لم يعد معرض القاهرة الدولى للكتاب مجرد مكان لعرض الكتب وبيعها؛ بل أصبح عُرسًا ثقافيًا مصريًا وعربيًا وعالميًا لمختلف الأعمار والأذواق المعرفية؛ ورغم أن الأطفال كانوا نجوم الدورة الثالثة والخمسين، فإن شهادات كبار المفكرين والمُبدعين والعلماء تظل البوصلة التى تُوجِّه جمهور المعرض إلى الطريق الصحيح فى اقتناء الكتب، كما تلفت نظر الناشرين إلى بعض النقص فى العناوين لتداركه فى الدورات المقبلة.. ولهذا قامت الصفحة الثقافية بالأخبار باستطلاع ثقافى بانورامى لحشد من المُفكرين والأدباء والعلماء والروائيين حول أبرز الكتب التى توجهت إليها أنظارهم هذا العام وتلك التى بحثوا عنها ولم يجدوها. فى البداية يؤكد المؤرخ الكبير والمحقق القدير د. أيمن فؤاد سيد أنه قد ذهب إلى معرض الكتاب مرتين هذا العام، وأن هناك عناوين كان يبحث عنها وينتظرها من النصوص القديمة من كُتب التراث التاريخى والجغرافى وعلم الكلام وغيرها. ولكنه للأسف لم يجد جديدًا فيما يبحث عنه؛ وأشار إلى أنه قد صدر له كتابان فى المعرض هما: (الانتصار لواسطة عقد الأمصار) لابن دقماق ونُشرعن مكتبة الإسكندرية، و(رسائل المقريزي)، الصادر عن معهد المخطوطات العربية، وأوضح د. أيمن أن دار الوراقين بلندن قد ترجمت نصوصًا مهمة لمفكرين أوروبيين عن التاريخ الإسلامى والعقيدة. وكذلك توجد دور نشر أوروبية لديها نشرات مهمة عن الحضارة العربية والتاريخ الإسلامى كنت أتمنى وجودها فى هذا المعرض، إضافة إلى دار نور حوران السورية التى نشرت مجموعة مهمة من رسائل الماجستير والدكتوراه؛ وقد لاحظت أن الرواية قد احتلت موقعًا ملحوظًا من مساحة العرض فاق الدراسات العلمية. احتفالية د. هيكل ويقول الناقد الأدبى د. أبو اليزيد الشرقاوي، إنه قد ذهب إلى المعرض هذا العام ثلاث مرات، وشارك فى العديد من الندوات مناقشًا ومحللًا للأعمال الإبداعية الجديدة، وأن الموقف الأبرز الذى لفت انتباهه هو حرص وزيرة الثقافة د. إيناس عبد الدايم على حضور الاحتفال بمئوية د. أحمد هيكل وزير الثقافة الأسبق، وحديثها عن دوره الكبير فى خدمة الثقافة العربية؛ مؤكدًا أنه قد لاحظ انسيابية مُبهرة فى حركة المعرض، كما لاحظ أن هناك زخمًا كبيرًا فى نشر الروايات المصرية والعربية، ولكن المؤسف أن المحتوى الفنى متراجعٌ بصورة ملحوظة، والأمر نفسه فى الكتب النقدية التى تكرر نفسها. وتُعيد إنتاج الكتب القديمة، وبالتالى فإن المخرج يتمثل فى الإلحاح على الترجمة بشقيها: من اللغات الأوروبية إلى العربية، أو الترجمة العكسية. ويشير الشاعر فولاذ عبد الله الأنور إلى أنه قد قام بزيارة واحدة فقط إلى المعرض هذا العام للمشاركة فى إحدى أمسياته الشعرية، لكن بانتهاء الفعَّاليّات، أجد الآن أمامى كتبًا مهمة اقتنيتها من عدة أجنحة، ما زالت تنتظر تصفّحى لها، من بينها: (بعد الخمسين عرفت طريقي). د.محمود الربيعي، و(الحب والكراهية)د.أحمد فؤاد الأهواني، و(الجمال) د.