بالتأكيد.. كل حرب تنتهى بالتفاوض الذى ينهى حمامات الدم ويضع خطوط الحل للمشاكل المعلقة، لكن - للأسف الشديد - لا يبدو الجدل الدائر حول المحادثات بين روسياوأوكرانيا مبشراً بأى خطوة فى هذا الاتجاه. فى آخر حلقات هذا الجدل قالت موسكو إنها أرسلت وفداً للمباحثات مع وفد أوكرانى فى بيلاروسيا، بينما قال الرئيس الأوكرانى إنه مستعد للمباحثات ولكن فى أى مكان آخر غير (بيلا روسيا) التى اتهمها بالمشاركة فى الاجتياح الروسى لبلاده. وقبل ذلك كانت موسكو قد أعلنت فى اليوم الثانى لدخول قواتها إلى أوكرانيا أنها أوقفت القتال لساعات لبدء مباحثات مع المسئولين فى أوكرانيا لكنهم تراجعوا وتم استئناف القتال. بينما كان الرئيس الأوكرانى يقول إن المعروض من روسيا كان طلباً للاستسلام لا للتفاوض!! وقف الحرب خطوة ضرورية للعالم كله، وهى حاجة ملحة للطرفين الروسى والأوكرانى معاً فأوكرانيا تدفع ثمناً فادحاً لحرب كان يمكن تفاديها.. وروسيا رغم تفوقها العسكرى الكبير - لا تريد أن تكون مطالبة بأثمان أكبر لما حققته، ولا أن تتحمل المزيد من العقوبات الاقتصادية، ولا أن تنجر إلى حرب أوسع ليست فى مخططاتها ولا فى صالحها! المحادثات التى يجرى الجدل حولها لن تكون - إذا انعقدت - طريقاً للحل المطلوب. كانت المباحثات بهذا الشكل يمكن أن تفيد لو تمت قبل دخول القوات الروسية وبدء الحرب. بل وكانت ممكنة لو تمت والقوات الروسية لم تتجاوز شرق أوكرانيا الذى كان خاضعاً للانفصاليين. الآن سيكون المطلب الروسى هو الإقرار بالنتائج على الأرض، ولن يكون فى مقدور الجانب الأوكرانى أن يقر بها وهو مازال يدعو للمقاومة ويرفض الاستسلام. المباحثات بهذا الشكل لن تنتج شيئاً حقيقياً، وستكون - إذا تمت - نوعاً من كسب الوقت أو وسيلة لتحسين الصورة أمام الرأى العام العالمى وإظهار كل طرف رغبته فى تجنب المزيد من الحرب والدمار. التفاوض الحقيقى لابد أن يتم بمشاركة دولية فاعلة توقف القتال فوراً وتضع عناصر الحل وتضمن تنفيذه. ثم تنتقل إلى الأخطر وهو الصراع بين روسيا والغرب، والحاجة الماسة لنظام أمن أوروبى جديد يوفر الضمانات المتبادلة لروسيا وأوروبا، ويبعد شبح الصدام النووى. ويأخذ العبرة مما حدث فى العلاقات مع روسيا منذ سقوط الاتحاد السوفيتى وحتى حرب أوكرانيا، فيدرك أن العالم يتغير، وأن زمن الانفراد الأمريكى بالقرار فى شئون العالم قد انتهى! التفاوض مطلوب لإنهاء المأساة فى أوكرانيا. والتفاوض مطلوب أكثر لمنع الأسوأ الذى يخشاه العالم كله.. لكن التفاوض الجاد شىء، و(البروباجندا) شىء آخر. ما يجرى حتى الآن لا يعنى الا شيئاً واحداً: الحرب ستستمر طويلا!!