خالد حمزة الأوضاع تزداد اشتعالا يوما بعد يوم على الحدود الأوكرانية الروسية، ولم يعد الأمر يهم البلدين فقط، بل صار أزمة روسية مع أمريكا والغرب، تنذر فى حالة مضى روسيا قدما فى خططها للسيطرة بشكل أو بآخر على أوكرانيا إلى نشوب حرب لن تقتصر على المنطقة الحدودية أو حتى اجتياح روسيا للأراضى الأوكرانية، كما حدث فى جورجيا المجاورة أو شبه جزيرة القرم أو فى اجتياح روسى شهير للمجر، بل ستمتد هذه المرة لتطال القارة العجوز فى محاولة لوقف طموحات الدب الروسى الطامح تحت قيادة بوتين لاستعادة هيبة الاتحاد السوفيتى المنحل. وفى اجتماع وزيرى الخارجية الأمريكى والروسى، فى جنيف، ظل الحل السياسى ماثلا، خاصة بعد لقائهما ، والاتفاق على تبادل الرسائل الخطية بينهما، واللقاءات بين الوزيرين التى قد تمتد للقاء الرئيسين، إذا تطلبت الأمور ذلك. ووسط تلك التطورات مازالت الجهود السياسية والدبلوماسية لوقف فتيل الحرب تراوح مكانها، فقد أوضحت الولاياتالمتحدة وحلف شمال الأطلسى الناتو، أنهما يريدان إجراء حوار مع روسيا لتجنب الصراع، ومن جانبها تريد موسكو أيضا استمرار الحوار، وقد مثل الاجتماع الافتراضى للرئيس الأمريكى جو بايدن مع نظيره الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى وقت سابق، مجرد بداية حيث سيتبعه مزيد من المحادثات مع الدول الأخرى الأعضاء فى حلف شمال الأطلنطى الناتو، لكن مطالب روسيا وما يسمى ب الخطوط الحمراء، تجعل الدبلوماسية صعبة، وتريد روسيا تأكيدات بأن أوكرانيا، لن يُسمح لها أبدا بالانضمام إلى الحلف، كما تريد ألا يكون لأعضاء الناتو قوات دائمة مقرها أوكرانيا، ووقف المناورات العسكرية بالقرب من الحدود الروسية. ويصر الناتو على أنه تحالف دفاعى، ولا يمثل تهديدا لروسيا، لكنه أوضح أنه يعتقد أن لأوكرانيا الحق فى اتخاذ قراراتها كدولة ذات سيادة، وأنه ليس على استعداد لمنح روسيا، حق النقض الفيتو بشأن مستقبل أوكرانيا، وفى المقابل دعا الرئيس الروسى الغرب، إلى تقديم ضمانات أمنية فورية، من أجل نزع فتيل الأزمة على الحدود الأوكرانية الروسية. ونفى فلاديمير بوتين، التخطيط لغزو أوكرانيا، لكنه هدد باتخاذ إجراءات عسكرية للتصدى لما وصفه بتوسع الناتو نحو الحدود الروسية، ومع كل ذلك، ازدادت المخاوف من تأهب روسيا إلى اجتياح اوكرانيا، بعد تقارير عن تعزيز قواتها قرب الحدود بين البلدين، واستبقت روسيا ذلك كما تقول صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، بهجوم إلكترونى شامل استهدف مؤسسات وسفارات أوكرانيا ورسالة مصاحبة تقول: اانتظروا الأسوأب. وظهرت الرسالة فى هجمات إلكترونية شاملة، استهدفت عددًا من الهيئات الحكومية الأوكرانية، أوقفتها تماما عن العمل، وفى بدء الهجوم كانت تظهر على المواقع المستهدفة، رسالة بثلاث لغات هى الأوكرانية والروسية والبولندية، وقالت الرسالة: اأيها الأوكرانيون كل بياناتكم الشخصية، باتت محمّلة على الشبكة العامة للإنترنت، وهذا بالنسبة لماضيكم وحاضركم ومستقبلكمب، وكانت وزارتا الخارجية والتعليم والسفارات فى كل من المملكة المتحدةوالولاياتالمتحدة والسويد، من بين المؤسسات الأوكرانية التى استهدفها الهجوم الإلكترونى، والتى زاد عددها على عشر مؤسسات، ومن بين المواقع المستهدفة، كان موقع يضم دوائر حكومية أوكرانية تخزن بيانات شخصية خاصة بكوفيد 19 وشهاداته، ولم يتضح بعد مَن يقف وراء الهجوم، لكن متحدثا قال إن هجمات إلكترونية سابقة، كانت قد أتت من روسيا. وقالت السلطات الأوكرانية، إنها تمكنت على مدار تسعة أشهر خلال العام الماضى، من التصدى لنحو 1٫200 هجوم إلكترونى، وقالت إن عددا من المواقع الإلكترونية، تم تعليقها فى محاولة لمنع الهجوم من الانتشار. كما تم استعادة عدد من تلك المواقع، إلا إنه لم يتم تسريب أى بيانات شخصية، بحسب تقييمات مبدئية، كما أنه لم يتغير أى محتوى لأشخاص أو لجهات رسمية، وتعتقد السلطات أن الهجوم يقف وراءه قراصنة قوميون روس، وقد لا يكون بأوامر من الكرملين، لكنه نجح فى بثّ الإرباك