رمضان البسطاويسي، و(أوراق العمر الأخضر) لسعيد الخولي، و(الخاطرات) د. سعيد توفيق، و(ما التاريخ) د. أحمد زكريا الشلق، فضلًا عن عدة كتب مهمة لعلماء كلية العلوم فى علوم: الأنطولوجيا والفيزياء وطبقات الأرض والحيوان والحشرات. ولعل من أهمها (قصة التطور) د.أنور عبد العليم.. أما الشاعر والناقد المتميز د. أحمد بلبولة فيؤكد أنه قد ذهب إلى المعرض هذا العام عدة مرات، وأنه كان مميزًا جدًا فى التنظيم والأخذ بالإجراءات الاحترازية. وذلك للمجهود الكبير الذى بذله الناقد د. هيثم الحاج علي، ود. شوكت المصري، خاصة فى الفعاليات الثقافية والأمسيات الشعرية التى شارك فيها. وأوضح أن الصالون الثقافى فى الاحتفال بمئوية د. أحمد هيكل، وزير الثقافة الأسبق، قد شهد ظاهرة لافتة وهى مشاركة وزيرة الثقافة التى جلست بين الحضور، ضاربة المثل للوزير الذى يُثمن القيم الرفيعة، مشيرًا إلى أبرز عناوين حصيلة المعرض تمثلت في: رواية (السلاحف لا تعرف الوحدة) لضحى صلاح، وديوان (عواء مصحح اللغة) لعبد الرحمن مقلد. وديوان (فى صحة الجدوى) لسلمى فايد، وديوان (سابت نفسُها للرقص) لحاتم الأطير؛ إضافة إلى العديد من إصدارات هيئة قصور الثقافة المميزة، مثل: (فى الشعر) لأرسطو بتحقيق شكرى عيَّاد، و(دفاع عن البلاغة) لأحمد حسن الزيات، وديوان (صريع الغواني)، و(حكماء الإسلام) للبيهقي، وغيرها من العناوين اللافتة والمميزة عن هيئة الكتاب. غياب النشر العلمي! وينتقد د. أحمد عبد الجواد، أستاذ الجيوفيزياء التطبيقية بكلية العلوم جامعة عين شمس، غياب الكتب العلمية، قائلًا إن العلم لا محل له من الإعراب فى معرض هذا العام، إذ لم يتم تخصيص صالة أو قاعة واحدة لأى مجال علمي، كما كانت مناقشات الندوات بعيدة تمامًا عن المجالات العلمية، اللهم إلا ندوة واحدة عن التغيرات المُناخية، ويبدو أن القائمين على المعرض بعيدون فى تخصصاتهم عن المجال العلمي.. ويشير د. عبد الجواد إلى أنه رغم هذا فإن هناك مجموعة كبيرة من الكتب العلمية ذات عناوين جاذبة للحضور لو كان تم التنبيه إليها، مثل: (مصر والزلازل فى العصر الحديث). و(الغاز الطبيعى.. الحصان الأسود فى الاقتصاد الوطني)، و(مستقبل صناعة الأسمنت فى مصر)، وغيرها من العناوين التى لو لاقت الاهتمام الكافى لراجت فى المعرض. ويبدو أن الكتاب العلمى الوحيد الذى وجد إقبالًا هو: (العلم عند العرب وأثره فى تطور العلم العالمي) ويعود إلى القرن الرابع عشر؛ ويرجو د.عبد الجواد أن يُجرى تخصيص صالات أو قاعات للمجالات العلمية، مُقترحًا أن نعطى العلماء فرصة للمشاركة فى إدارة المعرض فى السنوات المقبلة. ويوافق العالم الجيولوجى د.