العدالة هي الهدف الذي يسعى الجميع لتحقيقه بمختلف قطاعتها، وتسعى الدولة المصرية إلى تحقيق بُعد العدالة الإجتماعية الذى طالما كان هدفًا من أهداف الدولة قيادة وشعبًا، و في الآونة الأخيرة أصبحت العدالة الإجتماعية تحت رحمة تلك التغيرات التي تضرب مناخ العالم بأكمله، فأصبح من المستحيل تحقيق عدالة اجتماعية دون الوقوف على ركائز العدالة المناخية، لذلك نشرت دراسة بحثية قدمتها وحدة الوعي البيئي وتغيرات المناخ بالتعاون مع النشرة المصرية للبحوث بعنوان: " الأثر الاجتماعي لتغير المناخ في مصر وسُبل تحقيق العدالة المناخية" تزامنًا مع قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة حول إقرار الحق في بيئة نظيفة وصحية كحق من حقوق الإنسان قدم الأثر الاجتماعي للتغيرات المناخية على مصر، وكيف يمكننا تحقيق العدالة المناخية، وذلك في ضوء قرار المجلس العالمي لحقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة الحق في البيئة النظيفة كحق عالمي من حقوق الإنسان، أهم ما أشارت له الدراسة وتوصيتها لتحقيق العدالة المناخية، نتعرف عليها فى السطور التالية.. القطاعات التي تأثرت بتغير المناخ في مصر أثرت التغيرات المناخية على "الأمن الغذائي -الأمن المائي -قطاع الزراعة -الصيد -السياحة -نحر الشواطئ"، بالإضافة إلى أن الفئات الأكثر تعرضا للضرر مثل السيدات والأطفال وكبار السن وعمال المحاجر والبيئة الصحراوية، وكل هذا سوف يؤثر ليس فقط على الوضع الاقتصادي والسياسي بل والاجتماعي أيضا. تلك الأزمة المناخية التي انتبهت لها معظم دول العالم أولتها مصر بالاهتمام وعملت خلال السنوات الماضية على تنمية وتعزيز الجهود الإقليمية والدولية المشتركة في مجالات البيئة والمناخ، وذلك ليس فقط من خلال المشاركة، وأيضا عبر رئاسة العديد من المؤتمرات والمفاوضات واللجان المعنية بقضايا البيئة والمناخ سواء داخل افريقيا أو خارجها بالتنسيق مع الأممالمتحدة، فقد تقدمت مصر بطلب لإستضافة الدورة ال27 من مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأممالمتحدة بشأن تغير المناخ (27 COP) في عام 2022 كممثلة لتحديات وجهود وأولويات القارة الأفريقية في مواجهة أزمة التغيرات المناخية. استراتيجية مصر لمواجهة التغيرات المناخية اتخذت مصر العديد من السياسات والإجراءات لمواجهة تحدي التغيرات المناخية، والتكيف مع تداعياتها، وذلك انطلاقا من كونها تهديدات تنموية واقتصادية واجتماعية أكثر منها مجرد تهديدات بيئية، بداية من إنشاء المجلس الوطني للتغيرات المناخية، بموجب قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1912 لسنة 2015، كجهة وطنية رئيسية معنية بقضية التغيرات المناخية، وتعمل على رسم وصياغة وتحديث الاستراتيجيات والسياسات والخطط العامة للدولة فيما يخص التكيف مع هذه التغيرات، وذلك في ضوء الاتفاقيات الدولية، والمصالح الوطنية، هذا فضلا عن إعادة هيكلة الهيكل التنظيمي لوزارة البيئة، وإنشاء قسم جديد للبحث والتطوير في مجال البيئة والتغيرات المناخية. بجانب هذا، جاءت الإستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050، كواحدة من أهم قرارات المجلس الوطني للتغيرات المناخية، لرفع مستوى التنسيق بين كافة الوزارات والجهات المعنية في الدولة بشأن مجابهة مخاطر وتهديدات التغيرات المناخية، من خلال رسم خارطة طريق لأكثر السياسات والبرامج كفاءة وفاعلية في التكيف مع تداعيات تلك التهديدات، بما يضمن تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، وتتضمن أهم أهداف الاستراتيجية؛ تعزيز حوكمة وإدارة العمل في مجال التغيرات المناخية، زيادة المرونة والقدرة على التكيف مع التغيرات المناخية، وتحسين البنية التحتية لدعم الأنشطة المناخية، فضلا عن تعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة بما يرفع الوعي بضرورة التصدي لمخاطر التغيرات المناخية. مؤسسات