فى الداخل الأوكرانى، وأتى الهجوم على المواقع الإلكترونية الأوكرانية، متسقا مع الوقائع السابقة، لكنه مع ذلك يبدو غريبا، ويتمثل وجْه الغرابة هنا فى التهديدات بحذف بيانات شخصية، والتى تبدو تهديدات لا معنى لها، وقد برهنت روسيا أكثر من مرة على تفوقها فى الهجمات الإلكترونية، وعندما اجتاحت جورجيا عام 2008، استبَقت ذلك بهجمات إلكترونية على المواقع الحكومية الجورجية، تسببت فى شللها التام، وعندما ضمّت شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014، واجهت اتهاما بشن هجمات إلكترونية، لإعاقة الاتصالات وبثّ حالة من الارتباك، بينما كان الجنود الروس ينتشرون على الأرض. وردًا على ذلك، قال وزير خارجية الاتحاد الأوروبى جوزيب بوريل، إن كل موارد الاتحاد تم حشدها، لمساعدة أوكرانيا فى التعامل مع هذا النوع من الهجمات، وأمام كل تلك الهجمات السيبرانية أيضًا، تجرى الاستعدادات الروسية العسكرية على طول الحدود مع أوكرانيا على قدم وساق، وبما فى ذلك مناورات عسكرية روسية داخل أراضيها، ومع دول مجاورة استعدادًا لأى اجتياح محتمل لأوكرانيا. وحسب صحيفة ديلى ميل البريطانية، فإن الرئيس الروسى بوتين فى حال اختياره للحرب، سيختار سيناريو الكابوس لغزو كامل لأوكرانيا، وهو السيناريو الذى يخشاه الغرب، وحتى وقت قريب كان المتوقع أن بوتين سيختار خيار إرسال قوات إلى منطقة دونباس الانفصالية فى جنوب شرق أوكرانيا، ثم التفاوض من أجل أن تصبح دولة مستقلة، مما يوفر منطقة عازلة بين أوكرانيا المؤيدة للغرب وروسيا، ولأن المنطقة محتلة بالفعل من قبل الانفصاليين الموالين لروسيا، وكانت فى حالة حرب منذ عام 2014، كان يُعتقد أنها لن تقدم مقاومة أمام القوات الروسية، ولكن تلك المعلومات تغيرت الآن، مع قلق الغرب من توغل أكبر بكثير للروس، وسط مخاوف من اندلاع حرب، تجتاح المدن الأوكرانية، وارتفاع عدد القتلى المدنيين، وهذا ما أكده المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون بقوله: اإن المعلومات الاستخباراتية حول الغزو الروسى الشامل لأوكرانيا، تحمل مصداقية كبيرة الآنب. وتقدر أعداد القوات الروسية الجديدة حول أوكرانيا، من 60 ألفًا إلى 100 ألف، وهذا العدد قد يرتفع إلى مايقارب ال200 ألف، ويعتقد مسئولون أمريكيون إن غزو أوكرانيا، سيكون صعبا ومكلفا لروسيا بشكل كبير، وأنها لن تستطيع إبقاء مثل هذه القوات منتشرة إلى أجل غير مسمى، لأسباب مالية ولوجستية، وستحتاج إلى سحبها فى أقرب وقت. وقد يبدأ الهجوم الروسى بسيطرة انفصاليين مدعومين من روسيا على شرق أوكرانيا، ويكون هذا الإجراء إشارة البدء لفتيل الحرب فى أوكرانيا، ويمكن لروسيا استخدام مثل هذا الحادث كسبب للحرب، وأوكرانيا قد يتم استفزازها للهجوم على الانفصاليين، الذين قد يطلبون من روسيا إرسال قوات للمساعدة، ثم تستغل القوات الروسية ذلك بتوسيع نطاق القتال فى شرق أوكرانيا، لإجبار أوكرانيا على الصراع العسكرى، والتوغل أكثر داخل أوكرانيا والدخول فى حرب شاملة، قد تؤدى فى النهاية لتغيير النظام، واستبداله بنظام آخر موال لها سياسيا، كما يمكن لروسيا أن تشن هجومًا على أوكرانيا من شبه جزيرة القرم وذلك كله عبر شن ضربات موجعة بالمدفعية والصواريخ، وغارات جوية على الوحدات الأوكرانية، وقد تستولى وحدات القوات الخاصة على الجسور وتقاطعات السكك الحديدية مما يسمح للقوات والدبابات بالتقدم، ووفقا لهذا السيناريو، قد يتضمن الهجوم تحركًا إلى شمال شرق أوكرانيا، ولكن ربما لا يدخل المدن، حيث قد تتورط القوات فى قتال المدن، ورغم كل ذلك يعتقد الغرب أن أى غزو روسى شامل، سيكون الأكثر تكلفة اقتصاديًا وسياسيًا، ومن حيث الأرواح البشرية، وربما لذلك هو الأقل احتمالًا، وحتى لو تغلبت القوات الروسية على الجيش الأوكرانى، وهو نصف حجم الجيش الروسى بعدده وعتاده الأكثر تطورا، فقد تواجه روسيا مقاومة، على طريقة حرب العصابات داخل المدن والمناطق المكتظة بالسكان، مما يجعل من الصعب السيطرة على الأراضى التى سيتم الاستيلاء عليها.