهما استفحلت الأزمات ، فالمصريون يقولون دائماً يا رب ، فيأتى النصر من حيث لا يحتسبون ، ويصدق دائماً قول شاعر النيل العظيم حافظ إبراهيم « عناية الله جندى « .