تمويلية كما سعت مصر لتطبيق استراتيجيتها المناخية إلى التعاون مع مؤسسات التمويل الدولية؛ ومن هذا يعتبر البنك الدولي على رأس قائمة مؤسسات التمويل الدولية التي تتعاون معها مصر في مجال مواجهة التغيرات المناخية، لبحث سبل وآليات التعاون لتطوير سياسات مكافحة أزمة تغير المناخ، بهدف توفير الدعم المالي اللازم لمشروعات التنمية المستدامة، التي تمارس دورا هاما في مواجهة التهديدات المناخية التي تتعرض لها مصر، لاسيما أن وزارة التعاون الدولي تطرح مشروعات تقدر قيمتها بحوالي 365 مليون دولار في إطار تحقيق الهدف ال13 من أهداف التنمية المستدامة، والمعني بمسألة التغير المناخي في مصر. الاقتصاد الأخضر غير أن الاستراتيجية الأبرز التي تنتهجها مصر خلال الفترة الجارية هي تبني الاقتصاد الأخضر، حيث وضع القطاع المصرفي المصري البعد البيئي ضمن شروط تمويل المشروعات الحديثة بحيث لا يتم تمويل أي مشروع من شأنه أن يزيد من حدة ومخاطر التغيرات المناخية، وذلك بهدف التوسع في المشروعات الصديقة للبيئة في إطار مساعي مصر لتصبح نموذجا للتحول نحو الاقتصاد الأخضر، وترسيخ مفهوم الشركات الخضراء، والذي يشير إلى ضرورة التزام الشركات بالمعايير البيئية في كل ما تقوم به من ممارسات إنتاجية وتسويقية للسلع والخدمات، ووفق معايير معينة تضمن حماية الموارد البيئية، والحد من التلوث. ولهذا طرحت الحكومة المصرية أول سندات خضراء بقيمة 750 مليون دولار لتمويل المشروعات الصديقة للبيئة في 30 سبتمبر 2020، ومن بين أهم وأبرز تلك المشاريع التوسع في استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة، كالطاقة الشمسية، وطاقة الرياح والغاز الطبيعي. والمشروعات الأخرى المعنية بشئون النقل والمواصلات، بهدف تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الأخرى المضرة بالغلاف الجوي والمسببة للاحتباس الحراري، بهدف الحد من ارتفاع درجات الحرارة، وتلافي تداعياتها السلبية. على غرار توقيع وزارة البيئة والتنمية المحلية والنقل والصحة اتفاقا مشتركا عام 2020 لتنفيذ مشروع إدارة تلوث الهواء والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وذلك بتمويل من البنك الدولي قيمته 200 مليون دولار، كل هذا سينعكس بشكل إيجابي على الحد من تأثيرات التغيرات المناخية على المجتمع المصري. التكييف مع التغيرات وفي سبيل التكيف مع تغير المناخ، شرعت الحكومة المصرية في الحد من استهلاك مصادر الطاقة الملوثة للبيئة، عبر إصلاح منظومة دعم الطاقة، يمكن أن تؤدي جهود إلغاء الدعم، إلى جانب مبادرات كفاءة الزراعة واستخدام المياه، إلى تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في مصر بنسبة غير أن هذا أثر بالسلب على رفاهية الأسرة المصرية، بشكل مباشر من خلال ارتفاع أسعار سلع الطاقة المستهلكة، عقب ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأخرى بسبب زيادة تكاليف المدخلات الوسيطة، مثل النقل والتجارة، الأمر الذي أدى إلى انخفاض متواضع في الاستهلاك الأسري الحقيقي وزيادة طفيفة في مستويات الفقر على المدى القصير لذلك قامت الحكومة بزيادة مقدار الدعم الغذائي ونفذت برنامجين للتحويلات النقدية، هما: تكافل وكرامة، لحماية الفقراء والفئات الضعيفة. وعملت أيضا على توسيع نطاق تغطية برامج الحماية الاجتماعية؛ حيث زادت نسبة المستفيدين من البرنامجين من %1 عام 2015 إلى عام 2020. توصيات الدراسة رغم الأهمية المحورية للحماية الاجتماعية في مصر، فهناك حاجة ماسة إلى توسيع نطاق تغطيتها وزيادة قيمة الدعم النقدي، مع ضرورة النظر في إمكانية تضمين الطبقة الوسطى في شبكات الأمان الاجتماعي، والعمل على معالجة الآثار السلبية لتغير المناخ على الفقراء، ومن هذا يتضح أن أحد أبرز الأساليب لزيادة قدرة المجتمع المصري على الصمود، هو الحماية الاجتماعية التكيفية التي تأخذ في اعتبارها الصدمات المرتبطة بتغير