أخطر ما فى حرب أوكرانيا أن الموقف مفتوح على كل الاحتمالات، وأن التصعيد مستمر فى غياب أى جهد حقيقى لوقف المأساة، وأن الأخطاء فى تقدير الموقف والتى قادت الموقف للتفجر مازالت مستمرة ومازالت قادرة على أن تقود أطراف الصراع (وتقود العالم معهم) إلى الأخطر.. والأسوأ. الرئيس الفرنسى "ماكرون" قال بالأمس إن الحرب ستستمر طويلا وعلى الجميع الاستعداد لذلك. "ماكرون" كان الطرف الأكثر حضوراً فى محاولات منع الحرب، والأكثر حرصاً على منع التصعيد وترك الباب مفتوحاً أمام الحل الدبلوماسى. وهو حين يقول ذلك ينطلق من إدراك لحقيقة الموقف على الأرض. وقد جاء تصريحه بعد مكالمة مع الرئيس الأوكرانى فى العاصمة "كييف" حيث يدور قتال الشوارع بين الجيش الأوكرانى وقوات الغزو الروسى! الحرب ستستمر حتى بعد أن تسكت المدافع، لأن ما بدأ على حدود أوكرانيا لن ينتهى فى عاصمتها التى تحاصرها القوات الروسية. الصدام بين روسيا والغرب فى بداية مرحلة جديدة من حرب ستطول حتى يولد النظام الدولى الجديد بتوازناته المختلفة لكن ما يجرى فى أوكرانيا وردود الفعل عليه سوف يحدد حجم الخطر الذى يواجهه العالم فى هذه الجولة الجديدة من الصراع العالمى، وهل سيكون الصدام العسكرى هو عنوانها.. أم أن توازن الرعب بين القوى الكبرى يمكن أن يعيدها جميعاً إلى طريق السلامة حيث التنافس المحكوم بتجنب الحرب التى لا نجاة فيها لأحد! المخاطر كثيرة حتى بعد أن تسكت المدافع، والخطأ فى الحسابات ستكون له نتائج كارثية. وما حققته القوة العسكرية الروسية قد يغرى بالمزيد (!!) وما كانت عليه ردود فعل الغرب من تردد وارتباك قد تساعد على ذلك. لكن روسيا بالتأكيد تدرك أن المواجهة هنا ستختلف، وأن الأوضاع لن تعود لما قبل 1997، وأن دول شرق أوروبا لن تتخلى عن "الناتو"، وأن الحسابات الخطأ غير واردة فى عالم لن يسمح بحرب عالمية ثالثة لا نجاة فيها لأحد! قد يكون من الإشارات الإيجابية هنا - وسط كل هذا التصعيد- أن يبقى باب الحل الدبلوماسى مفتوحاً. جهود "ماكرون" كرئيس للاتحاد الأوروبى فى هذا السبيل مؤشر على توجه أوروبا بعيداً عن الحرب. وأمريكا وروسيا أعلنتا الحرص على التواصل الدبلوماسى رغم كل ما حدث. والكل يدرك أن البداية لابد أن تكون وقف إطلاق النار فى أوكرانيا، والكل يدرك أن الطريق بعد ذلك سيكون طويلاً وصعباً فى انتظار مولد نظام عالمى جديد، وأن مرحلة جديدة من الحرب الباردة بين القوى الكبرى قد بدأت وستستمر طويلاً.. لكن مازالت هناك فرصة لكى تظل الحرب الباردة محافظة على "برودتها"!!