حسن البخيت رئيس المجلس الاستشارى العربى للتعدين، على الرأى السابق، ويوضح أنه بحث عن الكتب الجديدة فى مجال المعادن الصناعية، فوجد بعضها ولم يجد الآخر، كما لاحظ إعادة نشر لبعض الكتب العلمية القديمة، وإن كان هذا دليلًا على وجود القراء فى كل المجالات. ويُتابع د. البخيت: زرتُ معرض هذا العام زيارة خاطفة مع أولادى وأحفادي. وكنتُ خاضعًا لرغباتهم فى المرور على دور النشر ومطالعة أرفف الكتب؛ كما لفت نظرى الإقبال الملحوظ على شراء الكتب، وكنتُ أعتقد أن الثورة الرقمية ستتسبب فى إحجام القراء عن الكُتب الورقية، ولكننى وجدت عكس ذلك تمامًا. الرواية الأكثر مبيعًا من ناحية أخرى كانت الأعمال الروائية الأبرز عند د. حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، الذى يقول إنه قد اشترى مجموعة كبيرة من الكتب من معرض الكتاب هذا العام. ومنها رواية (أرض بلا ظل) للمستشار الروائى محمد عبد العال الخطيب، نائب رئيس هيئة قضايا الدولة، وهى رواية متميزة جدًا، ورواية التشويق والإثارة (زائر منتصف الليل) لخالد أمين، ومذكرات نبيل فهمي، وزير الخارجية السابق، ورواية (الجمعية السرية للمواطنين) لأشرف العشماوي، ورواية (خريف دماء وعشق) لأحمد مدحت سليم. وهى مستوحاة عن قصة توحيد القطرين فى فترة الملك مينا، وروايتا (محطة الرمل) و(الزعفرانة) لأحمد سلامة، إضافة إلى مجموعة أخرى من كتب التاريخ والآثار، ومنها كتاب (سبعة أيام فى فندق سيسل) تأليف: هارى تيزلاف، وترجمة: غادة جاد، وكتاب (الكتابات المُعماة فى الحضارة المصرية القديمة)، تأليف د. نجوى محمد متولي، وقد صدر عن مكتبة الإسكندرية. وأضاف د. عبد البصير أنه كان يتطلع إلى رؤية عدد أكبر من الكتب عن الديانة المصرية القديمة فى دور النشر التى تختص بالنشر الأجنبي. وتقول الروائية د. ضحى عاصي: اعتمدتُ فى شراء كتب هذا العام على معرفتى بالكاتب وأسلوبه، وهناك قائمة طويلة من الأسماء والعناوين كنتُ مهتمة باقتنائها، مثل: (السرايا الصفرا) محمد الشماع، و(السرد وأسراره) سيد الوكيل، و(أزمة الليبرالية فى مصر) مارك مجدي. و(السرد والخاصية الثقافية) سيد ضيف الله؛ وتضيف ضحى: ومن الأعمال السردية الحديثة: (آه لو تدرى بحالي) أسامة غريب، و(السيدة الزجاجية) عمرو العادلي، و(شيطان الخضر) محمد إبراهيم طه، و(الجمعية السرية للمواطنين) أشرف العشماوي، و(سر العنبر) ميّ خالد؛ ومن المترجمات كتاب (نضال النساء) لمارتا بران. وفى الختام تقول الأديبة غادة كريم: بحثت فى المعرض عن كتب علم نفس والتأمل فى الشخصيات المختلفة للبشر ووجدت الكثير،ولكنى لم أجد بسهولة الكتب المترجمة فى هذا المجال. وفى ميدان العلاقات الإنسانية، وقد جذبنى كتاب بعنوان «أربع محاولات للحياة»، لأربعة مؤلفين: أسامة علام وأحمد عبد المجيد ونشوى صلاح ومروة سمير، لأنه تجربة جديدة حيث يكتب كل منهم من منظوره عن نفس الموضوع: الاكتئاب.. الصداقة.. الأمل.. الفشل.. البهجة.. وهكذا، وبذلك يصبح لدى القارئ أربع وجهات نظر مختلفة. اقرأ ايضا | لم يعد معرض القاهرة الدولى للكتاب مجرد مكان لعرض الكتب وبيعها؛ بل أصبح عُرسًا ثقافيًا مصريًا وعربيًا وعالميًا لمختلف الأعمار والأذواق المعرفية