المناخ قصيرة وطويلة الأجل، وتدمج تدخلات الحماية الاجتماعية مع إدارة مخاطر الكوارث وتدابير التكيف مع تغير المناخ، ما يتطلب تنفيذ منظومة الحماية الاجتماعية التكيفية في مصر، اتخاذ عدد من الخطوات تتضح فيما يلي: أولا: تضمين الاعتبارات المناخية في أطر الحماية الاجتماعية واستراتيجيات التنمية الوطنية، من خلال استكمال البرامج الاجتماعية بحزمة من أدوات التكيف في القطاعات الأخرى، كالزراعة، البنية التحتية، النقل، الطاقة، إدارة مخاطر الكوارث الوطنية، وأنظمة الإنذار المبكر. ثانيا: بناء مجموعة من أدوات الحماية الاجتماعية المبتكرة التي تسهم في توفير مصادر دخل مستدامة للأسر والفئات الضعيفة وحماية البيئة في الوقت نفسه، فإن هناك عدد من الدول استخدمت بنجاح تلك الأدوات على سبيل المثال برامج الأشغال العامة (PWPS) الفراعية للبيئة في ملاوي، سياسات سوق العمل النشطة (ALMPs) في الفلبين، برامج سبل العيش المستدامة(SLP) في منغوليا، وتأمين المحاصيل القائم على الطقس (WBCI) في الهند. ثالثا: تطوير نظم الحماية الاجتماعية القائمة: عبر توسيعها أفقيا لتوسيع تغطيتها لمناطق غير مشمولة بتلك الحماية وعموديا من خلال زيادة مستويات المنافع المقدمة من خلالها أظهرت التجارب أن البلدان التي لديها أنظمة حماية اجتماعية قائمة بالفعل قبل وقوع الصدمات المناخية تكون أكثر قدرة على إطلاق المزيد من الاستجابة الفورية والفقالة فور حدوثها. رابعاً: إشراك المجتمع في نظام الحماية الاجتماعية؛ حيث تلعب برامج الحماية الاجتماعية دورا حاسما في بناء إجماع واسع داخل المجتمع حول أهمية تنفيذ تدابير الحد من آثار تغير المناخ والتحول نحو سياسات خضراء أكثر استدامة، يتطلب ذلك مشاركة ممثلين عن القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني والمجتمعات المحلية في مناقشة السياسات الحكومية المقترحة للخروج باستراتيجية شاملة وواضحة. أخيرا والأكثر أهمية: تحسين آليات الاستهداف عبر تحديد الفئات والقطاعات وكذلك المناطق التي من المحتمل أن تكون الأكثر تضرزا من آثار وتداعيات التغيرات المناخية، حيث يمكن الاعتماد على نظم الإنذار المبكر في تحديد المستفيدين المحتملين من البرامج الاجتماعية، ومن أبرز تلك الفئات المرأة المصرية. ومن أجل تعزيز مساهمة النساء في مصر في جهود الاستجابة والتكيف والتخفيف من حدة التغير المناخي، يمكن الاستفادة من تجارب بعض الدول النامية التي نفذت مجموعة من الآليات والتدابير البارزة؛ مثل تدشين الأسس القانونية لتعميم المنظور الجنساني في تغير المناخ وسياسة إدارة مخاطر الكوارث؛ وتضمين النساء في تشكيل إدارات اللجان المحلية للحد من مخاطر الكوارث، وفي هذا السياق تبنت بعض الدول خطة عمل للمساواة بين الجنسين بشأن الحد من آثار تغير المناخ. بتوعية النساء وتثقيفهن حول مخاطر تغير المناخ من خلال التثقيف المجتمعي بشأن نظم الإنذار المبكر وإدارة المخاطر قبل حدوث الأزمة، حيث يتم إشراك النساء والرجال على قدم المساواة في جميع أنشطة إدارة المخاطر والمراقبة المستمرة لنظام الإنذار المبكر، فضلا عن هذا يجب تقديم الدعم المالي للنساء اللواتي يساهمن في حماية البيئة لتوفير الموارد المالية والمساعدة الفنية لتمكين المرأة ودعم جهودها لتنفيذ أنشطة عالية التأثير الأمر الذي سيربط القضايا البيئية بالمساواة بين الجنسين وتعزيز الاستقلال الاقتصادي للمرأة، ومن هذا فإن التوصية الأبرز في تأثير النوع الاجتماعي في قضايا المناخ. ما يرتبط بسد فجوة المعرفة و توفير إحصائيات متعلقة بالفجوات بين الجنسين في الأدوار والخبرات، وتضمين البيانات الخاصة بالسكان والتعليم والصحة والعمل وصنع القرار، والفقر، التمكين؛ فإن ما يتم إحصاءه بدقة يمكن الاستناد عليه لوضع استراتيجية فعالة لحماية اجتماعية للنساء في المجتمع المصري. اقرأ أيضا: أستاذ دراسات بيئية: التغيرات المناخية تهدد البشرية| فيديو